انطلاق فعاليات مهرجان الأسماك الأول بمركز القحمة    «الإحصاء»: ارتفاع مؤشر الأنشطة النفطية 3.8%.. و«غير النفطية» 2.4%    فن "صناعة الأبواب والنقوش الجصية" لا زال حاضرًا في الذاكرة    استشهاد 19 فلسطينيًا في غزة    «كارثة كاليفورنيا» تلغي رحلة بايدن.. الأخيرة    انطلاق الجولة ال14 من دوري روشن السعودي للمحترفين.. اليوم    النفط يهبط مع مخاوف الطلب وارتفاع الدولار والتركيز على سياسات الطاقة القادمة    افتتاح شارع الخليفة عمر بن الخطاب بالدمام    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    وفاة رجل بسرطان من تبرُّع.. هل تنتقل الأمراض النادرة عبر عمليات الزرع ؟    وزير الخارجية يبحث المستجدات مع نظيريه الإسباني والبريطاني    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    تدشين مشروع مراقبة وضبط مخالفات مصادر المياه واستخداماتها    المحاولة ال13.. هل ينجح لبنان اليوم ؟    مشعبي يطالب بإيقاف أفراح «الكأس» والتركيز على «الدوري»    15 ظاهرة جويّة حادّة شهدها العام 2024    الرماح والمغيرة يمثلان السعودية في رالي داكار 2025    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    النقش على الحجر    وزير الطاقة ونظيره الهيليني يترأسان اجتماعات الدورة الأولى للجنة الطاقة بمجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي الهيليني    من أنا ؟ سؤال مجرد    الأردن: السجن ل 3 متهمين في قضية «حج الزيارة»    الاتحاد يصطدم بالشباب.. والقادسية يواجه الرائد    هوبال    ولي العهد عنوان المجد    ما ينفع لا ما يُعجب    رابطة العالم الإسلامي تُدين وترفض خريطة إسرائيلية مزعومة تضم أجزاءً من الأردن ولبنان وسوريا    345.818 حالة إسعافية باشرها "هلال مكة" 2024    تعزيز التعاون السياحي السعودي - الصيني    بلدية محافظة الشماسية تكرّم متقاعديها تقديرًا لعطائهم    أمانة مكة تعالج الآثار الناتجة عن الحالة المطرية    بيئة الجوف تنفّذ 2703 زيارات تفتيشية    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    طالبات من دول العالم يطلعن على جهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    برشلونة يتأهّل لنهائي كأس السوبر الإسباني على حساب أتليتيك بلباو    67 % ضعف دعم الإدارة لسلامة المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينجح في استئصال جزء من القولون مصاب بورم سرطاني بفتحة واحدة    2.1 مليون مستفيد في مستشفى الملك خالد بالخرج    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل حملة "التوعية باللعب الالكتروني الصحي"    الاتحاد والهلال    الاتحاد يوافق على إعارة "حاجي" ل"الرياض" حتى نهاية الموسم    أمير المدينة يطلع على مشاريع تنموية بقيمة 100 مليون ريال    تحرير الوعي العربي أصعب من تحرير فلسطين    التأبين أمر مجهد    قصة أغرب سارق دجاج في العالم    إنتاج السمن البري    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    دكتور فارس باعوض في القفص الذهبي    على شاطئ أبحر في جدة .. آل بن مرضاح المري وآل الزهراني يحتفلون بقعد قران عبدالله    المملكة تتصدر حجم الاستثمار الجريء في عام 2024    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    المنتخب الجيد!    اطلع على إنجازات معهد ريادة الأعمال.. أمير المدينة ينوه بدعم القيادة للمنظومة العدلية    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    يهرب مخدرات بسبب مسلسل تلفزيوني    أمير المدينة يتفقد محافظة العيص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النص النسوي في مواجهة مسدس الناقد
نشر في اليوم يوم 14 - 06 - 2004

في ندوة عقدتها مؤخرا ورشة الزيتون في القاهرة لمناقشة المجموعة القصصية (البنت التي سرقت طول أخيها) للكاتبة صفاء النجار ، طرحت الناقدة الدكتورة شيرين أبو النجا وجهة نظر نقدية مثيرة في أدب المرأة مفادها أنها تتحسس مسدسها عندما تصدر أية كاتبة كتابا لأن الكثير من كتابات المرأة غير حقيقية (؟؟)، وقد شكلت لدى القراء ما يسمى بالكتابة النسوية (جريدة اليوم 22/4/2005).
رأي مثير ومفاجئ بالفعل ويدفع إلى التساؤل وإعادة النظر في كثير من القضايا والمسائل مثل علاقة النقد بالإبداع ، ما النقد، والنظرة السائدة لأدب المرأة ومدى تأثرها بالحاضن الثقافي الذكوري..الخ.
وها نحن هنا نفتح الجزء الثاني من الملف الذي طرحناه الأسبوع الماضي، لنستطلع المزيد من الآراء حول الموضوع، لأنه بات ملكاً للقارئ والمبدع العربي في كل مكان ولم يعد رهيناً لتلك الصالة التي أطلقت منها د. شيرين أبو النجا صرختها (أتحسس مسدسي عندما تصدر أي كاتبة كتاباً!) فماذا قالت الكاتبات في السعودية؟
أياد من زجاج
في البداية تتساءل الشاعرة والاديبة سارة الخثلان لماذا لا تحمل (أبو النجا) مقصا بدلا من المسدس بما أنها مصرة على استخدام الحديد والنار؟
وتضيف قائلة: أنا لا أرى أي متضاد في وضع المرأة والرجل، الروح والجسد، العقل والعاطفة، وبالتالي أدب المرأة، وأدب الرجل، فالرجل والمرأة متلازمان والروح والجسد كذلك إلا بعد الموت ولا أدري هل هذا ما يريده دعاة الانفصال, دعاة (أدب المرأة والرجل)؟
في الحقيقة شغلنا عن الأهم بالمهم السخيف الذي عنه يتحدثون. لقد خلعوا على الأدب الذي تكتبه المرأة عباءة الرداءة، لأنه فقط كتب بأيد شكلها يختلف، وهذا في الحقيقة قصور فكري، من قبل الذين يمارسونه فبدلا من الدخول في عمق النص ورؤية ما بداخل جوفه هم يرمونه بالحجارة ليسقط بين أيديهم حتى يتأكدوا هل به شرايين أم أنه فقط زجاج وانكسر!!!
ان "أبو النجا" عندما تحمل مسدسها وكذلك الكثيرون لا هم لهم الا الحديث عن الفروق التي يجب ان تحملها النصوص التي تكتبها المرأة لا تبحث عن البيئة التي كتبت فيها هذه النصوص وإنما تبحث عن شكل اليد، لقد كتبت المرأة الشعر والرواية وكافة فروع الأدب في بيئات غاية في الصعوبة والتهميش ومع هذا الواقع المهيمن بكل ثقله على أنفاس المرأة المبدعة أجادت وتفوقت الا لعيون لا ترى.
علاقة الثقة والاحترام
وتضيف الخثلان: هناك أسماء أشرقت في حلكة الظلام ولكن من يبنون الجدران أو يحملون المسدسات كانوا مستندين على جدرانهم النفسية أو يداعبون مسدساتهم!!
انني أقترح ان تحمل (أبو النجا) مقصا وتدخل حديقة الابداع فهناك تستطيع أن تمارس هواية التقطيع بشكل سلمي لا غضاضة فيه، بل ومرحب به، لأنه في هذه الحالة سيبين جمال الحديقة ومعوج النبات وهنا ستحل علاقة الثقة والاحترام عوضا عن محاولة الالغاء والتهميش المهيمنة الآن بين الناقد والمبدع.
وتقول القاصة هناء حجازي إن أي عمل رديء أو ضعيف في رأيي يجب أن يواجه بقوة، وأن يعلن عن رداءته وضعفه، وأن يتم التعامل معه بكل موضوعية، لأننا نتعامل مع النص وليس مع الكاتب، ما الذي يفيد الأدب أو المرأة إذا جاملناها على حساب الأدب والإبداع، من المستفيد هنا، لا أحد... لا الإبداع ولا المبدعة.
على الناقد أن يقوم بعمله
وعن العلاقة التي يجب أن تسود بين الناقد والنص تقول إنني أتعامل مع المسألة بحس عملي بحت، على الناقد أن يقوم بعمله، وعلى المبدع أن يتعامل مع المسألة بنفس الحس العملي، المشكلة في النهاية أننا بشر وأن الشخصنة والتأثيرات الاجتماعية والعلاقات وكل تشوهات البيئة التي نشأنا فيها تظهر جلية في علاقة الناقد بالمرأة المبدعة، وبالتالي يتم إما التعامل معها برهافة وتصفيق لعمل لا تستحق عليه أي تصفيق، أو الهرب من إبداعها، وعدم الالتفات إليه حتى لا يتهم الناقد بالضعف نحو الجنس الآخر، هل رأيت مدى الإشكالية التي نعانيها سويا، ناقدة ومبدعة؟
وتتابع حجازي قائلة ربما أن الناقدة شيرين أبو النجا واستكمالا لحديثي عن علاقة الناقد بالمبدعة تقع في نفس الإشكالية، فهي كي تبدو قوية ومسيطرة ولا تخضع لتأثير جنسها عليها، حتى ينظر إليها باحترام أكبر وبتقدير أعلى أن تعلن أنه لا وجود لكاتبة أنثى متجاوزة، وأن كتابة المبدعة العربية تتسم بالرداءة والضعف، والتعميم كما تعلم في كل الأحوال دائما يعود بالوبال على معتنقه.
المتجاوز نادر
وتؤكد قائلة: الكاتب المبدع المتجاوز بشكل عام نادر، وقليل في العالم العربي، لنضرب أمثلة، لنعد على اصابع اليد الكاتب المتجاوز في إبداعه، الكاتب الذي يستحق جائزة نوبل أو أي جائزة عالمية، قارن بين الأسماء التي ستذكرها وبين عدد كتاب أمريكا اللاتينية مثلا الذين يستحقون الجائزة، هكذا بتجرد وبدون أي ضعف إنساني أو ميل لكتابنا العرب، أو قارن بين الروايات العربية وبين روايات أمريكا اللاتينية أو فرنسا، وقل لي كم عدد الكتاب الباهرين عندنا، ثم بعد ذلك لنحاسب المرأة على إبداعها المتواضع.
من المعروف أن عدد الكاتبات على مستوى العالم قليل، لكن ذلك لا يمنع من وجود المتميزات فكرا وقيمة وإبداعا، وهذا متوافر أيضا في العالم العربي. سأبتعد عن الأسماء الملمعة ولنتذكر أسماء مثل هدى بركات، حنان الشيخ ورجاء عالم. ألا تكتب هؤلاء إبداعا متجاوزا، عني أنا لا أنظر إلى جنس الكاتب، وأتمتع بذائقة صعبة للغاية، لكنها تنحاز لمن ذكرت مقابل أسماء رجالية ضعيفة المستوى أو رديئة.
غثاء المبدع
وتقول القاصة قماشة العليان: قد ينطبق رأي د. شيرين أبو النجا على كتابات المرأة والرجل وليس المرأة تحديداً لأن هناك نوعا من الكتاب من الجنسين يستهين بالقارئ ويستسهل النشر ويحيط نفسه بهالة كبيرة لا يستحقها مما يستفز المهتمين بالأدب ويتهيأون لإطلاق الرصاص عليه هو شخصياً وليس كتابته لنستريح منه ومن غثائه المطروح على الملأ.
وتضيف العليان قائلة: هناك كتابات رديئة (من الشعر والقصة) يلبسونها أحيانا رداء الحداثة لإخفاء عيوبها الكثيرة التي لا تختفي بل هي ظاهرة للعيان ..
عبوة ناسفة وليس رصاصاً فقط!
وإذا أردنا أن نطبق رأي الدكتورة شيرين على الجميع فهناك شاعرة تصيبني بالغثيان كلما أصدرت قصيدة جديدة وأوشك على أن أقذفها بعبوة ناسفة وليس بالرصاص لتنتهي خربشتها التي تسميها شعراً والى الأبد !!
وتكمل العليان قائلة إن أدب المرأة ليس ضعيفاً بل هناك من النساء من تفوق الرجل في قوة إبداعها وصدقه وجمال تعابيره ، وهناك الكثيرات في العالم العربي ممن يستدل بهن على هذا التميز والتفوق وربما تكون أحلام مستغانمي نموذجاً ..
وقد سبق الكاتب أوسكار وايلد الدكتورة شيرين أبو النجا بزمن طويل حينما هاجم زميلته الكاتبة "ماري كوريللي" قائلا : مكانها لا ينبغي أن يكون أمام مكتب وفي يدها قلم .. مكانها هنا .. في السجن!!
أبيض وأسود فقط
الناقد هو مكمل للمبدع وكلاهما يصحح الطريق ويحدده ويرتقي بالقارئ في عالم الإبداع .. والنقد هو عملية تحليل للعمل الأدبي وإبراز جوانب السلب والإيجاب وتصحيح ما قد يبدو خارج الموضوع لكننا للأسف لا نعرف إلا الأبيض والأسود .. لم تعرف الألوان طريقها إلينا حتى الآن .. النقد لدينا انطباعات وليته ينتهي عند قول الانطباعات بل يتعداه إلى تشنجات عصبية.. والناقد عندما يريد أن يدخل عالم الشهرة فاما أن يرفع الكاتب إلى عنان السماء، أو أن يحفر له ويدفنه في الأرض!
أما النقد الموجه للكاتبة المرأة فحدث ولا حرج .. فنجد عداوة لا معنى لها ولا مبرر.. ولا نعلم تفسيرا لها .. هل هي عملية "انتقام" كامن ضد المرأة ؟ أم هي عملية احتقار واستصغار لشأنها ؟.. أم هي مجرد صرخة في وجهها للفت نظرها وجذب انتباهها إلى ما يقوله الناقد الكريم ؟؟
لمثل هؤلاء أقول ما قاله الفيلسوف الألماني "شوبنهور" لما سمع أحد النقاد يطعن في أحد كتبه فقال على الإثر: ان هذه الكتب مثلها مثل المرآة.. إذا نظر فيها حمار فلا يتوقع أن يرى وجه غزال..
وفي ختام مداخلتها ترحب العليان بالنقد وتقول أهلاً به في كل وقت .. وبأي شكل وبكل الألوان.. أما إذا اقتصر على الأبيض والأسود.. على المديح والتجريح فلا مفر من قبوله كما تقبله شوبنهور حتى يتخلص نقادنا من عمى الألوان!!
عنصرية الكتابة والنقد
وتقول القاصة أمل الفاران: أود أن أؤكد على أني لا أستسيغ مصطلح "أدب نسوي أو نسائي" لا أجد له قبولاً بداخلي ... وأضافت قائلة إن ما أراه هو أن هناك أدبا ولا أدب، وأن هذه العنصرية ( كما يحلو لي أن أسميها ) في النظر للأدب الذي تنتجه المرأة يدفع إلى عنصرية في قراءة منجزها ؛ قراءة تتعصب له كصوت جديد ، تقبله بضعفه ولثغته ، وأخطائه ، باعتباره الوليد الذي أخرنا ولادته طويلاً ، وعلينا أن نترفق به حتى لا يموت ، وقراءات تتعصب ضده (وتريد أن تطلق رصاصة على رأسه) باعتباره خديجاً لا يستحق الحياة ..
أقولها موافقة على أن تطبيل بعض النقاد لكثير مما تكتبه الأنثى يأتي من باب إثبات إنسانيتهم (في مجال لا يحتمل ذلك ) فيصفقون لخطوات الأقلام المؤنثة المتعثرة ، في الوقت الذي يتشممون فيه إنتاج المرأة المبدعة بريبة ، باحثين عن رائحة رجل خلف الحرف : لعله أوحى به ، أو كتبه ، أو هذبه ، لكنه بل اشك هو الذي يدعمه!!
هل من بديل عن الرصاص؟
السؤال الآن ( من وجهة نظري ) ليس حول وجود أو عدم وجود إبداعات نسائية ضعيفة فهي موجودة ، ولكن سؤالي لماذا نفكر كيف نتعامل معها انطلاقاً من خصوصية منتجتها ؟
لماذا نفكر كيف يجب أن نتعامل معها ، وهل من بدائل أقل إيلاماً من رصاصة في الرأس في الوقت الذي لا نجد فيه من يطرح سؤالاً موازياً حول ما يجب أن نفعله بإزاء نص ذكوري سيىء ؟!
أنا هنا أسائل العقلية التي أنتجت هذا المحور لتطرحه ؛ أهي ترى أن المرأة المبدعة كائن من ضعف لن يصمد في وجه النقد لذا فهي تبحث عن آليات تعامل ألطف ؟ أم أنها تفترض أن المبدع المذكر لا يأتي قلمه بما يشينه ؟ ومن ثم فإنها تعفي نفسها من التفكير فيما إن كان يجب احتواؤه آنذاك أو رمي إنتاجه بالرصاص ؟!
النقد إبداع مواز
وتواصل الفاران معرفة النقد بأنه إبداع موازٍ يشاكس النص ، يدخل معه في علاقة حميمية تولد نصاً نقدياً لا يقل في جماله عن النص الذي ارتكز عليه ، لكنه النقد الذي يحترم إنسانية المبدع ولا يستوقفه جنسه ..
وتنتقل الفاران إلى ما قالته الدكتورة أبو النجا عن الكتابات النسائية وتقول إنه كلام له، وعليه، لكني أفهم تماماً خجلها من أن ترفع بعض الأقلام المذكرة شيئاً لا يجعله لائقاً بالرفع غير كونه خربشات أنثى سنحتفي بها تعويضاً عن أخطاء أسلافنا الذين همشوها.. ربما هي تتحسس مسدسها لأنها ترى في الاحتفاء بهذا الإنتاج إساءة لما قد تكتبه الأنثى لا دعماً لها، لذا فهي تتقمص دور المذكر المتعصب ضد ما هو مؤنث لكنها تمارسه بانتقائية فلا تلغي إلا ما يستحق الإلغاء من وجهة نظرها، فيما أرى أنا أن ما يجب أن يشغلها كناقدة هو الالتحام بالنص بروح الفنان الحرة، وتفتيق جوانب جماله التي تشغلها ، وليس عليها ولا من حقها أن تضع المنتج المؤنث في ميزان صارم، لتعدم بعدها ما تطفف من حرف مبدعته..
علاقة الناقد بالنص
وتقول الكاتبة والقاصة عبير البكر إن النقد علاقة بيضاء بين الناقد والنص وكما يحتاج الناقد لأجنحة من الحرية لأجل التلاقح مع النص فالنص يحتاج إلى يد طبيب ماهر يقوم بجراحه ناجحة في الوقت الذي يكون صاحب النص في( حاضرنا الثقافي تحديدا) شديد الحساسية تجاه أي رؤى نقدية خاصة المرأة المبدعة فالنص النسوي لا يحتاج إلى تعاطف لأنه نص ناضج وداخل دائرة التنافس وبعيد عن التقييم في ميزان الرداءة والجودة ولا يمنع ذلك خروج نتاجات نسائية ضعيفة المستوى مثلها مثل الرجل . . لكن هذا له دلالة جيدة، على أن هناك تفاعلية تجاه القلم لتبقى هناك ولادة حقيقية للمسئولية تجاه هذا القلم النسائي الضعيف المستوى هذا ما نطلبه من الناقد بدون تجريح أو مصادرة لأحقية الظهور والمطلوب من المبدعة قبول الرأي فالنقد مسألة ذوقية بالدرجة الأولى وليس بالضرورة أن يكون الذوق الأدبي ملائما لكل قارئ.. فالنقد قضية قديمة جدا فهو الشمس الفاضحة للجيد والرديء يقدمه ناقد ماهر برأيي يجب أن تقبل المرأة النقد مهما كانت كمية الرصاص.
المسئولية تدفع الكاتبة الجيدة
لا أكترث كثيرا من الاتهامات الملصقة بأدب المرأة فقد سئمنا قبلا من تقسيم الأدب إلى رجالي ونسائي ورأى كثير أن أدب المرأة صدى لإبداع الرجل حتى الوصول إلى ضعف الكثير من الأعمال الإبداعية النسائية يبدو لي أننا في ساحات تقذف بما لديها في بحور كبيرة من الأدب وننتظر على شواطئ النشر... ثمة تفاعل أو انفعال أو تجاوب أو معالجة طرحية أو بناء من خلال إبداعاتنا من دون أن نسأل أنفسنا أسئلة عقيمة, فالمسئولية كما ذكرت تجاه القلم تحمي الكاتبة من أن تدفع بشيء ضعيف أو رديء يحمل اسمها وفكرها . . بغض النظر عن الهجمة الفكرية التي تحدث لعقولنا وتؤثر في توجهاتنا الكتابية كمثقفين تأكل من صمتنا وصبرنا من حروب ومجازر وخوف وقلق وانتظار ما لا يأتي.. الأجواء ما عادت ملائمة لطرح ما هو جيد ويليق وليس معنى هذا أن أدب المرأة ضعيف على العكس هو يحمل روحا من أنوثتها التي نحتاجها في زمن موجع.
نوعية الكتابة
وترى الروائية الشابة نداء أبو علي ان تقسيم الأدب الى أنثوي وآخر ذكوري هو بحد ذاته إجحاف في حقه. لماذا لم نجد مثلاً فلسفة وجودية أنثوية مستقلة وأخرى ذكورية؟ أو لماذا لم يقسم علم البرمجة اللغوية العصبية لمجال يعلم المرأة نماذج خاصة تتبعها وأخرى يتبعها الرجال فقط؟
وتتابع (أبو علي) قائلة إن الكتابة هي إبداع يبوح فيه القلم بأحاسيس وأفكار وآراء، ويمتلك جنس الكاتب، بل عقليته ونظرته للحياة، بالإضافة إلى نزفه.
لا شك في أن هناك كتابات رديئة وضعيفة من الناحية الفنية والجمالية ومن ناحية الأفكار لدى المرأة، ومع هذا الزعم فقد يكون ذلك في مواضيع الكتابة التي تختارها كون بعض الكاتبات مفصولات عن العالم الخارجي ويعشن في عالمهن الخاص ومعاناتهن.. في رأيي ان ذلك وارد أكثر من وروده في الناحية الفنية الجمالية.
المرأة والرجل على السواء
لكن كما أن ذلك وارد لدى كتابات المرأة فهو وارد في كتابات الرجل.. ليس بإمكاننا أن نصفق بإعجاب لكل رجل أبدع فأنتج كتاباً لأنه لا بد أن يكون عملاً ضخماً.. هناك العديد من الكتابات لكتاب لم نسمع باسمهم قط.. أو كتاب إذا قرأنا إبداعهم دمعت أعيننا لرداءة كتابتهم.
وفي المقابل هناك كتابات لنساء يملكن فكراً نابضاً وأسلوباً يستشف النفوس البشرية ويبدع في وصفها، ووصف التفصيلات الدقيقة كون المرأة تملك قدرة أكبر على التعبير عما يعتري النفس من أحاسيس وقدرتها على التركيز في دقائق الأمور أكثر من النظر إلى الصورة الشاملة.. احتمالات عديدة فلماذا نقوم بحصرها والتعميم في النظر إلى الأمور؟
علاقة معقدة
أما بالنسبة إلى العلاقة بين الناقد والنص، فتقول أبو علي إنها علاقة معقدة تثير اهتمامي وفضولي.. لكني أفر منها كوني كاتبة.. وتضيف قائلة: كل ما أظنه هو أنه ينبغي لكل ناقد قبل أن يقرأ أي عمل إبداعي أن يتجاهل اسم الكاتب (جنسه وعمره - إن كان يعيش في قرية أو مدينة) وأن يقرأ النص ويتمعن بدقائقه ويعيشه دون تحيز أو عنصرية خاصة أننا نتحدث هنا عن ناقدة أنثى!
استلاب الثقافة الذكورية
القاصة والفنانة التشكيلية سارة الأزوري ترى أن الوجود الإنساني لا يخلو من المفارقات بين الجيد والرديء في أي عمل، والساحة الأدبية لا تخلو أيضاً من هذه المفارقات فتطفق على احتضان الجيد والرديء ويظل الإفراز الثقافي هو الذي يعانق الأعمال الإبداعية المتميزة ويجعل منها قدوة تحتذى.
وفي المقابل يحاول التقدم بالرديء ويسعى إلى تطويره من خلال النقد البناء.
واكتفت الأزوري بالقول إن إطلاق زخات من الرصاص على الصوت الثقافي الآخر وإقصاء قدراته على الاداء أمر مناف للذوق الحضاري الذي لا يحبذ المصادرة والنظر إلى الإبداع من أبراج عاجية (كما تجد لدى الدكتورة شيرين) التي استلبتها الثقافة الذكورية فعمدت إلى المنهج الانتقائي الذي يخدم فكرة الانتقاص لديها.
تكسير مجاديف المبدع
القاصة نورة المري ترى أن للنقد تعريفات عديدة تطورت من تاريخ إلى تاريخ، ومن اتجاه نقدي إلى آخر، ولكن المشترك فيما بينها هو تمييز النقد الإبداعي الجيد من الرديء للارتماء بالنص الإبداعي وليس تكسير مجاديف المبدع، ليغرق في بحر الناقد المشاكس.
وأضافت المري قائلة إن روح المبدع حساسة تلزم الناقد الحذر عند التعامل معها، وترى المري أن البديل هو انتقاء الألفاظ الذاتية في نقد النص الإبداعي، لأن النص يتمثل في ذات المبدع، وبدلاً من استخدام المسدسات والرصاص في النقد الذي لا ينم إلا عن ضعف في مقدرة الناقد على الإبداع، خاصة أن النقد يعد امتداداً للإبداع، فنستخدم ألفاظاً منتقاة بدقة مدعمة بأدلة علمية، ليقتنع المتلقي بوجهة نظرنا، حتى نعطي الفرصة لذائقته النقدية.
التعميم آفة النقد
وتؤكد (المري) على أهمية الاعتراف بما يسمى بالأدب النسوي، وتضيف: ليس لأنه يحمل طابعا مشتركا وهو ضعف الأعمال الأدبية، وإنما لأن المرأة العربية خاصة "السعودية" ما زالت محكومة بعادات وتقاليد معينة تنبثق من الخارج إلى الداخل، فهي عندما تحاول أن تخرج بإبداعها فإنها تلقائياً تعود إلى الداخل. وتستدرك قائلة: هذا لا يقلل من جودة نصوصها لأن الإبداع الحقيقي ينطلق من الداخل وليس العكس، ولكنها تحتاج إلى حرية أكبر مدعمة بالثقة من لدن المجتمع والنقاد.
وأعجب أشد العجب من أن (شيرين أبو النجا) امرأة تقول ما قالته لأنها أدعى أن تكون أقرب الناس إلى طبيعة المبدعة إن كانت حقاً ناقدة، في إشارة إلى أن التعميم هو آفة النقد، إذ الملاحظ أن كثيرا من النقاد يطلقون أحكامهم من واقع شهرة المبدع، فإذا كتب نصوصاً رديئة وكتب نصاً جيداً كان محل شك من الناقد، وهم بذلك ينسون حالة الاضطراب التي قد يعيشها المبدع عندما ينتج نصاً.
وإن كانت الصفة الغالبة لأدب المرأة الضعف والرداءة، فإن كثيراً من نصوص الرجل أقل جودة، بل إن هناك مبدعين متميزين يعتمدون على مبدعات في تنقيح نصوصهم، لأن المرأة المبدعة حقاً تكون أكثر حساسية من الرجل المبدع، فتستطيع بفطرتها التمييز بين الجيد والرديء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.