لا يبدو شيئا غريباً ازدحام أفراد العائلة حول لوح خشبي بأربعة ثقوب في أركانه، وبودرة بيضاء تتناثر من حولهم مع كل جولة من لعبة «الكيرم»، ذات اللوح الخشبي المربع الذي يوضع فوق وسادات ثقيلة ليرتفع مستواه إلى مستوى جلوسهم، ولا يُنسى وضع كمية كبيرة من البودرة البيضاء تسهّل انزلاق الحبوب على الطاولة وحصول اللاعبين على أكبر عدد منها. تشبه لعبة «الكيرم»، وهي لعبة هندية قديمة، «البلياردو» في طريقة لعبها ولها شعبية واسعة جداً في منطقة الحجاز (غرب السعودية)، يلعبها شخصان إلى أربعة في كل جولة، ولها تسعة أقراص تدعى «حبوب الكيرم»، بيض وسود، وحبة حمراء يطلق عليها 50، والذي يمتلك مهارة في اليد يستطيع التقاطها وتحتاج إلى تركيز لرميها بالمضرب ويدعى «الوصول» وهو أكبر حجماً من الحبوب، والأبرع مَن يعرف كيف يوظّف أنامله لإسقاط أكبر كمية من الحبوب في الثقوب المتمركزة في الزوايا. وتعد هذه اللعبة الأكثر متعة لدى النساء والأطفال، ويُقام دوري «الكيرم» بين بعض العائلات في نهاية الأسبوع، وتُسجل نتائج كل مباراة على لوحين، ليحصد الكأس الفريق الذي ينتصر في مباريات أكثر. تطبع الحماسة اللعبة ولقاء الأقارب وتجعلهم يقررون إقامة دوري «الكيرم»، وتقول العنود: «بدأنا اللعب بأربعة لاعبين، كل اثنين يكوّنان فريقاً. أصبحت اللعبة أمراً أساسياً في اجتماع العائلة، ووضعنا اسماً للحي الذي نجتمع فيه للدوري، وفي اليوم النهائي أحضرنا كأساً ذهبية للفائز وميداليات ذهبية وفضية للفرق الخاسرة وكان ذلك على شرف إحدى الزميلات لأنها مقبلة على الزواج، ولأهميتها بيننا أقمنا هذا الدوري، وكتبنا على لوح أبيض النتائج وارتدى كل فريق زياً موحداً ووضعنا ألقاباً مثل «ملكة الكيرم»، و»برنس الكيرم»، و»اللاعب الفعال». وتنتظر منتهى آخر الأسبوع بفارغ الصبر للذهاب إلى بيت العائلة والسباق للإمساك بلوح «الكيرم»، وهي تحمل علبة الحبوب والبودرة معها كي لا يلعب أحد من دونها، وتبدأ اللعبة مع أقاربها. أما أسماء فأكثر ما يعجبها في لعبة «الكيرم» هو الحصول على «القرص الأحمر» والتجاوب بين أفراد اللاعبين من دون مشكلات في اللعبة، ورغم انزعاجها من رائحة البودرة النفاذة (توضع لتخفيف الاحتكاك بأرضية الطاولة)، تستمتع بوضعها على الطاولة واللعب بمهارة لكسب عدد كبير من الحبوب والفوز في دوري العائلة الذي يقرر كل نهاية أسبوع. «في اللعبة أتسلى وأعيش يوم التحدي وأكتشف مستوى تركيزي وذكائي»، تقول. الملل والشعور بعدم التجديد والخروج لأماكن محددة والبحث عن المتعة وتغير النظام القاتل... أسباب لا تمل عبير من تكرارها، فهي طالبة في المرحلة الجامعية تشعر كثيراً بالروتين الممل في حياتها بعد عودتها من الجامعة ولم يخطر على بالها لعب «الكيرم» مع أمها التي تتحدى أبناءها بحماسة كبيرة، قبل أن تنخرط هي معهم: «أمي غيرت نظام حياتي بهذه اللعبة... كبر السن لا يمنعها من رسم البسمة على شفاهنا ومشاركتها اللعبة التي تحبها». وتقول نورة منتقدة التعامل مع الألعاب القديمة: «يندهش كثيرون لأني لا أحب ألعاب الأجهزة الإلكترونية برغم ما فيها من مغريات». حين تسافر للدراسة في الخارج بعد إجازة تقضيها مع عائلتها في الرياض تحمل لوح «الكيرم» الأقل وزناً والأصغر حجماً كي تلعب مع زميلاتها هناك، ولا يشغل بالها كثيراً قضاء اليوم بأكمله باللعب (تضحك): «عظام يدي تبدو مشدودة وقوية، فهي فضلاً من لعبي بالبلاك بيري الذي يؤلم أصابعي، أمرن عضلات يدي وأمنح عقلي مجالاً واسعاً للتفكير لكيفية كسب القرص الأحمر من بين كل تلك الحبات على اللوح الخشبي، فكلما ربحت استطعت أن أنجح في حياتي التعليمية والشخصية».