يتطلب التعرف على حجم الاداء الحقيقي للعالم العربي في المجال الاقتصادي، وفهم الموقع الذي تحتله الاقتصادات العربية بين الاقتصادات العالمية، التعرف أولا على حقيقة الاداء الاقتصادي العالمي. ففيما تشير الارقام التي اعلنتها المؤسسات الدولية حول الاداء الاقتصادي العالمي، الى ان الناتج العالمي الاجمالي بلغ في عام 2000م نحو 32 تريليون دولار، اي نحو 32 ألفا و210 بلايين دولار، فان الناتج العربي الاجمالي في عام 2000م ، لم يزد على 1100 بليون دولار، بنسبة حوالي 3.2% من حجم الناتج العالمي الاجمالي، ويمكن بالقول بأن الناتج العربي الاجمالي حقق في عام 2000م قفزة واضحة ، نتيجة لارتفاع اسعار البترول. وعلى الرغم من ان هذا الرقم يعد قفزة، الا انه يعد متدنيا، اذا ما قيس بالمعيار الديموجرافي، اذ ان تعداد السكان في العالم العربي، يبلغ حوالي 275 مليون نسمة، وفقا لاحصاءات عام 2000م بنسبة 4.5% من تعداد السكان في العالم والذين يقدر عددهم في عام 2000م بحوالي 6060 مليون نسمة. اي ان هذا الحجم الديموجرافي لا يقابله اداء اقتصادي مماثل، وبمعنى آخر فان الناتج القومي الاجمالي للعالم العربي اقل بكثير مما يجب ان يكون عليه مقارنة بالحجم الديموجرافي للعالم العربي، ولا تتناسب.. مع الكثافة السكانية في العالم العربي، خصوصا اذا ما قورن اداء الاقتصادات العربية - مجتمعة - بأداء الاقتصاد الاسرائيلي، ففي حين لا يزيد عدد سكان الدولة العبرية على خمسة ملايين نسمة، الا ان حجم الناتج الاجمالي القومي في اسرائيل - يقدر وفقا لبعض التقديرات - بنحو 750 بليون دولار، الامر الذي يضيف الى صورة الاقتصاد العربي ملامح اكثر مأساوية تدعو الى الحزن، بقدر ما تدعو الى استنفار الجهود العربية لتصحيح عوامل الخلل في الاقتصاد العربي. ويرى بعض الباحثين (أننا لو اعدنا حساب الناتج الاجمالي العربي على أساس سعر الصرف الفعلي للدولار، لا على اساس القوة الشرائية التقديرية، لانخفض هذا الناتج الى حوالي النصف، ولما عاد يعادل سوى 1.7% من الناتج الاجمالي العالمي، مما يعني ان الحضور الاقتصادي للعالم العربي في العالم اضعف بمرتين ونصف المرة من حضوره الديموجرافي). وهناك معيار آخر مهم لقياس مدى تطور العالم العربي - أو تخلفه بالأحرى - بالنسبة الى العالم ككل. فبرنامج الاممالمتحدة للتنمية قد اعتمد منذ 1990م مؤشرا جديدا لقياس التطور او التخلف في جميع دول العالم، وهو مؤشر التنمية البشرية الذي تدخل في تركيبه ثلاثة عوامل هي الدخل السنوي الفردي (بحساب القوة الشرائية) ، معدل وفيات الاطفال واجل الحياة المتاح، ونسبة الامية بين الراشدين. وقد قام خبراء برنامج الاممالمتحدة للتنمية بتصنيف بلدان العالم، طبقا لهذا المؤشر ومعطياته الاحصائية والرقمية المتاحة عام 2000م، الى خمس مراتب هي البلدان عالية التطور جدا، والبلدان عالية التطور، البلدان متوسطة التطور، والبلدان ضعيفة التطور، والبلدان ضعيفة التطور جدا. ويتراوح المؤشر الرقمي للبلدان عالية التطور جدا بين 999ر0 و900ر0، بينما يتراوح المؤشر الرقمي للبلدان عالية التطور بين 0.899 و 0.800 والبلدان متوسطة التطور بين 0.799 و 0.700 ، اما البلدان ضعيفة التطور فيتراوح مؤشرها الرقمي بين 0.699 و 0.500 ، واما المؤشر الرقمي للبلدان ضعيفة التطور جدا فيقل عن 0.499 وقد يتدنى الى اقل من 0.200. وتضم مجموعة البلدان عالية التطور جدا 21 بلدا هي امريكا الشمالية واوروبا الغربية واستراليا، باستثناء المكسيك واليونان والبرتغال وليس في عداد هذه المجموعة دولة عربية واحدة. اما مجموعة البلدان عالية التطور فليس بينها سوى اربع دول عربية نفطية صغيرة هي البحرين والكويت والامارات وقطر، بين مجموعة من 27 دولة تضم اسرائيل والتنانين الاربعة الصغيرة وقبرص وبعض بلدان اوروبا الشرقية مثل تشيكيا والمجر وبولونيا وسلوفينيا وكرواتيا. وتضم المجموعة الثالثة وهي مجموعة البلدان متوسطة التطور 38 بلدا ينتمي اكثرها الى امريكا اللاتينية وعدد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق مثل روسيا واوكرانيا وكازاخستان بالاضافة الى تركيا وماليزيا والصين، وتنتمي لهذه المجموعة ست دول عربية اغلبها يتميز بكثافة سكانية صغيرة منها تونس والاردن ولبنان، بينما تنتمي الدول العربية الاكبر من حيث الكثافة السكانية - وهي مصر وسوريا والجزائر والمغرب - الى مجموعة الدول ضعيفة التطور، والتي تضم 30 دولة تتوزع بين آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية وافريقيا جنوب الصحراء والهند الصينية. اما مجموعة الدول ضعيفة التطور جدا فتضم ثلاث دول عربية هي السودان واليمن وموريتانيا بين 36 دولة من افريقيا مثل نيجيريا وتنزانيا والكونغو ومن شبة القارة الهندية مثل باكستان وبنجلادش. وبشكل عام، فان مؤشر التنمية البشرية للعالم العربي (بجملته هو 0.648 وهو رقم يتدنى ب 68 نقطة عن المؤشر الوسطي للتنمية البشرية في العالم بأسره والبالغ 0.716). ويرجع الباحثون هذا التدني في مجموع المؤشر العربي للتنمية البشرية عن المعدل الوسطي العالمي الى عاملين هما 1 - التدني النسبي لمستوى الناتج السنوي للفرد العربي. فعلى رغم ان هذا الناتج يرتفع - بفضل العوائد النفطية تحديدا - الى 4555 دولارا بحساب القوة الشرائية، فانه يبقى ادنى من المتوسط العالمي الذي يبلغ 6290 دولارا. 2 - ارتفاع مستوى الامية في عداد الراشدين وانخفاض مستوى التمدرس لغير الراشدين. فمعدل الامية بين الراشدين العرب يرتفع الى 39% ومعدل التمدرس ينخفض الى 63%. وهذا معناه ان عدد الاميين العرب يزيد اليوم على 100 مليون نسمة. وهذا العدد غير مرشح للانخفاض في السنوات المقبلة نظرا الى ان واحدا من كل ثلاثة اطفال من العرب لا يأخذ طريقه اليوم الى مقاعد المدرسة. * استاذ العلاقات الدولية المشارك بجامعة الملك فهد