يمكن لأصحاب التجربة السياسية المتواضعة أن يخمنوا، اليوم، بأن رئيس الحكومة سيحاول، الأسبوع القادم، أيضاً، تأجيل خطابه الذي من المفروض أن يلقيه في الكنيست، بناءً على طلب 40 نائباً. إلا أن الخطاب السياسي الشامل - سواء ألقاه هذا الأسبوع أو في الأسبوع المقبل - لن يساعد أريئيل شارون، بل سيلحق به ضررًا. فإذا قال شيئا جوهرياً، فسيتسبب ذلك بعاصفة لدى أحد أطراف الخارطة السياسية، وإذا لم يقل شيئاً، فسيتعرض إلى هجوم من قبل الجانب الآخر من الخارطة السياسية ومن قبل العالم كله، بما في ذلك "جهات في البيت الأبيض" وشخصيات الاتحاد الأوروبي. وبكلمات أخرى ينطبق عليه في هذه الحالة المثل القائل: "السكوت من ذهب". فشارون بحاجة إلى "المماطلة" حتى مجيء منقذه الورع - المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز. فإذا قرر مزوز تقديم لائحة اتهام ضد شارون (في قضية الجزيرة اليونانية - فسيعني ذلك الوصول إلى النهاية، وسينهي شارون بذلك حياته السياسية. أما إذا قرر مزوز عدم تقديم لائحة اتهام ضده، فسيكون من المناسب عندها عدم رفع راية التمرد ضده، حتى لو كانت الغالبية في حزبه وفي مركز حزبه تعارض رأيه. فشارون، صاحب التجربة الغنية في الخداع السياسي، الذي مرر حياة أجيال من السياسيين، سيجد الطريقة المناسبة للتخلص من خصومه السياسيين الذين اعتبرهم دائماً، كما اليوم، مجرد "جراد". لقد كانت الصرخة التي أطلقتها عضوة الكنيست، نعومي بلومنتال، في وجهه، هذا الأسبوع، صرخة حقيقية. فرأي شارون بها وبرفاقها لا يختلف بتاتًا عما قالته له خلال جلسة الكتلة البرلمانية. إنه يهينهم، يستخف بهم، يسخر منهم، ينظر إليهم باستعلاء. ولماذا لا يفعل ذلك، فعلاً، خاصة أن قسماً كبيراً من المجموعة الحاكمة، اليوم، لا تصل إلى كاحله، في كل ما يتعلق بما قدمه لدولة إسرائيل. وعلى أي حال، لقد وصل أكثر من أعضاء حزب "الليكود" في الكنيست الحالية، على أكتاف شارون (الواسعة). ولولاه لكانوا اليوم مجرد نشطاء من الدرجة الرابعة في لجان الجامعيين أو رؤساء للجان سكان العمارات التي يقيمون فيها. شارون يواجه حاليًا، حالة من الفوضى السياسية. وربما، تكون هذه هي أيامه الأخيرة على الحلبة السياسية الإسرائيلية. سيكون هناك من يسرهم ذلك، وسيكون هناك من سيجهش ببكاء مرير، وفي كل الأحوال، يعتقد هو أنه أقدم على اتخاذ قرار من نوع تلك القرارات التي يحبون في الأروقة السياسية تسميتها ب (قرار بن غوريوني) (نسبة إلى دافيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل. سيشكل الانقلاب الحقيقي لدى شارون، الذي يعتبر الأب الروحي للمستوطنات، والذي يخرج ضدها اليوم، علامة بارزة في تاريخ دولة إسرائيل، سواء كانت إيجابية أو سلبية. ولن يتمكن رئيس الحكومة القادمة، أياً كان، من التخلص من ميراث شارون، وسيضطر إلى بدء طريقه السياسي من حيث انتهت الحياة السياسية لشارون. ستكون الأيام القادمة مثيرة من الناحية السياسية. لقد اجتاز شارون نهر الروبيكون (النهر الذي اجتازه يوليوس قيصر عام 49 قبل الميلاد مع قواته، خلافًا لقرار مجلس الشيوخ، لتبدأ بذلك الحرب التي انتهت باحتلال يوليوس قيصر لروما )-كما قال أحد رجالات حزب "الليكود" - ولا يمكنه التراجع. فبيته الذي ردد "آمين" لكل ما قاله وفعله شارون، في السابق، لا يتجرأ على المضي بعيداً مثله. وبدون شارون ستكون السلطة الإسرائيلية، اليوم، مركبة من مجموعة ستجعل المدنيين في إسرائيل يخفضون أبصارهم ويتساءلون في قرارة نفوسهم: كيف يمكن للشعب اليهودي الذي خرج من صفوفه ربع الحائزين على جوائز نوبل، أن لا يجد في صفوفه دزينة من الموهوبين والمخلصين الذين يمكنهم إدارة دولته. *يديعوت احرنوت