يعد الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين احد الأدباء البارزين، وقد سجل ريادة في مجال العمل الاعلامي عندما اصدر مجلة الرائد، وهي مجلة اسبوعية جامعة، اصدرها في مدينة جدة، عام 1379ه وكان رئيس تحريرها. وتوقفت منذ صدور نظام المؤسسات الصحفية عام 1383ه وكان لهذه المجلة دور كبير في اجتذاب العديد من الشباب الذين اصبحوا الآن من الصحفيين والكتاب المعروفين، وبعضهم تولى أو مازال مناصب قيادة في المؤسسات الصحفية. وقد تبنت هذه المجلة العديد من القضايا الثقافية والاجتماعية الهامة، وشارك في الكتابة فيها عدد من الكتاب المعروفين في العالم العربي، وربما كان ذلك بسبب علاقة صاحبها بأولئك الأدباء العرب. وكان قد شارك في إصدار صحيفة الأضواء بالاشتراك مع السيد محمد سعيد باعشن، عام 1377ه، وفي عام 1391ه عمل مديرا لإدارة عكاظ، وفي عام 1396ه عين مديرا لإدارة البلاد للصحافة والنشر. وبعد إنشاء دار البلاد للطباعة والنشر اختير عضوا منتدبا لمجلس إدارتها عام 1402ه لمدة ثلاث سنوات، وفي العام نفسه اختير رئيسا لنادي جدة الأدبي الثقافي، وهو من انشط الأندية الأدبية بالمملكة. وقد أثرت جهوده الساحة الثقافية، بالعديد من الاصدارات ذات القيمة الأدبية المتميزة، ومن مؤلفاته: * أمواج وأثباج. * في معترك الحياة. * الفتى مفتاح.. وغيرها من الأعمال. ولديه مشروع دراسة لصحافتنا خلال نصف قرن. وبمناسبة تكريمه في أثنينية عبدالمقصود خوجة تحدث الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين عن مشواره مع الصحافة فقال: في عام 1377ه كنت موظفا في الجمارك، وجاءني للزيارة الأخ محمد سعيد باعشن، وبعده بقليل جاء الأخ محمد كامل خوجة كان ذلك في شهر شعبان، وتحدثنا وقلنا: لماذا لا نصدر كتابا؟ نصنع كما يصنع الأستاذ عبدالسلام الساسي يرحمه الله، نجمع مقالات أدبائنا ونضعها في كتاب، نحن شبان يتطلعون إلى الشهرة من مختلف سبلها، والجلسة أخذت ساعة، ولم ننته منها إلا ونحن نفكر في إصدار صحيفة، وكان راتبي يومئذ (375) ريالا، وصاحبي موظف في وزارة التجارة مع الشيخ محمد رضا يرحمه الله. واتفقنا أن نلتقي بعد الظهر في بيت الشيخ محمد الطويل يرحمه الله، لنطلب إليه أن يمنحنا بعض الوقت المكتب الذي أنشىء في ذلك الوقت لبناء معهد باسم معهد سعود من التبرعات التي جمعت لجلب الماء إلى جدة، وذلك بعد أن جلبت الحكومة الماء على حسابها، وذهبنا إلى الشيخ الطويل فرحب بنا، وقال: غدا سيفتح لكم المكتب فاذهبوا واكتبوا. وانضم إلينا الأخوان محمد أمين يحيى وعبدالعزيز عطية أبو خيال، وكتبنا طلبا إلى المديرية العامة للإذاعة، والصحافة، والنشر، نطلب منها أن تمنحنا امتياز إصدار صحيفة سميناها (الأضواء). هكذا بسرعة اخترنا الاسم، وأودعنا الرسالة البريد وانتظرنا. وبعد خمسة أسابيع، طلبتنا مديرية الإذاعة والصحافة والنشر، وبلغنا: بأن الحكومة قد منحتنا امتياز إصدار صحيفة باسم (الأضواء) أسبوعية، والامتياز عبارة عن ورقة إذن ليس وراءه مال، وليس وراءه ثقافة، وليس وراءه بنيان، وليس وراءه شيء، مجرد إذن. وكنا سعداء بهذا الإذن، ولابد من وقفة عند هذه المناسبة، الحكومة تمنح شبابا ليس لهم ثقافة كافية، وليس لهم دراية وليس لهم حتى جذور عميقة, امتياز إصدار صحيفة. في الواقع هذه ثقة ورصيد كبير يجب أن نعترف بالجميل، نحن لا ننكر الجميل، هذه الأمة لا تنكر الوفاء. ذهبنا الى مطبعة الشربتلي في كيلو (5)، بطريق مكة، وكان مديرها يومئذ الاخ محمود رضا، وخلال وجودنا عند الاخ محمود رضا نتفاوض معه في طبع الأضواء، جاء شيخنا يرحمه الله أحمد بن ابراهيم الغزاوي بهامته وقامته ومظهره، فانكمشنا، ذلك اننا شابان لا يملكان شيئا امام شاعر الملك، وامام مطبعة كبيرة، وسأل الشيخ من هؤلاء؟ فقال محمود: انهما فلان وفلان يريدان ان يصدرا صحيفة، واذا بالشيخ الغزاوي يلوح بعصاه في الهواء قائلا: ان من يحاول ان ينتقدني ، اضربه بهذا البسطون، نحن لم نبد شرا ولا تحديا، ولم نبد شيئا، فقد كنا منكمشين، ولكني اسررتها في نفسي، وقلت: سيأتي وقتها، واصدرنا الاضواء ونحن لا نملك شيئا، وعجب استاذي محمود عارف كيف يقدم هذان الشابان على اصدار جريدة؟ فقد اصدرنا الاضواء ويشاء الله ان يذهب الملك سعود - يرحمه الله - الى امريكا للمعالجة، ويأتي معافى، ويقام له في فندق قصر الكندرة بجدة حفل كبير، ويأتي الشيخ الغزاوي ويلقي قصيدة بهذه المناسبة على منوال قصيدة المتنبي: (المجد عوفي إذ عوفيت والكرم) مع اختلاف الروي ويظهر ان الظروف لم تسعف الشيخ الغزاوي ليحلق ويبعد عن محاكاة المتنبي فيمسخ قصيدته، ومطلع قصيدة الشيخ الغزاوي: (الشرق عوفي اذ عوفيت والعرب) وجاء فيها: والصدع والرجع والأسنان والركب. واستوى الماء والخشب.. وفرحت يومئذ، فقد كانت فرصتي، ولكن كيف المداخل، قصيدة تقال من شاعر البلاط في رأس الدولة؟ هل يستطيع هذا الصعلوك الذي (يفك الحرف)أن يقف ليتصدى لقصيدة تقال في حفل الملك يأتي معافى؟ وماذا ستكون النهاية أليست كارثة؟ ولكني لم آبه بالكارثة.. كتبت مقدمة، لعل هذه المقدمة هي التي حصنتني.. قلت: ان المناسبة التي قيلت فيها القصيدة مناسبة نكبرها ونشكرها، ونشكر الله عليها، فقد عاد ملك البلاد معافى والحمد لله، ونحن مع هذه الأمة وهذا الشعب، نفرح بشفائه وعودته سالما، ولكنني أريد ان اتحدث عن هذه القصيدة حديثا أدبيا صرفا لا علاقة له بالمناسبة، وشرحت القصيدة تشريحا عميقا. وأذكر للتاريخ ان الشيخ احمد غزاوي كان من اوفى الناس ومن اكرم الناس، فقد كان في استطاعته في ذلك الوقت وهو في ذلك المركز ان يستعدي علينا الحكومة ورأس الحكومة، ولكنه لم يفعل، نحن نسجل هذا للتاريخ، وللحق، الذي ما بعده حق، وبعد نقد هذه القصيدة بزمن كنت أصدر عددا خاصا او شبه خاص من مجلتي (الرائد) فأكتب للشيخ الغزاوي أن يشارك وكان كريما سمحا سريع الاستجابة، يكتب القصيدة ويكتب المقالة، لانه يرحمه الله كان كبير النفس. وبعد ان انجزنا هذا العدد في ست عشرة صفحة، ورجعت الى البيت في ليلة صائفة قائظة، وجاءني صاحبي شكر الله له، بعد نصف الليل يقول: ان الرقابة تأمرنا ان نستبدل كلمة (عيد) بكلمة (ذكرى)،عدت الى المطبعة مثقلا متعبا، وكان تقديري إلغاء العدد لنرتاح من هذا العناء، ولكنه التحدي. ثم واصل حديثه عن رحلته مع مجلة الرائدة. ثم واصل حديثه عن رحلته مع مجلة الرائد: في مطلع عام 79 كما اعتقد، اخذت اتابع الملك فيصل يرحمه الله حيثما يكون على حدود العراق، في الصيد في فصل الربيع ابعث اليه برقية رجاء ان يصدر امره الكريم بمنحي اذنا باصدار مجلة ادبية باسم (الرائد) وتابعت ذلك حتى صدر الأمر. واصدرت الرائد في شكل مجلة على غرار مجلة الرسالة التي كنت احبها اصدرتها في غرة ربيع الاول 1379ه، لكن الغلاف مكلف ومتعب، بينما رأيت الاستاذ السباعي قد اصدر مجلة (قريش) في شكل (تابلوه) غلافها من نوع ورقها، والغلاف بهذه الطريقة غير مكلف. * في البداية أصدرت الرائد نصف شهرية لمدة سنة، وبعد ذلك فردتها كالأستاذ السباعي على شكل تابلوه من غير غلاف، واستمررت أصدرها، ويعينني إخواني وأصدقائي من الكتاب، الأستاذ محمود عارف، الدكتور محمد سعيد العوضي. وبدأت المشوار الجديد مع الرائد وكان أستاذنا الزيدان يمدنا بعمله وقلمه شكر الله له عمله، ومن الذين ساهموا معنا في بداية مشوارنا مع الرائد السيد أمين سالم رويحي، والدكتور عبدالله مناع كان يتعبني، إذ كان يدرس في الجامعة بالإسكندرية، ويبعث الي مقالات مزعجة بعنوان (على قمم الشقاء) وهي عبارة عن قصة مسلسلة تدور حول (حب وغرام الشباب) فكنت أسهر على الحلقة الواحدة ليلة كاملة، مثل الطبيب استبعد كلمة واضع كلمة.. احذف حرفا واضع آخر. ذات مرة وانا في الجمارك وفي موسم الحج اتصل بي الشيخ عبدالملك بن ابراهيم - يرحمه الله - رئيس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحادثني (40 دقيقة) فقال: يافلان، لقد جاءنا من نثق فيهم من الحجاز وقالوا: ان صحيفة الرائد هي بمثابة روز اليوسف الحجاز.. وكانت روز اليوسف في ذلك الوقت غير مرغوب فيها. وطفق الشيخ يعلن، ويعاتبني بقوله: هذا عمل لا يجوز.. وكلام طويل. وتأتي مناسبات ذكرى الجلوس من جديد وحولنا اخراج اعداد الرائد إلى شكل صحيفة كاملة، وأصدرت ثلاثة أعداد بشكلها الجديد فكتب إلى الأخ عبدالرحمن الشيباني وكيل وزارة الإعلام يقول: رد الصحيفة إلى حجمها الطبيعي الذي كانت عليه، فكتبت إليه، وقلت له: إن هذا مظهر حضاري، وإن النظام لم يحدد حجم المجلة ولا الجريدة، ولا أعتقد أن الشكل مقياس أو موضع خلاف، ولكن صاحبنا لم يقتنع، لأن الأمر شكليات وبيروقراطية وظيفية. قلت: طال عمرك هذه صحيفة. تصدر في بلد الإسلام وتدافع عن الإسلام وتحارب في بلد الإسلام، وانهاه قد منعت من الصدور بسبب حجمها. فسأل الملك عن الصحيفة، فقلت: طال عمرك.. انها صحيفة الرائد. قال: ان الرائد من أعز الجرائد علينا. ياخالد. يا خالد أكتب لهم بعد معارضته. وذهبت مع الامير خالد الى الديوان وكان الاستاذ عبدالرحمن الحميدي رئيس قسم الصحافة في الديوان، وجلست بجانبه حتى كتب رسالة على لسان رئيس الديوان الملكي، جاء فيها: معالي وزير الدولة للإذاعة والصحافة والنشر بناء على أمر مولاي، يسمح لفلان صاحب صحيفة الرائد بأن تصدر بالحجم الذي صدر به العدد كذ وكذا. وحملت الخطاب الموجه للوزير وطلبت منه صورة لعبدالرحمن الشيباني وكيل الوزارة بجدة، كما أخذت صورة منه لي خاصة وانطلقت اجري الى الاذاعة.. كانت الساعة 12.00 او 12.30 واستقبلني الاستاذ الشيباني مرحبا فسلمته الخطاب الموجه لمعالي الوزير واعطيته الصورة الخاصة به وطلبت منه ان يهاتف الأصفهاني.. حتى يفرج عن مواد المجلة ويستأنف العمل في طباعتها حتى يمكن إصدارها من غير تأخير.. وبتوفيق الله تم كل هذا الذي تحدثت عنه في أيام أربعة، ولم تتأخر الصحيفة عن موعدها. واستمرت (الرائد) في الصدور الى ان توقفت بصدور نظام المؤسسات الصحفية عام 1383ه. امواج واثباج