غزة تمضي نحو رقصة دماء متبادلة. في الجيش الإسرائيلي يتحدثون عن حدوث تصعيد، عن جباية الثمن، عن التشمير عن السواعد، عن حرب طاحنة. وهذا هو بالذات، الوقت الذي يجب أن نمتنع فيه عن الوقوع في ارتباك. في هذه الساعات تواجه قيادتنا الأمنية - السياسية، امتحانًا كبيراً في المهنية، رباطة الجأش والرأي الموزون. سقوط 16 قتيلاً خلال أسبوع واحد يعني شيئا واحداً: قبل أن نقرر التصرف بطيش، يتحتم علينا التراجع خطوة واحدة إلى الوراء، جمع الجثث، الخروج آمنين، استخلاص ودراسة العبر، وبعد ذلك، فقط، التوجه، باسم العقل، لجباية الثمن. فلكي تقع الإصابات في الجانب الثاني، بشكل خاص، ولكي يتم اختيار الأهداف الصحيحة، يجب عمل ذلك برباطة جأش، وفقط بعد أن تفهم القيادة العسكرية ما الذي حدث هنا. ففي الفترة الأخيرة، حدث هنا شيء جديد، وصل صراخه إلى عنان السماء، خلال الأيام الأخيرة. يجب الاعتراف بذلك، والتصرف كما يجب. لأول وهلة، لا توجد صلة بين المصابين الذين سقطوا في حادثي انفجار مدرعتي سلاح الهندسة في حي الزيتون وعلى محور فيلادلفي، وبين مقتل عائلة حاتوئيل والعمليات المحكمة التي وقعت في المنطقة الصناعية "إيرز". لكن المجرم ترك بصماته واضحة في كل تلك العمليات. وكانت بصماته في عملية حي الزيتون، فظة ومدينة. لقد أصيبت مدرعة سلاح الهندسة جراء انفجار عبوة موجهة تم زرعها في جدار بشكل محكم. والعبوة الموجهة لا تعتبر عبوة اعتيادية. إنها عبوة يتطلب إعدادها توفر الكثير من المعرفة والتجربة. وكانت منظمة حزب الله اللبنانية هي أول من طورت هذه العبوة بشكل فني وأول من استخدمتها في العمليات في منطقة الحزام الأمني في جنوبلبنان. أما في غزة، فلم يتمكنوا أبداً من إنتاج مثل هذه القنبلة بنجاح. لقد اعتقل، في السابق، "مهندس" من تنظيم حزب الله عندما كان يبحر إلى غزة لتعليم المحليين طرق إنتاج هذه العبوة. وتساور الجهات الأمنية شكوك لها ما يبررها، حول دخول وسائل قتالية جديدة عبر الأنفاق، إلى غزة، خلال الأسابيع الأخيرة، منها هذه العبوات الموجهة. يضاف إلى ذلك أن سيارات الجيب التي استخدمها الفلسطينيون في منطقة إيرز لم تكن عمليات سهلة. فهي تنطوي على عمل محكم تتميز به الوحدات القتالية لمنظمة حزب الله. هناك يد توجه ما يحدث في القطاع. قيادات حماس والجهاد الاسلامي تخضعان للضغط الذي يمارسه جهاز المخابرات العامة (الشاباك) والجيش الإسرائيلي، وليس لديها الوقت، بالذات لإجراء تغييرات إستراتيجية. هناك جهة ما، من الخارج، تتولى القيام بذلك، وتأخذ موقعها في الفراغ القائم. لقد تمت سلسلة العمليات الأخيرة بفعل تفكير إستراتيجي، وهي عمليات لم تقع صدفة. إنها تذكر بإستراتيجية العمليات التي نفذها حزب الله في الحزام الأمني. عندما بدأ حزب الله بتهديم الحزام الأمني، ركز على مركب واحد: على تدمير جيش جنوبلبنان، مادياً ومعنوياً. لقد ركز على الخلية الضعيفة التي استصعب الجيش الإسرائيلي العمل بدونها في الحزام الأمني. وهذا الأمر يتكرر في غزة. فحزب الله، وخلافا لإستراتيجية العمليات غير الانتقائية التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية الفلسطينية - يوجه عملياته، أولاً، نحو عناوين الصحف ونشرات الأخبار المركزية في التلفزيون الإسرائيلي. وما يهدف إليه هو خلق حالة من الانهيار المعنوي والتمزق في أوساط المجتمع الإسرائيلي. لقد استهلكه ذلك فترة زمنية لكنه أدرك أن الجمهور الإسرائيلي سيستيقظ إذا بدأ الجنود يتساقطون في قطاع غزة - خاصة على خلفية النقاش الدائر حول الانفصال. كما لم يستغرقه الكثير من الوقت حتى أدرك أن مدرعات الجيش الإسرائيلي هي الحلقة الضعيفة في قافلة الآليات المدرعة التي يستخدمها الجيش في تحركاته داخل القطاع. في السابق لم يتجرأ الفلسطينيون على تنفيذ عمليات عند معبر "إيرز" - لأنه مرتبط بمصدر معيشة 4000 عائلة فلسطينية. لكن ذلك لم يعد يهمهم في الآونة الأخيرة، ما دام الأمر سيؤدي إلى إصابة قوات الأمن الإسرائيلية. وهنا، أيضاً، يكمن تفكير جديد وغريب عن القطاع - مصدره حزب الله. وهو يشبه تمامًا استخدام تصوير العمليات كتكتيك إعلامي تم تطويره في لبنان. يتحتم على الجيش الإسرائيلي تكريس التفكير في نقاط الوهن التي تكشفت في الآونة الأخيرة. كالتفكير في المدرعات، مثلاً. لم يستخدم الجيش الإسرائيلي، حتى الآن، كل ما يمتلكه من معدات ثقيلة لنقل وقيادة وحداته. ربما يكون هذا هو الوقت المناسب لإدخال هذه الآليات إلى قطاع غزة بدل المدرعات غير الملائمة لساحة معركة من هذا النوع. إذا كان يمكن طرح ادعاءات ما أمام الجيش، اليوم، فسيكون ذلك حول عدم إدراكه بأنه يقف في مواجهة عدو جديد - قديم، يحتم التعامل بشكل آخر. فالجهاد الإسلامي يعتبر الموفد المباشر لحزب الله في القطاع، وهو من يجني الثمار اليوم. لقد بدأت استثمارات حزب الله في قطاع غزة تجبي من إسرائيل ثمناً يفوق ما تعودناه، لأننا نقف، اليوم، في مواجهة عدو أكثر مهنية. لن يكون أمام دولة إسرائيل أي مفر إلا مواجهة منظمة حزب الله في ملعبها البيتي، في لبنان، لأنها لا تنشط في غزة والضفة الغربية، فقط، وانما في الجليل، أيضاً. في هذه الأثناء، وخلال قيام رجال الجيش بإجراء تقييم للأوضاع، يتحتم عليهم أن يتذكروا الظاهرة التي حدثت لدينا، قبل فترة ليست بعيدة، والتي أطلق عليها اسم "فاعلية الحزام الأمني". فهناك، وفي كل مرة تمكن فيها العدو من تشخيص نقطة وهن لدينا، تمكن من تحقيق التفوق علينا في الوسائل القتالية أو في التكتيك، وتسبب لنا بضحايا. فأدخلنا في حالة ارتباك. والارتباك كان دائماً يعتبر مستشاراً سيئاً. لقد ترجم الحداد القومي إلى هستيريا قومية جعلت رجال الجيش يرتكبون حماقات. انهم يطالبون، الآن أيضاً، بشن حرب طاحنة، وبمعاقبة وقتل وهدم وسحق كل ما يتحرك هناك. الجيش يتخوف من أن تحدث العمليات الأخيرة نقطة تحول تجعل السياسيين يجبرونه على الانسحاب من قطاع غزة - تحت طائلة ضغط الارهاب. وإذا تصرف الجيش بصوت البطن، سيكون هذا هو ما سيحدث بالذات. يجب على القيادة الأمنية التفكير بالرد العسكري، أما القيادة السياسية فمطالبة بالتساؤل عن جوهر الرد العسكري وما الذي يجعلنا نبقى هناك. وهي أسئلة طرحت في الشأن اللبناني، أيضاً، ولكن بعد 15 عاماً من فوات الأوان. *يديعوت احرونوت