يبدو المجتمع حسب رؤية الكثيرين وكأنه ينام على بحيرة من الهدوء والطمأنينة وراحة البال، وذلك لأن هؤلاء يدسون رؤوسهم خلف المشاكل زاعمين أنها غير موجودة أو أنها لا تستأهل أن يتحدث عنها الإنسان. ويذهب آخرون أبعد من ذلك فيزعمون أن التحدث عن المشاكل يعتبر من الأمور المحرمة، ويحظر على كل شخص مهما كان أن يتحدث في سلبيات ومشاكل قد تكون أعين الناس بعيدة عنها، فلماذا - حسب زعمهم - نأتي ونفتح أعينهم عليها؟ وإذا كان المجتمع ينقسم إلى نصفين الرجل والمرأة فإننا هنا نرغب في أن نطرح إشكالية ذات بعدين رئيسيين في هذا المجتمع، الذي نرغب بجدية أن نجد حلولاً مناسبة لمثل هذه الإشكاليات لا مجرد أن نطرحها كما يفعل البعض، حباً في التحدث وشهوة في الكلام فقط.!! التربية الزوجية أو الأخلاق الزوجية أو الثقافة الزوجية، ماذا نعرف عنها؟ قد يعتقد البعض أننا نود أن نطرح مشكلة علاقة الزوج مع زوجته؟ وهل يعرف الزوج حقوقها وهي من جانبها هل تعرف حقوقه؟. عزلة تامة في البداية يقول القاص فاضل عمران: إن المشكلة في الأصل تنبع من التربية الاجتماعية ،ولقد قضت الطبيعة المحافظة لمجتمعنا أن يعيش أبناء الجنسين بمعزل تام عن نظرائهم، وبأسلوب حياة مغاير إلى حد بعيد، وبالتالي تحت مظلة ثقافية مختلفة أدت لايجاد بون شاسع بين شاب وشابة في نفس السن. فالشاب ذو العشرين سنة يتمتع بكامل حرية الحركة و التنقل منفرداً والمشاركة في معظم النشاطات الاجتماعية متى ما أراد، يلبس كيفما يشاء ويقود السيارة ويتمتع بشخصية مستقلة قانوناً، لكنه ومنذ (10) سنوات على الأقل وحتى يحين موعد زواجه لم يتعامل مع فتاة من غير المحارم بشكل مباشر ما لم يتمرد على العرف والتقاليد ليمارس ذلك بحذر شديد خارج الإطار الاجتماعي. المثلث الصارم ويتساءل فاضل عمران ماذا عن الفتاة ابنة العشرين سنة ؟ مجيباً إنها كيان شبه بشري، موجه وفق نقاط معينة لا يتجاوزها.. البيت.. المدرسة.. ووسائل الإعلام، مثلث صارم يجحف حقها، وإن كنت أطلب لفتاة اليوم أن تقبل يديها من الأمام والخلف كون العنصرين الأخيرين لم يظهرا إلا في الثلاثين سنة الأخيرة ! ويضيف عمران قائلاً ومع ذلك، ومع هبوط الفضائيات على أسطحنا مؤخراً، ومن ثم الإنترنت، فإن الفتاة المجتهدة والمنغمسة في محيط المعلومات هذا لن تتعدى خبرتها الحياتية الجانب النظري في أحسن الحالات. حرية محسوبة ويستدرك عمران قائلاً بأننا لا نطالب بهذه الانفتاحية التي قد يحسبها البعض ليبرالية أو تحررية إلا أن شخصية المرأة من الضروري أن تتقولب في إطار من الالتزام والحرية الشخصية التي تتيح لها حرية التفكير في اختيار الشخص الذي ترغب فيه ومن ثم فهم الحياة الزوجية بطريقة مستقلة، تستطيع من خلالها التصرف بشكل مناسب في شتى الظروف مهما كانت صعبة. مضيفاً إن الذي يحدث أن الزوجة (بنت فلان) تذهب إلى بيت زوجها لتغدو أم فلان، من غير أن تعرف من هي وكيف تتصرف، وإنما هي تبعاً ل فلان - الزوج، وهو المسئول مسئولية كاملة عن كل ما يحدث في بيت الزوجية. وفي ظل هذه العقلية من أين ستأتي الثقافة الزوجية لهذه ال بنت فلان..؟! مقاييس الاختيار ويتساءل فاضل عمران عن المقاييس التي يتبعها الشاب الثلاثيني لاختيار شريكة حياته ؟ وعلى أي أساس يطبق مقاييسه إن وجدت والعالم الأنثوي صندوق مقفل بإحكام، هل يعتمد على الفضائيات في تركيب فتاة أحلامه وبالتالي يركز على الشكل فقط، أم يؤنث السلوكيات النبيلة في محيطه الذكوري وبذلك ظل طريقه لأنه لن يجد فتاة تحملها، وأين له أن يجد أصلاً وهو لا يستطيع البحث بنفسه، هل ينظر بعيون الآخرين ؟ أخواته ومحارمه؟ كلا، فلا يعقل أن أشتري ما أريد بنفسي (ملابسي - طعامي - احتياجاتي الخاصة...) وأحيل شريكة الحياة التي سأقضي معها بقية العمر ويرتبط مصيري بمصيرها وأكون أباً لأبنائها ليختارها لي الآخرون.. إذا هل من أسلوب عملي وعقلاني للإقدام على أهم خطوة في حياته ؟ والجواب لا، فجميع الأبواب أوصدت وأحكم اقفالها عمداً لغايات أخشى أنا ذكرها وتخشى أنت قراءتها. وإذا كنا هنا - يضيف فاضل - لا نناقش قضية اختيار الزوجة وإنما الثقافة الزوجية وذلك أمر مرتبط ولا يمكن تفكيكه، إذ كيف تتعلق ثقافتين وتستطيع التعايش وهي في الأساس لم تبن على حرية الاختيار، وإنما تركت - في أغلب الحالات في مجتمعنا - على الأهل إلا فيما ندر؟! ثقافة العادة والروتين ويختلف عامر الحمود نوعاً ما مع هذه النظرة التشاؤمية، ويرى أن الشباب الآن وفي عصر الإنترنت والجوال والانفتاح الإعلامي يمتلكون بعض الجرأة في علاقتهم مع الآخر، مشيراً إلى أن الكثير من الزيجات تمت عن طريق التعارف سواء بالإيميل أو عن طريق الجوال. وأكد أن هناك قسماً كبيراً من الشباب لا يمتلكون وعياً ثقافياً بالحياة الزوجية وإنما يدخلون إليها عن طريق العادة وإكمال مشوار حياتهم فقط، ولا يهمهم بعد ذلك إلى أي طريق يسيرون، إلا أنه يستدرك قائلاً بأن هذا لا يمنع من أن البعض يفكر بطريقة صحيحة ويختار شريكة حياته بناء على وعي وإدراك منه. توجيه ضعيف ويلقي بعض اللوم على الجهات التربوية والدينية لأن التوعية في هذا المجال قليلة، مشيراً إلى أن الخطاب الديني في المحاضرات وغيرها لا يركز على هذا الجانب، وإن جاءت بعض الخطابات حول قضية الزواج إلا أنها تمر عليها مرور الكرام وتشرح أهمية الزواج وضرورة تزويج العزاب من الصغر، أما قضية الثقافة الزوجية وما يرتبط بها وكيفية مناقشة مشاكلها والخروج بحلول عملية وتوصيات كما يحدث في الندوات فإن هذا لا يحدث أبداً. وأشار الحمود إلى أن هناك الكثير من قضايا الطلاق حدثت لأن الزوجة لا تفقه شيئاً في الخدمات المنزلية، كالطبخ وترتيب المنزل، ويوجه أصابع الاتهام للأمهات اللاتي يهملن بناتهن ولا يعلمهن أساليب الحياة الزوجية منذ الصغر كما كانت الأمهات في السابق تفعل. عدم الانسجام وخطأ الاختيار ويؤكد هذا الأمر عبد المحسن العلي مشيراً إلى أن الحياة الزوجية يجب أن تبنى في الأساس على علاقات متينة، وعلى الرجل أن يختار الزوجة التي يتوقع أن تكون سعيدة معه، وهو في نفس الوقت يعيش حياة هانئة، إلا أن الذي يحدث أن البعض يختار شريكة حياة قد لا تكون مناسبة له الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم وجود الانسجام بينهما. جيل لا يقرأ ويضيف العلي أن الحياة الزوجية يجب أن تكون منذ البداية متينة وقائمة على التفاهم، كما يلاحظ على الكثير من الشباب أنهم لا يحبون القراءة، وأقصد بالقراءة هنا القراءة المتنوعة والتي تكسب الإنسان ثقافة تزيد من وعيه وتجعله قادرا على التعامل مع أسرار الحياة بحكمة وروية، فالإنسان الجاهل أو غير المثقف لا يمكنه أن يتعامل مع الأمور بطريقة صحيحة، مؤكداً أن الثقافة ليست دائماً تكون حصناً للإنسان وإنما هي بمثابة عامل مساعد، فكلما كان الإنسان مثقفاً كلما كان أكثر وعياً وإدراكاً وتقديراً للأمور، وللأسف فإن مجتمعنا ينطبق عليه هذا الأمر بدرجة كبيرة، فالقلة القليلة هي التي تقرأ. ويشير النصر إلى أن هناك وسائل كثيرة أمام الشباب لزيادة وعيهم الثقافي والاجتماعي بالحياة الزوجية، فهناك التثقيف الذاتي من خلال القراءة ومتابعة البرامج الاجتماعية والثقافية في وسائل الإعلام، وكذلك هناك سؤال أهل الخبرة، لكن الذي يحدث أن الشاب عندما يرغب في الزواج فإنه يسأل عن أمور معينة وعادة ما تأتي الإجابات سريعة وخاطئة وذات أبعاد محددة، أما في الأمور السلوكية فإن الشباب عادة يتركونها للزمن الذي قد يخدمهم وقد يخذلهم، ولذلك نشهد كل يوم ونسمع الكثير من المشاكل التي قد تبدأ منذ الأيام الأولى للزواج. مكاتب للاستشارات الزوجية وفي خطوة جريئة ولكنها غير مسبوقة يقترح النصر إنشاء مكاتب للاستشارات الزوجية والعائلية أسوة ببعض الدول كما نرى في الكويت وبعض دول الخليج، فهذه المكاتب تقدم حلولاً ناجعة للمشاكل التي قد يتعرض لها الشاب، والمشكلة أننا نخاف من هذه المسائل وقد نعتبرها من العيب أن نستشير شخصاً في مسائلنا الخاصة، لكننا لا نخشى شيئاً عندما نريد أن نخطئ أو نريد أن نطلق أو نخرب بيتاً، فالمقاييس لدينا مقلوبة وبحاجة لمن يعدلها! الجيل الضائع وتقول زينب السيهاتي، نحن الجيل الضائع (هذا ما يطلقه علينا الكثير من الناس) وتتساءل من هو السبب في أن نكون كذلك؟ هل هو الإنترنت والوسائل الحديثة أم الأهل أم المدرسة؟ إننا بصراحة نرغب في أن نشارك في بناء مجتمعنا ونكون كالرجل ولكن من يترك لنا الفرصة؟ وتعتقد السيهاتي أن الحرية المتاحة للفتاة في هذه الأيام هي حرية مزيفة وتحتاج لإعادة نظر من قبل الجميع، ومن قال إن الفتاة يترك لها حرية الاختيار بالنسبة للزوج. إن المجتمع يضع مقاييس كاملة ولا يترك لنا سوى ضوء صغير لكي ننفذ منه، وفي غالب الحالات يكون الأهل هم الكلمة الفاصلة. وتشير السيهاتي إلى أهمية التعارف بين الزوج والزوجة ضمن خصوصية الاهل منذ البداية وألا يقدم على عملية الزواج إلا بعد التفكير الكامل والتخطيط لحياة زوجية سليمة، أما الثقافة التي تمتلكها الفتاة عن الحياة الزوجية فهي (صفر) لأننا في مجتمع قد لا يعير أهمية لهذه المسألة. ثقافة مجلات الأزياء وترى سعاد الجراش (مدرسة) أن الأمهات يتحملن مسئولية كبيرة في إعداد جيل من الفتيات القادرات على تحدي أعباء الحياة، ففي السابق كانت أمهاتنا - رغم عدم وجود التعليم - حريصات على تعليم بناتهن أصول التعامل مع الزوج، وادارة شؤون المنزل وجرت العادة على أن تقوم الأم بتلقين الدروس والتوجيهات لابنتها قبل الزواج خاصة في مجال الطاعة وخدمة الزوج مهما كانت الظروف، وإن كانت هذه الطاعة العمياء تفقد المرأة بعض حقوقها إلا أن دفة الحياة الزوجية كانت تسير بشكل طبيعي. أما الآن وفي ظل التطور والانفتاح فإن ثقافة البنات لا تتعدى مجلات الأزياء وملاحقة صرعات الجوالات وكل ما يستجد في تكنولوجيا الحياة، وقد تجد فتاة متفوقة في استعمالات الكمبيوتر وأسراره وهذا قد يكون أمراً جيداً إلا أن هذه الفتاة لا تفقه من أسرار الحياة الزوجية شيئاً.! العودة للقيم والحل؟ - تتساءل الجراش - مجيبة إن الحل يتمثل في العودة إلى القيم القديمة الصحيحة منها ومحاولة تطويرها من خلال تفعيل دور الأم العصرية بأن تحاول أن تتقرب من ابنتها وتوثق علاقتها معها بحيث تجعلها تستمع لنصائحها، ومن جهة أخرى على الأم أن لا تخجل من توصيل أسرار الحياة الزوجية بأسلوب صحيح حتى لا تأخذ الفتاة معلومات مغلوطة عن هذا الأمر. هذا من جهة الأم، أما من جهة البنت فيجب أن تستغل معلوماتها ومقدرتها على التماشي مع التطورات الحديثة بأن تقرأ وتكثف اطلاعها في مجال العلاقات الزوجية، ولا تعتمد على صديقاتها أو على التلفزيون وبالذات المسلسلات التي لا تنقل صورة حقيقية عن العلاقة الزوجية بل إنها تبالغ في تصويرها بشكل مزيف في كثير من الأحيان. غفلة عن الفكر والثقافة ويرى الشيخ جواد جظر (إمام جماعة وباحث اجتماعي) أن الكثير من الناس يلهثون خلف المظاهر الدنيوية وهم في غفلة عن الفكر والثقافة التي تشكل وعي الحياة، متسائلاً ما هي النتيجة من وراء ذلك؟ ويجيب بأن النتيجة هي سيارات فارهة وبيوت جميلة ومأكولات متنوعة ومظاهر فاخرة ولكنها تغطي تحتها مشاكل عاطفية وتفكك أسري وخلافات اجتماعية. ثقافة التدبير ويضيف الشيخ جواد أن الحياة الناجحة هي التي تأخذ بأسباب النجاح الحقيقية والتي يمكن أن نوجزها في مصطلح واحد هو التدبير، مشيراً إلى أن التدبير مهارة يفتقدها الكثير من الناس وهي باختصار مجموعة من المفاهيم والسلوكيات التي تقود إلى حياة ناجحة مادياً ومعنوياً. وقال الشيخ جواد: إن شباب اليوم بحاجة ماسة إلى ثقافة الحياة وإلى مهارة التدبير حتى يتسنى لهم تكوين أسر ناجحة وبالتالي نضمن مجتمعاً تقل فيه ظواهر فسخ العقد والطلاق والهجران، حيث تشير الإحصائيات إلى تنامي هذه الظواهر السيئة كما أفاد بذلك بعض المحاكم الشرعية. متى نثقف انفسنا خارج غرفة النوم؟ الاستخدام الخاطئ للمنشطات يزيد الامر سوءا