آه... قوية اطلقها من داخلي... أتحسر فيها على ايام طفولتي... احاول من خلالها التمرد على هذا الحاضر المؤلم واهرول ولو عبر السراب لأيام حارتي... حيث الهدوء والطمأنينة والصفاء. واجزم بانني لست الوحيد الذي يحن لتلك الايام بل ان الكثير منكم مثلي... يتمنى لو يأخذه قطار العمر لمدرسته الابتدائية وحارته الصغيرة واصحابه المحدودين. مازلت اتذكر بيوت الجيران.. ودكان العم فهد - يرحمه الله - ولعبة الكيرم وشقاء بعضنا الذي لا يتعدى مشاجرة الاطفال.... هناك حيث تعلمنا كيف ننتمي لحارتنا.. وكيف نتشارك في الافراح والاتراح.. وكيف تكون كل ام في الحارة اما لنا وكل اب والدا لنا... لم تكن لدينا سيارات والمحظوظ من تكون لديه دراجة عادية (سيكل) ولم نكن ننام في اجواء المكيفات المنعشة بل على فرش فوق الاسطح مبتلة برطوبة الخليج.. ولم نكن نحلم بالسفر ولم نعرف المدن الترفيهية ولا المجمعات التجارية.. ولم نكن نتابع سوى تلفزيون الظهران (ارامكو) وكان جدولنا اليومي رتيبا لا يتغير المدرسة في الصباح والكرة في العصر والتجمع في دكان العم فهد بعد المغرب وحتى صلاة العشاء ثم العودة للبيت من جديد ياله من جدول رتيب.. ورفاهية معدومة!! لكن ومع كل ذلك, ومع كل الفوارق بين امكانات الامس وامكانات اليوم مازلنا نحن لتلك الايام حتى ونحن نعيش في نعمة هذه التطورات والتغيرات الترفيهية في حياتنا. ترى لماذا ينتابنا هذا الشعور رغم كل ذلك؟! سؤال قد يعتقد البعض انه بحاجة لطبيب نفسي للاجابة عنه ولكن في الحقيقة ان لحظة واحدة نفكر فيها بما لنا اليوم ستكون كافية للاجابة. انذاك لم نكن نعرف ابعد من حدود حارتنا ولا نسمع اكثر مما يقال بين ازقتنا وداخل بيوتنا.. ولم تكن الاخبار تهمنا فالحروب كانت في فيتنام ونيكاراجوا والبيرو.. ولم نكن نفجع كل صباح على اخبار الموت التي تنشرها صحفنا الان بسبب الحوادث المرورية, ولا اتذكر جرائم القتل والخطف والاغتصاب.. ولم يكن من همومنا نزعات التطرف والغلو.. وكنا ندفع ريالا لفلسطين وللجزائر لكننا لم نكن ندرك كم استشهد منهم وكم عذب وكم ام شردت وكم اب اهين ودنست كرامته. لم نكن مقهورين, ولا محبطين ولا ضائعين كما نحن اليوم... هل تلومونني الان ان تمنيت ان اعود لدكان العم فهد (يرحمه الله) نضحك بكل براءة وكأننا نملك الدنيا.. كل الدنيا؟؟ ولكم تحياتي