يقول احد الحكماء: (اذا اتفق اثنان في كل شيء فمعنى ذلك ان احدهما هو الذي يقوم بكل التفكير) هذه الحكمة ليست تحريضا على الاختلاف لكننا لا نميل الى تقديم تصورات معلبة للقارىء بل ان فعل الشراكة في التفكير هو في تقديرنا عملية ناضجة لإثارة الوعي والحفر بعمق في تفكيك القضايا، فالجميع يلاحظ انه يعمل في دول الخليج بحر من الجنسيات وبثقافات تنتمي لاكثر من 120 دولة وهي عولمة قد لا تجدها في الغرب؟ لقد قرأنا في شوارع لندن بعض الشعارات المحافظة والتي تتوجس من الآخر الوافد عبر شعارات كان من بينها (New Danger , New Labor) في بريطانيا العمالة الأجنبية تمثل خطرا جديدا. الخليج تزدحم في اسواقه البضائع الاجنبية والعمالة الوافدة من كل ارجاء الدنيا ومجتمع الخليج تتفاعل فيه عبر الحوار الجديد (الانترنت) و(الفضائيات) مالا يعد ولا يحصى من الثقافات فالخليج اكبر مستخدم للانترنت والبريد الالكتروني واهله يسافرون اكثر من غيرهم الى ارجاء المعمورة ويختلطون بثقافات مختلفة ومتنوعة، إذا لماذا تتعطل مشاركة نصف المجتمع (المرأة) في النهوض بالتنمية والاقتصاد؟ إذا انتقلنا من العام الى الخاص نقول: إن هناك قواسم مشتركة بين مجتمعنا العربي وبين مجتمعنا الخليجي وبالتحديد مجتمعنا السعودي لكن هناك فوارق ايضا ضمن المجتمع العربي على سبيل المثال يشير تقرير التنمية الصادر عن وكالة الاممالمتحدة الى ان هناك اقل من 2 بالمائة من المواطنين العرب يملكون جهاز حاسوب (كمبيوتر) هذا الرقم بالتأكيد لا ينطبق على مجتمعنا في السعودية وكذلك الحال فيما يخص مستوى تعليم المرأة ومشاركتها في الحياة العامة. هناك ملايين الفرص في المملكة مشغولة حاليا برجال اجانب وبالإمكان منحها لسيدات سعوديات خصوصا ان التقارير الرسمية تفيد ان برامج السعودة (الذكورية) لم تحقق الاهداف المنشودة؟ بينما يحتل مواقع العمل جيش من العمالة الاجنبية يصل الى 7 ملايين عامل اجنبي، ومن المفارقات العجيبة لهذه الاشكالية المضطربة ان بعض المدخرات النسائية في البنوك والتي تقدرها جهات رسمية ب 15 مليار ريال غير موظفة في قنوات استثمارية. (رسالة المعهد العدد 26 يونيو 2003م). إن إشراك المرأة في عملية بناء الوطن لا يعني في تقديرنا (التوظيف) فقط بل يتعداه الى دراسة بناء العائلة السعودية ومحاولة التخلص من سلوكيات معيشية باذخة فرضت نفسها مع طفرة النفط ولاتزال قائمة، فالعديد من الدراسات يشير الى انخفاض متوسط دخول الفرد السعودي حيث تجاوز في بداية الثمانينات الى ما يزيد على 20 الف دولار ولكنها انخفضت الآن الى 7900 دولار سنويا. الطفرة النفطية على امتداد الخمس والعشرين سنة الماضية لم تفرز جيلا يستطيع التحكم بسلوكياته المعيشية بحيث تورطت غالبية العائلات السعودية في العيش بأسلوب لا يتناسب مع دخلها الشهري حيث لجأت شريحة عريضة من الناس الى البطاقات الائتمانية والقروض المصرفية. المقولة الشعبية: (القرش الابيض لليوم الاسود) لا تحظى بقبول كبير في معادلة جديدة للتعايش مع شح الموارد المالية وتدني مستويات الرواتب بل ان هناك مجاملات اجتماعية موروثة ومفاهيم للضيافة والولائم المرهقة مندمجة في خلطة سرية عجيبة مع عادات جديدة مكتسبة كالهدايا وذكرى الزواج وعادة السفر السنوية. تلك التحولات الاقتصادية السريعة التي لا تتناسب مع التغير الاجتماعي البطىء في حركة ومكانة المرأة اضافة الى تقلص الهامش المتاح للسيدات السعوديات في ممارسة نشاطات اجتماعية ادت الى عادة التسوق في المدن. هذا السلوك الاستهلاكي يتم بمعزل عن هموم رب الاسرة المشغول بدوامة توفير لقمة العيش ومصاريف العلاج وتكاليف التعليم والسكن.. هذه الشريحة من الطاقات الشابة النسائية قد تتحول الى رموز اتكالية تتقاسم دخل الأب في حين كانت النساء السعوديات قديما في حالة عطاء باعتبارهن يمارسن أنشطة تجارية. هذا الدور الهامشي للمرأة قد لا يستمر وفق معطيات الظروف الحالية بل اننا نستشرف في كيان المرأة السعودية رغبة في العمل رغم ان المجتمع السعودي له تحويرات جذرية في تركيبته الاجتماعية تنفرج بمقدار في حال نشوء ظروف معينة. على سبيل المثال عندما زادت الضغوط المالية على رب الاسرة ادت تلك الضغوط الى عمل الفتيات في مهن كانت مرفوضة في زمن الطفرة (كالتمريض) كما بات مألوفا الآن خروج الزوج مع زوجته الى العمل صباحا لتشارك في تغطية المصاريف اليومية كما ظهر تحالف جديد بين الزوجين في ادخار جزء من رواتبهما الشهرية لشراء ارض او منزل بالتملك نقدا او بالتقسيط. كذلك مكانة المرأة السعودية تبدلت بعد استقلالها الاقتصادي ودخولها مهنة التعليم فقد ارتفعت اسهم المعلمات والموظفات في بورصة المجتمع. كما ان قلق رب الاسرة المنتمي الى طبقة محدودة الدخل والذي يزحف على وجهه كل صباح ويحبس انفاسه لكي لا يتعرض الى انتكاسة صحية هو واسرته او ان يطاله حادث سيارة مفاجىء، كل ذلك دفعه الى قبول مبدأ التأمين ضد الحوادث العارضة بعد ان كان الفكر التأميني مرفوضا، وقد تبشر الايام القادمة بانفراج في اعمال معينة للمرأة متوافقة مع تقاليدنا وعاداتنا الاسلامية الاصيلة. عندما تتحول غالبية افراد الاسرة الى عناصر اتكالية تتقاسم دخل رب الاسرة واذا كانت ثقافة المجتمع متورطة بتخريج المرأة (كائنا مستهلكا) وهو تعطيل لطاقة نصف الامة الى جانب هيمنة تقاليد ترهق ميزانية الاسرة وتسلب (15) في المائة من دخلها السنوي لتغطية المجاملات الاجتماعية فإن ذلك بحاجة الى مشروع ثقافي متكامل تقوده مؤسسات مدنية ورسمية ايضا. المشروعات الثقافية قد تنطلق من رحم المجتمع أو من خلال المؤسسات الرسمية فقد لا يعلم البعض ان في فرنسا وزارة اسمها (وزارة أوقات الفراغ) كانت قد انشأت لها في مختلف المدن مكاتب تشجع انواعا متعددة من الانشطة الهادفة لاعادة بناء شخصية المواطن والمواطنة؟ وانه قد صدر عام 1970 ميثاق الفراغ الدولي في جنيف بعد مؤتمر اجتمعت فيه 16 دولة وتأسس (الاتحاد الدولي لأوقات الفراغ) ومقره في نيويورك. ان رفع مستوى ثقافة ومعيشة المواطنة مسؤولية الجميع ماذا لو ان (وزارة الصحة) قامت بواجبها وقدمت خدماتها بشكل متكامل ووفرت لكل اب ما يعادل 20 بالمائة من دخله الشهري الذي يذهب للمستشفيات والمستوصفات الخاصة؟ وكذلك (ادارة المرور) من خلال زيادة الرقابة وضبط حوادث السيارات، وينطبق ذلك على بقية المؤسسات والوزارات؟ ماذا ستفعل الجهات الرسمية بعد تعثر برامج السعودة (الذكورية)؟ وبعد ظهور ملامح جديدة لانماط اجتماعية مزدوجة؟ فهناك ظاهرة الزوجة التي تتكفل بتكاليف مصروف العائلة وتتورط الموظفة او المعلمة بأقساط شهرية لسداد قيمة قروض سيارة ودفع رسوم اكثر من جمعية فتكون الزوجة بمثابة (محفظة مالية) يحقق الزوج من خلالها احلامه، وماذا عن ذلك الاب الذي يعمل في الصباح مدرسا وفي المساء سمسارا لبيع السيارات في الساحات العامة. هذا الوضع في تداخل الأدوار الاجتماعية يذكرنا بأحد الطفيليين الذي نظر الى قوم نشطين في سيرهم فلم يشك انهم في دعوة الى وليمة فتبعهم فاذا هم شعراء قصدوا السلطان بمدائح لهم فلما انشد كل واحد شعره ولم يبق إلا الطفيلي وهو ساكت قال له السلطان: أنشد شعرك قال: لست بشاعر، قال السلطان: فمن انت؟ اجاب: من الغاوين الذين قال الله فيهم: (والشعراء يتبعهم الغاوون) فضحك السلطان وأمر له بجائزة.