كما لا يمكن تجنيس الإبداع، فلا يمكن ربطه بمرحلة عمرية، وإذا كان عام 2007م، وصفه البعض بعام الرواية عطفا على ما سجله من نتاج روائي تجاوز (65) رواية، عطفا على ما شهدته ساحتنا الثقافية خلال الثلاث السنوات الأخيرة من أعمال روائية قاربت (150) رواية، كانت الروايات النسوية أغلبها، ليصفه البعض (تسونامي روائي نسوي)، إلا أن هناك من يرى بأنها من قبيل الموضة التي ينعتونها باقرأ جعجعة ولا أجد رواية. كما يؤكد آخرون بأنه لا علاقة بواقع الرواية النسوية بمسألة أسبقية الزمن، سواء كان الراوي - الرجل - سابق للروائية بعقدين أو ثلاثة كما تشير إليه عدد من الدراسات... وإذا كان السرد النسوي اشترك في أساليب التعبير عن همومه، وفي لغة الإفصاح عن كشف قضايا المرأة الاجتماعية والفكرية ضمن المحيط الاجتماعي...فإن هذا لا يعني لدى آخرين قبول ما يتصورنه الروائيات عامة، وأصحاب تجارب البدايات منهن خاصة، اللاتي يرين في ممارستهن السردية مغامرة في المضون وتجديدا في فنيات الرواية ..مما أوقعهن في عجز فني (تام) يضاف إلى تجربة تفتقد النضج لغياب الوعي بكتابة الرواية..لتصبح الرواية النسوية بشكل عام إلا ما ندر، من قبيل السواليف والدردشة والحكاية..ومجرد أكسسوارات تضاف إلى موضة النبش في غرائز شهوانية.. الدكتور فواز اللعبون، يرى بأنه لا يوجد من النساء سوى روائيتين:رجاء عالم، وليلى الجهني، معتبرا أن الروائيات في مشهدنا المحلي من قبيل (حكواتيات لجداتهن) لتهافت الجوانب الفنية ولعدم نضج تجربة الراوية السعودية..ويشير د.اللعبون إلى ن مرد هذا العجز الروائي لدى المرأة، ليس مرده العمر، فالإبداع لا عمر له، إلا أن مسألة الاستسهال دون تجربة كافية لسرد رواية، ودونما وعي ثقافي، إلى جانب الاهتمام بما ستحمله الرواية من جرأة وتجاوزات، خلق هوة شاسعة بين الراوية وفن الرواية.. ومضى د.اللعبون قائلا:إن مما زاد الغث الروائي النسائي في مشهدنا ، تمجيد شريحة من النقاد وتطبيلهم عبر وسائل الإعلام، من مدح مغلوط وثناء غاش لتلك الأعمال، والمأساة تتضاعف عندما يحدث نقد من هذا النوع من نقاد لهم أسماؤهم ولهم إسهامهم في مشهدنا النقدي..انصرفوا لملاحقة ما تحمله الرواية النسائية من جرأة وتجاوزات. من جانب آخر اعتبر د.فواز المرأة قاصة أكثر منها روائية، كما نجد ذلك واضحا عند أحلام مستغانمي.. مؤكدا د.اللعبون على أن تكتب المرأة ما هي جديرة به، وما يحفظ لها رسالتها الاجتماعية السامية. يقول د.فواز:ألقي بالمسؤولية تجاه هذه الظاهرة، على الناقد المظلل بالمرأة، وعلى الإعلام الذي لا يزال يروج لهذا الصخب والغث والضجيج.. مؤكدا على أن المجتمع انعكاس لما يحدث في الإعلام، والدليل أن هناك روايات حمراء هجرها الإعلام، ومع ذلك رغم وجودها إلا أن القارئ لا يعرف عنها شيئا. من جانب آخر ترى الأستاذة: خلود سفر الحارثي، بأن المرأة الكاتبة كالرجل الكاتب، تنتج الرواية منذ زمن ليس بالقصير، والطفرة الروائية الحالية شملتهما، وكذلك ضعف التجربة الفنية، وأيضاً النضج الفني في روايات ولدى كتاب آخرين.. ومضت خلود متسائلة: لم تتهم الرواية النسائية بالضعف الفني ؟ في حين أن الطفرة التي نشهدها في مشهدنا الروائي طفرة على مستوى الجنسين ؟ والضعف الفني موجود في الرواية النسائية كما هو في الرواية الذكورية إن صح هذا التقسيم العنصري !. وأضافت الحارثي:هل نقص الرجل طبيعي فلا يلام عليه !! و نقص المرأة غير طبيعي لأنها مثالية حد الكمال فلابد أن تكون أعمالها كاملة الإبداع ؟ أم أنها النظرة المسبقة للمرأة وأنها أقل من الرجل في كل وأي عمل تقوم به؟. وبينما ترى خلود بأن قضية الضعف، ونقص التجربة مشتركة بين المرأة والرجل، تناولت خلود بدورها أبرز الأسباب قائلة: عدم الوعي بدور الرواية وقيمتها الفنية وأنها رسالة وليست مجرد ثرثرة، عدم النضج القرائي وعمق النظرة لدى الكاتبة، عدم التمكن من أدوات الكتابة وعدم المعرفة بها أصلاً، غياب الرؤية الواضحة، الرغبة في الشهرة التي تجرف الكاتبة لاستعراض سلسلة من الفضائح التي لا تخدم الفن الروائي، بل تكشف سوءة كاتب النص، سهولة النشر سواء على الشبكة العنكبوتية أو في دور النشر داخل أو خارج البلد، الأسماء المستعارة، عدم وجود رقابة فنية - فنية وليس أخلاقية - على تصريحات النشر.. وغير هذا مما يجعل أي شخص يمتلك قلم أن يكتب رواية وتنشر له !. أما الناقد الدكتور معجب العدواني، فيرى بأن االرواية جنس أدبي لا يدين إلا لمن يهتم به ذكراً أو أنثى، مشيرا إلى نجاح الكاتبات اللائي سطرن ملحمة رائعة خلال العقد الأول من القرن الحالي. يقول د.العدواني: الإنتاج النسوي الذي تدفق خلال هذه الفترة حقق ثورة كتابية نجحت إلى حد ما في التعريف بقضايا المرأة وهمومها وآلامها وآمالها، ومع ذلك فتعدد الأعمال الروائية النسائية السعودية وشاية بانفتاح المجتمع وتقبّله للأنثى وإيمانه بالحيز الذي تملكه ضمن نسيجه واقعاً وكتابة وتلقياً، لذلك كان انتشار الرواية النسائية ظاهرة جيدة إن وعت الأنثى دورها وفعّلت أدواتها في العمل الروائي. ومضى د.معجب قائلا:مع أن هذه الأعمال الروائية تتراوح بين الضعف والقوة لذا ينبغي تشجيع هذه الأعمال شرط توافرها على الحد الأدنى من النجاح الفني، أما دعم عمل روائي ما لكون كاتبته أنثى سعودية فأعتقد أنه إخلال بقواعد النقد، التي ينبغي أن تلتزم بالأسس الفنية من دون تأثيرات مفروضة من خارج النصوص، مثل هذه الأعمال وإن كال لها بعض النقاد المديح في إطار المجاملة ستسقط وتتهاوى كقصور من رمال لا أساس لها، ولنا من التجارب المكتوبة حديثاً ما يدعم هذه الرؤية، لذا ينبغي إهمال المنتج الروائي إن كان رديئاً ولا يستحق النشر، أما إن كان جيداً فمن الواجب دعمه وتشجيعه، وهذا الأمر من الممكن أن يظهر في الشعر أوالنثر. من جانب آخر نفت الناقدة نجلاء مطري عن كل رواية تستهوينا بحوادثها، وثير انفعالاتنا بمواقفها جديرة بأن تسمى أدبًا.. معتبرة ما ظهر في الآونة الأخيرة من روائيات جدد، انحصرن حول الأدب الرخيص الذي يستثير في النفوس الرغبات الشهوانية، و كسر حاجز المستور وتحطيم لكافة التابوهات الدينية والاجتماعية. ومضت مطري قائلة:هذا الرخص الأدبي - من وجهة نظري - يفقد النص الأدبي قيمته الفنية بغض النظر عن كونه أدبًا نسائيًا أو ذكوريًا، لكن اللافت للنظر أن هذه الظاهرة تفاقمت في الأدب النسائي، فلمعت بعض الأسماء والروايات، لأنها استطاعت أن تخترق هذا الممنوع وتتجاوزه، لتضعنا أمام مكاشفات فاضحة تفتقر للمتعة الفنية التي تشبعنا بذاتها، ولا تحفزنا لطلب متعة غيرها، فأغلب هذه الروايات تجارب غير ناضجة ذلك أنها تجعل القارئ يخضع لانفعالاته فتتركها ثائرة لينشد المزيد من الإشباع في دنيا الواقع العملي. وأضافت نجلاء تصف معاناة الرواية النسائية بقولها: إلى جانب هذا الافتقار فإننا نجد نماذج بطولية متشابهة، تُصوَّر فيها المرأة متهورة ترغب بالخروج عن المألوف، مع افتقارها للغة السردية العميقة، وإقحام اللهجة العامية في بعضها. وختمت مطري حديثها قائلة: إن الأدب الأصيل هو الذي يحمل وظيفة اجتماعيّة سياسية في الحياة، فهذا هو المفيدة للمجتمع والأمة، وهو القادر على أن يعبِّر عن مشكلاته تعبيراً فنيّاً راقياً، فضلاً عن إقبال القراء على قراءته لإيمانهم بوظيفته وقدرته على الإقناع والإمتاع والتّأثير. من زاوية أخرى رأت الأستاذة أمل القثامي، إن مما يلفت الانتباه - في الآونة الأخيرة - أن الرواية المحلية المنتجة أغلبها كتابه نسويه، وربما لو غاب اسم المبدعة لعرف جنس الكاتب من نوعية الطرح، من خلال القضايا المعالجة، فالروايات الأنثوية في مجتمعنا السعودي في السنوات القريبة، غالبا ما تتحدث عن أبعاد وقضايا ذات سمة نسويه لها خصوصيتها في الطرح والمعالجة، كما أن لها سمات أسلوبية، وحكائية لا تنتج إلا عن حسها الذي تغلغل وسط مجتمع أتقن فن الصمت والمحافظة زمنا طويلا. ومضت القثامي، في معرض حديثها عن تقارب الرواية النسائية قائلة:لعل هذا الأمر جعل حضور الروائيات في مشهدنا المحلي حضورا متشابها ومتقاربا في الوجه والطرح، مما جعل كثير من النقاد ينعتونها بالضعف من الناحية الفنية. وأضافت أمل:في الحقيقة أن الرواية النسوية السعودية منذ فورة ظهورها عام 2000مرت بعدة مستويات فنية :مستوى أعلى من المتوسط، ومتوسط، ومستوى ضعيف .ولا أحد يستطيع أن يغلب جانب على جانب إلا بأدلة علمية ودراسة متأنية لكل الروايات الصادرة عنها، لكن المتعارف عند الجميع أن ما أنتجته الأنثى هو ضعيف من الناحية الفنية إلى درجة إن اتهمت بأنها سطحية فضائحية تخلو من التكنيك وتقرأها كأنك تقرأ يوميات فهي كما اسماها نقادنا بالرواية السواليفية أو الدردشية، لأن ركازها الأول يعتمد على بعد الدردشة والسوالف، وهذا السبب ليس مبررا كافيا للتقليل من قيمة كتابات الروائية، ونقدها نقدا يحيل جميع الإنتاج الأنثوي إلي ضعف فني. من شرفة أخرى تناولت القثامي مسألة صمت الرواية، عبر خارطة الأعراف والتقاليد الاجتماعية، التي مرت بها المرأة دونما حضور قائلة:النقاد اتهموا كتابات الأنثى الروائية بالضعف الفني متناسين الفترة التي قضتها وهي صامته، ألا يؤثر ذلك في الإنتاج !! من الطبيعي أن يكون هناك ضعف ولا أنفي ذلك عن الكتابة النسوية المحلية، ولكن الظاهر أن الأغلب من النقاد يكيل لها النقد السلبي دون اقتناع أو برهنة، بل مجرد كونها عرضت لإشكاليات كإسقاطها الجنس محور في كتاباتها. كما أكدت القثامي على أن هناك ما يدل على العجلة في انتقاد الروايات النسوية، واتهامها بخلو الفنية والضعف البنائي، مشيرة إلى أن رواية (غير وغير) جوبهت بالنقد في ظل غياب الاسم الحقيقي..وحين عرف من أبدعها، وهي روائية مشهورة، تراجع الكثير عن نقدها وبحثوا في سياقاتها عن البناء القوي، مؤكدة من جانب آخر، أن أحد النقاد نفى الفنية عن كثير من الروايات الجدد، لنكتشف بعد فترة أنه لم يقرأها من قبل. تقول أمل:إن مسألة الضعف الفني في الرواية مسألة باتت واضحة ولا انفيها عن المنتج المحلي، لكني استنكر أن معظم وجهات نظر النقاد تحولت في نقدا لروايات الجدد إلى نقد الخطاب، فحللوها بوصفها خطابا إيديولوجيا، ولم يعيروا انتباها لجماليات النص مع أن هناك روايات ظهرت مؤخرا تحمل تكنيك جمالي مغاير، كتقنية الرسائل الالكترونية، وتوظيف رسائل الجوال، والأغاني والرسومات، والأساطير والأناشيد الصوفية، كل تلك الجماليات أغفلها النقاد وأخذوا يعولون على اللغة المباشرة، والدلالات الصادمة، والسبب في هذا كله، يعود إلى النقد المجاني الذي يمارس ويطلق بدون قراءة علمية واعية.