على الرغم من المقدمات الكثيرة التي وضعت لهذا الكتاب فإنه يظل كتاباً قادراً على التحدث عن نفسه، فقد حرص مؤلفه الدكتور عيسى بن علي الملا على أن يقدم نفسه من خلال كتاب وإعلاميين ربما لكي يشعر القارئ بأن كتابه يجب أن يكون في متناول الجميع، رغم أنه يوحي بأنه لخاصة من الناس المنشغلين بالفكر الاستراتيجي أو على أقل تقدير الفكر الإداري، حيث جاء الكتاب بعنوان "التفكير الاستراتيجي للمخططين الاستراتيجيين". لكن للوهلة الأولى يمكن القول: إنه كتاب يصلح للجميع (الإداري - صاحب المؤسسة الصغيرة - المدير في عمله - المفكر...) لأنه ينحو منحى وضع تصورا لأهمية التفكير الاستراتيجي والابتعاد عن العشوائية والاعتماد على التفكير التلقائي(اللاوعي) البعيد عن التخطيط والتنفيذ. يتحدث الفصل الأول والذي جاء بعنوان (التشخيص أو البحث) عن الحقائق والمعلومات عن خطوات التخطيط الاستراتيجي من الناحية التقليدية وعرفها الباحث بأنها القيام بتشخيص واع للظروف المحيطة من أجل تقويم الوضع الحالي تقويماً صحيحاً، وذلك في الخطوة الأولى، حيث يضيف المؤلف قوله: بسبب أهمية هذه الخطوة فإن علينا أن نحاول الاقتراب من الحقيقة قدر المستطاع ثم تحليل جميع العوامل المتصلة بالحالة المدروسة سواء منها العوامل الحاضرة أو المتوقعة مستقبلاً. ويقسم الباحث عملية التفكير بشكل مبسط إلى ثلاثة أقسام هي: الوعي واللاوعي الإبداعي أو الابتكاري.. ثم يعرض بشكل مختصر وظيفة كل من اللاوعي واللاوعي الابتكاري وإن كان قد تحدث عنها بإيجاز في فصل آخر، وحسب المؤلف فهناك أربع وظائف للوعي الابتكاري يصنفها حسب التالي: 1/ يحافظ على العقل من الجنون عن طريق ما يسمى (العلاج بالأحلام) فاللاوعي الابتكاري على معرفة تامة بجميع حالات الضغط والتوتر والاضطراب العاطفي التي تسبب لك الإزعاج وهو قادر على تخفيف أثر ردود الفعل هذه على صحتك ولذلك فهو يحولها إلى أحلام. 2/يقوم بحل المعضلات بطريقة مبتكرة. 3/ يوفر الطاقة ويصنع الحوافز التي تحث الفرد على صنع أهدافه وتحقيقها. 4/ايجاد وسائل جديدة لتحقيق الهدف حين يثبت بطلان الوسائل الأخرى، وهي أشد وظائف اللاوعي الابتكاري إثارة. ويتحدث المؤلف في الفصل الثاني عن توسيع الإدراك وتحقيق التصور، ويتحدث في بداية هذا الفصل عن أن الإنسان مخلوق غائي بطبعه ثم يشرح كلمة غائي ويقول إنها مشتقة من الغاية ف (الغائية) هي القدرة على البحث عن غايات نهائية أو التوجه إلى أهداف معينة. ثم يتحدث عن نظام الأغذية المرتدة ويقول: إنه اصطلاح علمي يستخدم غالباً في نظم الحاسب الآلي وشبكات التوزيع المعقدة كما في الهاتف الآلي، وهو أداة أو برنامج مهمته التقاط الرسائل الواردة إلى الشبكة ثم إعادة توزيعها كما هو مطلوب، مع التأكيد على إرسال إشارة إلى المرسل تعلمه بإتمام العملية بنجاح. ويؤكد الباحث على أهمية عدم الالتزام بالخطوات بالترتيب فباستطاعتنا إجراء التعديلات أثناء السير، وفي الظروف التي تتسم بشيء من المجازفة أو المخاطرة تسيطر على الإنسان الحاجة إلى تأكيد كيفية محاولة الوصول إلى الهدف، ومن خلال هذا الفصل يشرح المؤلف كيفية تجاوز هذه المعضلة وكيفية التعامل معها. الفصل الثالث بعنوان المجازفة والصورة العقلية يتحدث عن حاجة العقل إلى استراتيجية معينة لكي تتم عملية التفكير لديه بصورة ناجحة. إن نظام التنشيط الشبكي لا يسمح إلا للمعلومات المهمة فقط باختراق إدراكنا الواعي ونحن نستطيع ايجاد أهمية جديدة يدركها الوعي عن طريق تكوين رؤية جديدة. ويرى المؤلف أن طرح الهدف بشكل واضح مهم جداً لكي نسمح للموارد والمعلومات بشق طريقها عبر الوعي. ويختتم الفصل بالتأكيد على أن القادة الذين يغيرون معالم التاريخ يلاحظون بشكل دقيق الكيفية التي تكون عليها الأشياء في الوقت الحاضر (الحقيقة الراهنة) ثم يركزون باستمرار على الكيفية التي سوف تكون عليها في المستقبل في إشارة إلى أن القادة هم أكثر الناس الذين يطبقون المناهج العلمية في التفكير واستخدام الوعي بطريقة ذكية ووضع الأهداف أمامهم بشكل واضح. وقبل أن يختتم المؤلف كتابه يوجه للقارئ وقفة للتأمل واضعاً بعض المواقف الذهنية على شكل صور والتي تتطلب قليلاً من التفكير للربط بينها وبين ما قرأه في صفحات الكتاب، وذلك من أجل إثراء الفكر والتسلية العقلية الراقية ويضع بعض التساؤلات على هذه الصور.