انطلقت الأربعاء الماضي فعاليات عروض وندوات سينما المرأة التابع لمهرجان الإمارات الثقافي الأول، حيث أعطى المهرجان مساحة كبيرة للسينما باعتبارها فناً راقياً مازال يصارع من أجل أن يتخذ له مكاناً بين الفنون، ومكاناً آخر في نفس الفن على المستوى العالمي. بدأت الفعالية بتكريم مجموعة من المخرجات من أجيال مختلفة وهي مشاركة في الفعاليات أصلاً بعروض أغلبها أفلام روائية قصيرة، كان من بينهن المخرجة جيهان الأعصر وواحة الراهب ورندة الشهال وغيرهن من المخرجات إضافة إلى الفنانة يسرا. استغلال عصري وبدأ العرض الأول فيلم الثلاثاء (29) فبراير للمخرجة جيهان الأعصر من مصر وهو فيلم روائي قصير مدته (24) دقيقة حاولت المؤلفة - المخرجة أن تكثف فكرتها في استغلال الزوج للزوجة في حياة عصرية متسارعة، حيث يبدأ الفيلم باستيقاظ الزوجة لتبدأ في كتابة يومياتها مستعيدة بعض ظلال وهموم اليوم وماذا تريد أن تصنع ثم ما تلبث أن تتصل بمدير المؤسسة الذي تعمل بها أو تتعامل معها فهي خلصت للتو من إنجاز ترجمة رواية. ترتب نفسها وتستعد للخروج، وفي الأثناء تستأذن من زوجها الذي صحا على صوتها فتستيقظ حميميته فجأة ويجبرها على النوم ثانية، ثم تتناول الإفطار ليضيع من وقتها عدة ساعات. تدب مشاجرة بينهما وهي في سبيل الخروج فيذهب برجولته ليصالحها ويرجعها مرة أخرى في دوامة يبدو ألا نهاية لها. تصحو مرة أخرى لتفاجأ بالمطبخ مقلوباً تحاول ترتيبه ليخرج هو هذه المرة إلى عمله وتبقى هي فريسة لترتيب المنزل. العنف البارد وفي النقاش الذي دار بعد نهاية الفيلم مع جمال الشاعر المذيع بالفضائية المصرية في معرض دفاعه عن الفيلم قال: إنه يناقش قضية قد تبدو عادية في العلاقة بين الزوجين وهي العنف البارد.. العنف المولود من رحم الحب.. إن الزوج في هذا الفيلم لا يسرق من الزوجة ولا يضربها ولا يعتدي على حقوقها، ولكنه عنف بأعصاب باردة، يمتص رحيق المرأة بهدوء ويمارس معها لعبة الغزل، يسرق منها كل شيء ويقول لها يا حبيبتي. قضية خلافية وفي قضية خلافية أثار الفيلم نوعاً من الاختلاف والنقاش في أروقة صالة العرض حول الزوج الشرقي ورغبته في أن يجعل من زوجته مثقفة وفي نفس الوقت ربة بيت، فهو في الحالة الأولى يريدها مثقفة ومفكرة وموظفة، لكنه في نفس الوقت عندما يأتي الحديث عن المطبخ والحفاظ على المنزل فإنه يريدها ربة بيت من الطراز الأول، وقد لا تكون هذه المقارنة صحيحة أو لا داعي لها، حيث وصلت العلاقة بين المرأة والرجل إلى أبعاد كثيرة، وقد تكون في أوجه كثيرة منها علاقة طبيعية تتراوح بين القبول والرضا والسخط. المشاعر الإنسانية في الفيلم الثاني طائرة من ورق للمخرجة اللبنانية رندة الشهال التي أثارت جدلاً كبيراً في الساحة العربية والغربية حول أفلامها الجريئة ومنعها من العرض في لبنان.. تحكي قصة الفيلم فتاة من منطقة الجولان تتزوج من شاب قريب لها في الطرف الآخر من الحدود التي ضمت إسرائيل جزءاً من قراه.. يركز الفيلم على الجانب الإنساني لمعاناة المواطنين التي تفصل حدود وأسلاك شائكة بينهم.. لمياء الفتاة التي أجبرت على الزواج من قريبها تحب شاباً درزياً إسرائيلياً .. وفيما يشبه المستحيل يقوم الشاب بطلاقها وترجع إلى قريبتها لتصبح منبوذة.. ثم فيما يشبه الحلم تخترق الحدود والأسلاك الشائكة لملاقاة حبيبها لينتهي الفيلم وهي تنزع قبعة الفتى الدرزي وياقته العسكرية بينما يظل هو صامتاً.! يستطيع المتلقي تلمس الأبعاد الإنسانية في هذا الفيلم واستبعاد الجوانب السياسية من الاحتلال.. لم تتحدث المخرجة عن مفاوضات أو مقاومة أو عمليات عسكرية.. فقط كان همها الوحيد كيف يتعامل البشر مع أنفسهم ومع الآخرين.. المحتل لم يكن له وجود سوى تلك الحواجز، ربما كان رمزاً ولكن المخرجة استطاعت أن تحاكي الإنسان بأبهى صوره .. إنساناً صافياً بعيداً كل البعد عن الهموم والتجليات السياسية. الطائرة.. الحلم ربما تكون الطائرة الورقية هو ذلك الحلم الذي تحلم به ويحلم به كل عربي أن يحلق بروحه وأحلامه، ويخترق جميع الحواجز ليعلن وجوده بين جميع المحافل، مهما كانت صعوبتها.. فلمياء استطاعت أن تفعل ذلك. ولعلنا هنا نتساءل ما الذي قدمته سينما المرأة العربية للمتلقي العربي؟ لا شك في أنها قدمت الكثير، ولكن المتلقي قد لا يعرف ماذا قدمت في ظل زحمة الأفلام التي تعرض على الشاشات وفي دور العرض، فهل هناك من تقييم لهذا الجهد؟ وربما يكون الكتاب الذي قدمه (أسامة عسل) وهو مصاحب لفعاليات مهرجان الإمارات الثقافي رداً على هذا التساؤل، فالكتاب عبارة عن إجابة عن هذا التساؤل.. إنها محاولة نستطيع القول إنها جادة ومفيدة لكل متابع ومهتم بسينما المرأة.