أشرت فيما سبق لما يدل على مشروعية الرياضة للرجال والنساء، ومن المؤسف أن تجد من يرى أن تنظيم الرياضة للنساء إنما هو أحد طرق التغريب التي لا يدركها من لا يعلم مآلات ذلك، ومستندهم أن في ذلك تنفيذا لما جاء في اتفاقية الأممالمتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، حيث ورد في المادة العاشرة الفقرة (خ) ما نصه: (التساوي في فرص المشاركة النشطة في الألعاب الرياضية والتربية البدنية). وهذا يظهر أن من يحرم تنظيم الرياضة للنساء وادخالها وتخصيص نواد لهن لممارستها لا يملك مستندا من الشرع لتحريم ذلك فلم يجد بدا من الاستدلال بوجودها في تلك الفقرة من اتفاقية الأممالمتحدة، ليستدل بها على أن المقصود تغريب نساء المسلمين. في هذا سعة للرياضيين وغيرهم ممن تستلزم هواياتهم وممارساتهم الملابس القصيرة وقد شهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع عمومته في الجاهلية حلف المطيبين، وقال فيه بعد البعثة: (ما أحب أن لي حمر النعم وإني أنكثه). فمواثيق الحق لا ترد كون من تعاهد عليها من الكفار، ثم يضيف المعترض على ذلك بأن في ادخالها في مدارس البنات مفاسد تربو على ما فيها من المصلحة -إن وجدت- منها تضييع خلق الحياء عند النساء وإحراج للحييات ؛ بما لا يردنه وأنها تنمي دواعي العشق وتدفع الطالبات للتشبه بطرائق الكفار وإنفاق المال العام في غير محله، وأن ما تربو مفسدته على مصلحته فحكمه التحريم. وهذه المفاسد المزعومة لا تسلم لعدم صحتها، ولو كان الأمر بهذه الصورة لسردنا فوائد الرياضة أضعاف هذه المفاسد، فضلا عن أنها غير مسلمة. لقد قدمنا أدلة مشروعية الرياضة للجنسين ومشروعية مشاهدة المرأة رياضة الرجال. فقد سابق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عائشة وأقر لها النظر للعب الحبشة، فعن عائشة قالت: رأيت رسول الله يوما على باب حجرتي، والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم"، وهذا نص على جواز نظر المرأة للرجال وهم يلعبون، وتبع لهذا ما ينكشف من أجسادهم إلا العورة. فالمختار من الفتوى أن للمرأة أن تنظر ما ليس بعورة من الرجال وظهور شيء من الفخذ ليس عورة على الصحيح، لحديث أنس أن الرسول حسر عن فخذه في بعض المواضع، ونصر هذا المذهب أبو محمد بن حزم وهو مذهب المالكية. أما الاعتراض بما روت أم سلمة حينما قالت: «كنت عند رسول الله وعنده ميمونة, فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب، فقال : احتجبا منه، فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال النبي: "أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه» فلا يصح لضعف الإسناد، فضلا عن مخالفته للصحيح الوارد خلافه في نظر عائشة للحبشة، وهذا هو القول الراجح عند الحنابلة جواز نظر المرأة إلى ما ليس بعورة من الرجل للرجل, لحديث عائشة المتقدم. ونظر الفجأة لما لا يحل المشروع فيه أن يصرف الناظر بصره لحديث جرير: سألت النبي عن نظر الفجأة، فقال: "اصرف بصرك" رواه مسلم. وفي هذا سعة للرياضيين وغيرهم ممن تستلزم هواياتهم وممارساتهم الملابس القصيرة، وكذلك من يشاهدونهم. وليس في وضع مناهج دراسية للرياضة أو تأسيس مرافق رياضية في المدارس والأندية المخصصة للنساء حرج شرعي، ليمارسن الرياضة الملائمة لهن فيها ويجدن ما يساعدهن على حفظ الصحة وتقوية البدن والترويح والاعتراض بعدم جواز خروج النساء تبعا لقول الله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى). معترضا بأن هذه الآية خاصة بأزواج النبي، فضلا عن أنه أذن لهن أن يخرجن لحاجتهن. قال الطاهر بن عاشور: وبهذه الآية مع الآية التي تقدمتها من قوله: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) تحقق معنى الحجاب لأمهات المؤمنين المركب من ملازمتهن بيوتهن وعدم ظهور شيء من ذواتهن حتى الوجه والكفين، وهو حجاب خاص بهن لا يجب على غيرهن، وكان المسلمون يقتدون بأمهات المؤمنين ورعا وهم متفاوتون في ذلك على حسب العادات. وقال: هذا أمر خصصن به وهو وجوب ملازمتهن بيوتهن توقيرا لهن، وتقوية في حرمتهن ، فقرارهن في بيوتهن عبادة، ونزول الوحي فيها وتردد النبي خلالها يكسبها حرمة، إلى أن قال -يرحمه الله- وهذا الحكم وجوب على أمهات المؤمنين وهو كمال لسائر النساء. وإلحاق غير أمهات المؤمنين بهن في هذا الحكم موضع اجتهاد أقصى ما يقال فيه: إنه يندب كمالا لا وجوبا. [email protected]