قبل بداية أشغال لجنة حقوق الإنسان في دورتها الستين قبل ستة أسابيع، كان الجميع يتوقع مناورات مكثفة وراء الكواليس لإحباط مشاريع قرارات تدين انتهاكات حقوق الإنسان في بلد من البلدان، ولكن أصحاب هذه التوقعات التشاؤمية لم يكونوا ليتخيلوا أن تصل الأمور إلى شل أي تحرك من هذا القبيل من خلال استعمال كل الوسائل بما في ذلك الضغوط السياسية بالنسبة للبعض، أو التهديدات الجسدية بالنسبة للبعض الآخر. وقد لخصت المنظمات غير الحكومية حصيلة ستة أسابيع من المناقشات، شهدت مشاركة أكثر من ألفي مندوب من كل انحاء العالم، وتمخضت عن مئات التقارير وعشرات القرارات، واستهلكت الكثير من الوقت والمال، في عبارات من قبيل "الصمت المخزي" أو "المهازل" أو "التوجه الخطير" الذي بدأت تسلكه لجنة حقوق الإنسان. العراق .. الغائب.. الحاضر كل هذا حدث في لجنة حقوق الإنسان هذا العام بحيث أدت الضغوط السياسية والدبلوماسية إلى شل عزيمة الدول الأعضاء الثلاثة والخمسين ومن بينهم خمس دول عربية، بحيث لم يتجرأ أي منهم على تقديم مشروع قرار يطالب اللجنة بفتح نقاش حول أوضاع المدنيين العراقيين في ظل الاحتلال. في المقابل، اكتفت لجنة حقوق الإنسان بالسماح بالاستمرار في معالجة الانتهاكات المرتكبة في عهد النظام السابق في تجاهل تام لما تتعرض له حقوق المدنيين العراقيين من انتهاكات خطيرة على أيدي قوات الاحتلال في الفلوجة والنجف وباقي مناطق البلاد. وفي محاولة لحفظ ماء الوجه، استعمل المفوض السامي لحقوق الإنسان بالانابة بيرتران رامشاران صلاحياته كمفوض سام بالانابة وتقدم باقتراح يدعو إلى إعداد تقرير عن أوضاع حقوق الإنسان في العراق، حيث يعتقد رامشاران بأن "هناك ضرورة لتقديم تقرير عن أوضاع حقوق الإنسان في العراق"، ولعل هدا مما يدخل في خانة "أضعف الإيمان". حوار .. ومشادات .. وضغوط النقطة التي استرعت الاهتمام في دورة هذا العام أكثر من غيرها، تمثلت في المواجهة التي تمت بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوكوبا والتي انتهت إلى تمرير (بفارق صوت واحد) لمشروع قرار يدين انتهاك هافانا لحقوق الإنسان فيما يتعلق بوضع المعارضين الذين تم اعتقالهم. وهي الإدانة التي ترتبت عنها مشادات بالأيدي بين أعضاء ومناصرين للوفدين الكوبي والأمريكي. وهو ما دفع كوبا، في رد فعل انتقامي، إلى تقديم مشروع قرار ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية يثير لأول مرة النقاش حول الوضع المخصص لمعتقلي معسكر جوانتانامو. وفيما رحب المدافعون عن حقوق الإنسان بالتحرك الكوبي وثمنوا فيه لباقة صياغته القانونية، وما أثاره من تحديات وضعت جميع الدول الأعضاء في لجنة حقوق الإنسان امام مسئولياتها، وخاصة البلدان التي لها مواطنون معتقلون في جوانتانامو "ومن بينها عدة دول عربية"، إلا أن حجم وقوة الضغوط التي مُورست على الدول الأعضاء والمساومات التي تمت وراء الكواليس أدت إلى سحب المشروع في آخر لحظة، مما فوت على الدورة الستين فرصة اتخاد "موقف مشرف". وإذا كان الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة كوفي أنان، قد تجرأ قبل أسابيع أمام لجنة حقوق الإنسان على الإشارة إلى الوضع في السودان ضمن مراسم إحياء الذكرى العاشرة لمجازر رواندا، ولفت الأنظار إلى ما يجري في منطقة دارفور غربي السودان، فإن لجنة حقوق الإنسان، وبقيادة المجموعة الإفريقية عملت على إضعاف مشروع القرار الذي تقدمت به الدول الأوربية، وانتهى الأمر إلى اتخاذ اللجنة قرار "يحث كل الأطراف على التعاون مع المحافل الدولية"، ويكتفي بتعيين خبير مستقل لتقديم تقرير عن أوضاع حقوق الإنسان في الإقليم.وإذا كانت فلسطين والأراضي المحتلة قد نالت نصيبها من اللوائح التي لن تغير شيئا مما يجري على أرض الواقع، فإن الدول الممثلة في اللجنة وعلى اختلاف مواقفها من ملف محاربة الإرهاب تمكنت من الحصول على مبتغاها. فقد ارتاح البعض للقرار الذي "يحمل المجموعات الإرهابية مسؤولية انتهاك حقوق الإنسان وعدم اقتصار ذلك على الدول وحدها"، فيما تقبل البعض الآخر بسرور اتخاذ اللجنة لقرار ينص على "ضرورة احترام حقوق الإنسان عند القيام بعمليات لمحاربة الإرهاب". ومرة أخرى نجحت الصين في تفادي دخول اللجنة في مناقشة مشروع حول أوضاع حقوق الإنسان فيها كانت تقدمت به الولاياتالمتحدة، وهو ما يمثل إلى جانب الإخفاقات العديدة الأخرى دليلا على أن "مناقشة حقوق الإنسان موضوع سياسي"، حسب رأي رئيس الوفد السويسري دانيال فيني. وحتى الإنجاز الذي كانت لجنة حقوق الإنسان تتميز به عن باقي المحافل الدولية لحد الآن، بإعطاء الكلمة لممثلي اكثر من 1000 منظمة غير حكومية، عرف هو الآخر تآكلا بعد منع لجنة حقوق الإنسان لمعارضين إيرانيين من دخول مبنى اللجنة بدعوى "وجود طلب توقيف دولي في حق بعض الأعضاء". هذه الحصيلة دفعت ممثل المنظمة غير الحكومية السويسرية "جنيف من أجل حقوق الإنسان" آدريان زولر إلى القول أن الدول "بدأت تتنافس في عضوية حقوق الإنسان للإفلات من العقاب". أما منظمة العفو الدولية فاعتبرت أن هذا المحفل الدولي الوحيد في العالم لمناقشة حقوق الإنسان "يتطلب إصلاحا جذريا إن هو أراد الحفاظ على مصداقيته". @@ الجارديان