كتاب جديد صدر مطلع هذا العام 1433ه لمؤلفه الأستاذ سلمان بن محمد العمري، وهو الرجل الشغوف بالدراسات الاجتماعية والتربوية، وكتابه (ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي- دراسة تشخيصية) شاهد بذلك، ومن كتبه (مشكلات الطفولة)، (وسلوكيات يرفضها الإسلام)، (وثقافة الوقف في المجتمع السعودي بين التقليد ومتطلبات العصر). لعلي ألتمس سبباً في تأليف هذا الكتاب؛ فلقد أشار مؤلفه في مقدمة الكتاب إلى كثرة الطلاق في المجتمع السعودي؛ فقد ذكر أن: المجتمع السعودي شهد زيادة لافتة في عدد حالات الطلاق في الفترة الأخيرة؛ فالإحصائيات الأخيرة تشير إلى بلوغ نسبة الطلاق في المملكة نحو ال 40 %؛ ما يعني وقوع حالة طلاق في المملكة كل ست دقائق، وذلك من خلال دراسة أُجريت عام 2011م. مؤكداً بذلك ارتفاع نسب الطلاق وتفاوتها بين الأزواج صغار السن وحديثي الزواج منهم. ولما قرأت هذا الكتاب الفتي الجديد بأفكاره عرفت أن المؤلف يتحدث عن عمق وبُعد نظر قبل الدخول في معترك الحياة الزوجية؛ فهو يتحدث عن أفكار وآليات مهمة، يجب استيعابها لإقامة حياة زوجية سعيدة مبنية على المحبة والمودة بين طرفي الزواج (الشاب- الفتاة)؛ فعلى الشاب والفتاة أن يتعلما ثقافة الزواج؛ حيث يقول مؤلف الكتاب: «وحين أقول ثقافة الزواج فإن ذلك لا ينصرف إلى البحث في الأمور الفطرية والعلاقة التي يعرفها الإنسان بفطرته، إنما أعني أن تتثقف الفتاة ويتثقف الشاب فيما يكون عوناً لهما على حسن القيام بواجب الحياة الزوجية ومسؤولياتها». ويتحدث المؤلف عن أنه يجب على كل شاب وفتاة معرفة حقوقهما قبل الزواج، فيقول: «ومن هنا على كل مقبل على الزواج من ذَكَر وأنثى أن يعرفا حقوقهما الشرعية والمدنية كاملة قبل الزواج، التي لا يحق لأحد كائناً من كان أن يتعدى عليها». كما تناول موضوع حرية اختيار كلا الزوجين للآخر، فيقول في (ص17): «لأن الزواج يقوم على المودة والرحمة فالحياة الزوجية لا يمكن أن تقوم على المجاملة؛ فهي عشرة طويلة الأمد، تحتاج إلى رضا تام من كل الطرفين بالآخر، ونجد النصوص الشرعية تؤكد إعطاء المرأة حقها التام في الرضا بالزواج». لقد تحدَّث المؤلف بكل ثقة عن حقوق الفتاة المدنية العامة من تعليم وعمل وموارد مالية واقتصادية بقوله: «لا بد للفتاة أن تدرك ما لها من حقوق قبيل اقترانها؛ فلها حق التعليم في حال رغبتها، ولها حق العمل وفق ما يناسبها من تعليم وطب وتجارة، والإسلام لا يمنعها من ذلك كله، لكن لا يجوز أن تزج بنفسها فيما لا يناسبها». وأعجبني المؤلف كثيراً حين دعا إلى التأني في الاختيار والقبول فقال: «أثبتت بعض الدراسات الإحصائية أن من الأسباب المهمة للطلاق هو سوء الاختيار، حسب استبيان لعدد (80) من المطلقين، و(250) من المطلقات؛ فقد شكَّل سوء الاختيار سبباً في الطلاق لدى نسبة (12.50 %) من المطلقين وبنسبة (28 %) من عينة المطلقات، وهي نسبة عالية للمطلقات»، مع أهمية إدراك المسؤولية في الحياة الزوجية والقدرة على أداء المهام والواجبات. وتطرق المؤلف بشجاعة إلى سؤال مثير عن اختيار الزوجة، فهل الاختيار بالقلب أو العقل، وما أسسه: المال، الجاه، الجمال، الدين، الحب، مع تناوله بعض مشكلات الاختيار، ومنها: التسرع في الاختيار، والقبول دون تفكير، وأن كثيراً من الفتيات يتنازلن في الاختيار هرباً من شبح العنوسة!! وفي الصفحة الثانية والأربعين تحدث عن أمر مهم جداً، هو تأهيل الشباب والفتيات للزواج، وأنه ضرورة اجتماعية، ثم ذكر وسيلتين من وسائل التأهيل المهمة، إحداهما: دور الوالدين في تأهيل أبنائهما للحياة الزوجية. والأخرى: انخراط المقبلين على الزواج من شباب وشابات في دورات إرشادية تأهيلية للزواج، فقال: «ألا تعتقدون معي أننا بحاجة إلى دورات تأهيل الشباب والشابات لاستلام مثل تلك المسؤولية التي تقع على عاتقهم؟»، ثم تحدث عن دراسات ونتائج حول هذه الدورات. كما أعجبني صاحب الكتاب حين تحدث عن أهمية التوافق أو التقارب بين الزوجين في المستويات الثقافية والفكرية والنفسية، فقال: «كلما كان الزوجان متكافئَيْن في المستوى الثقافي والفكري كان التقارب بينهما أكبر». وفي الصفحة الخامسة والستين حذر المؤلف الفتاة المقبلة على الزواج من أمور تجعل الرجل ينفر من زوجته، ومن أهمها: التعامل مع زوجها بغرور وكبرياء، محاولتها التملك والسيطرة عليه، إهمالها أنوثتها وجمالها وهندامها، إبداء رأيها وتدخلها في كل شيء من اختصاصات زوجها.. وغير ذلك. وفي الوقت نفسه حذَّر المؤلف الشاب المقبل على الزواج من الغرور والذكورية المفرطة والفهم الخاطئ للقوامة الواردة في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّه بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، فقال: «يجب أن تفهم القوامة فهماً صحيحاً؛ فالفهم الخاطئ للدين وللقوامة والطاعة يربِّي في نفس الزوج أنه القوام الذي يجب أن يقرر كل شيء في البيت بعد إلغاء شخصية الزوجة التي عليها الطاعة العمياء دون أي نقاش.. ويعطي لنفسه المبرر (الشرعي) كونه رب الأسرة.. ولعله إن علم معنى القوامة يهتدي إلى أنها مسؤولية سلمها الله جل وعلا له ليقوم بواجب الرعاية والحماية والكفاية والولاية والنفقة». إن من الأمور الجميلة التي تطرق إليها الباحث سلمان العمري بعض الصفات التي يحبها الرجل في المرأة، وكذلك بعض الصفات التي تحبها المرأة في الرجل، وأعجبني ما ذكره عن الصينين فقال: «والصينيون يقولون: المرأة الصالحة ألزم للرجل من يديه وقدميه» متحدثاً عن أهمية التقارب في العمر بين الزوجين، فقال في (ص 83): «التقارب في السن مما يعين على دوام العشرة وبقاء الألفة؛ فليس من المستحسن أن يكون الفارق السني كبيراً بين الزوجين، ولا يعني ذلك فشل الزواج، بل هناك حالات كثيرة ناجحة، رغم التفاوت الكبير في ذلك، لكن التقارب العمري يجعل التفاهم والانسجام أحرى»، ذاكراً بعض الآليات والوسائل لكسب قلب الزوج، وفي المقابل ذكر بعض الأمور السلبية التي تخسر به الفتاة قلب زوجها، مصدراً ذلك بسؤلال: «كيف تخسر المرأة قلب زوجها؟». هناك أمر خطير وحساس ومهم جداً تطرق إليه مؤلف الكتاب، وهو عن أهل الزوج، وكيفية كسبهم وحسن التعامل معهم، فقال: «على الزوجة أن تتأكد من أن جانباً كبيراً من عوامل نجاح حياتها الزوجية يتوقف على حسن العلاقة بينها وبين أهل زوجها، ولكي يعرف الزوج أن هذه الزوجة أضفت جديداً إلى حياته بدلاً من الإحساس بأنها تحاول السيطرة عليه، والقضاء على صلته الوثيقة بأهله». لقد تناول المؤلف موضوع الثقافة الجنسية الشرعية لكل من طرفي الزواج، وأهمية فهم ذلك، وأن الإسلام لا يرفض الرومانسية كما يعتقد بعض الجهلة، وأعجبني قوله: «أعتقد أن الرومانسية ليست كل شيء في الحياة، ولكن يجب أن يتذكر كل من الزوجين حاجات الآخر، ويحاول إشباعها»، مع ذكره بعض المهارات والفنون التي يجب أن تتحلى بها الزوجة لتتعامل مع زوجها. وفي ثنايا الكتاب تحدث في صفحات عن أهمية الفحص الطبي قبل الزواج من أجل مستقبل صحي آمن لأبنائكم، كما أن من الأفكار الجميلة في الكتاب حديث المؤلف عن الزوجة الحكيمة، إذ يقول: «الزوجة الحكيمة تستطيع تغيير الزوج مهما كان صعب الطباع ومهما كان فيه من السلبيات». ومن الأفكار الجميلة في الكتاب أيضاً الحديث عن أن إحسان الظن مهم للغاية في الحياة الزوجية، مصدراً ذلك بقوله: «أحسن الظن في زوجتك وحبيبتك حتى لو أخطأت»، كما حذر صاحب الكتاب من الاستماع إلى أصحاب التجارب الفاشلة في الحياة الزوجية؛ فالاستماع إلى هؤلاء ينفر عن الزواج، ويستمر في تحذيره للزوجين من الرثاثة وقلة النظافة. «روح المرأة في أنوثتها» عبارة جميلة أعجبتني وردت في الكتاب، وهي عنوان لإحدى الأفكار التي توجها المؤلف، وقال: «دائماً ما نسمع هذه الكلمة العظيمة: (الجمال جمال الروح)، جمال المرأة ليس في قوامها، الأنوثة روح المرأة». ثم ختم المؤلف أفكاره بالحديث عن الزواج النكدي الذي بدأ به في غلاف كتابه، مبيناً أن الزوج أو الزوجة أولى بالابتسامة والضحكة من الآخرين. أمل بنت إبراهيم المشيقح مرشدة طلابية واجتماعية في القصيم - بريدة