تختتم «طيارة من ورق» مساء اليوم، المهرجان السينمائي الذي نظمته السفارة الإسبانية في لبنان بالتعاون مع معهد ثربانتس في بيروت. الفيلم الذي أخرجته اللبنانية رندة الشهال وكان آخر أعمالها الروائية قبل وفاتها عام 2008، تدور أحداثه في قرية درزية في الجنوب اللبناني على الحدود مع إسرائيل، حيث تعيش لميا وعائلتها. تغرم الفتاة بجندي عربي يخدم في الجيش الإسرائيلي وكلاهما ينتمي إلى عائلة درزية، وتصبح رحلة الزواج رحلة ضد العادات والتقاليد، وتمرداً على المجتمع وأفكاره. تقرر عائلة لميا تزويجها من شاب في القرية المقابلة من دون موافقتها. فيتواصل أهل القريتين بواسطة مكبرات صوت على مسافات بعيدة، حيث يتناقلون أخبار الزفاف والعروس. تعبر لميا الشريط الشائك المزروع بالألغام والمراقب من الجنود الإسرائيليين مرات عدّة، إلى أن تهرب في النهاية إلى الأراضي المحتلة وتختفي عن أهلها. وقد يكون فيلم الختام هذا من أكثر الأفلام التي تعبّر عن عنوان التظاهرة، التي تجمع أعمالاً لمخرجات يتشاركن قضايا عدّة، كالتحرر من العادات والتقاليد، وعلاقة المرأة بالسينما والمجتمع والجسد والحدود والانتماء والهوية والعنف الجسدي والمعنوي والاغتصاب والعادات والتقاليد، وعلاقة المرأة بذاتها قبل محيطها. وتتشابه في هذا الإطار الأفلام المختارة وهي «دنيا» (جوسلين صعب - لبنان)، «أمنحك عيني» (إيثيار بويّاين - إسبانيا)، «أمينة» (خديجة السالمي - اليمن)، «الحلمة المرتعبة» ( كلوديا يوسا - بيرو) في تناولها حكايات نساء واجهن أزمات في محيطهن، وكيف تغلبن على هذه العقبات، أو كيف حاولن رفض الأفكار المسبقة تجاههن في بعض الأمور. وتكمّل هذه التظاهرة السينمائية ومواضيعها، ما تقدّمه المرأة في الثورات التي اجتاحت بعض البلدان العربية، وكيف أثرت النساء في الحشود، خصوصاً في ميدان التحرير في القاهرة. وتقول منسقة المشروع المخرجة جوسلين صعب والذي افتتح فيلمها «دنيا» التظاهرة، أن «المهرجان يتزامن مع زمن الصراع والتحدي للمرأة العربية، وليس صدفةً أننا أردنا إكمال العام 2012 بتأمّل بصري حول دور المرأة، خصوصاً أن دورها كان ولا يزال بارزاً في مختلف الثورات». وتضيف: «لا نملك شيئاً نضيفه إلى قيمة ووزن تلك النسوة المخرجات اللواتي نقدمهن في المهرجان. لكننا نملك الكثير من التحليل والبحث والتفكير في أعمالهن التي تبدو في أكثر الأحيان سِيَراً وبيانات شخصية حقيقية. هكذا، اخترنا كل واحدٍ من الأفلام المعروضة ردّاً على شرطين، أن تكون مخرجة الفيلم امرأة، وأن يحلّل في موضوعه دور المرأة». وأشعل فيلم الافتتاح نقاشاً حاداً مع متلقيه حول مواضيع الحب والرغبة والختان والرقص والتمرد في مصر. أما «أمنحك عيني» فناقش العادات السيئة لزوج في التعاطي مع زوجته التي تقرر الهرب مع ابنها من سطو رجلها وعنفه. وقد حاز هذا الفيلم جائزتي غويا من أكاديمية السينما في إسبانيا. ومن الأفلام اللافتة والمميزة التي قدمها المهرجان، فيلم «أمينة» وهو من آخر أعمال المخرجة اليمنية خديجة السلامي التي تقول إنها حين علمت بقصة أمينة المأسوية عبر الصحف، بدأت فوراً في إجراء مقابلات معها في السجن. ومن هنا طلع الفيلم في نهاية الأمر، وهو عبارة عن وثائقي مبني على تلك المقابلات، ويستخدم قصة هذه المرأة كمثال على الانتهاكات القانونية والاجتماعية التي تنهال على المرأة العربية. أنقذ الشريط حياة امرأة من الإعدام، إذْ نجح في جعل قضية امرأة متهمة بقتل زوجها قضية رأي عام. لا يحاكم العمل القضاء فحسب، بل يحاكم أيضاً مجتمعاً بأسره رضي بأن تكون نساؤه زوجات لسفاحين. واللافت في العمل مزجه بين العام والخاص، بين ما عاشته أمينة من مآسٍ، وما عانته المخرجة من مشاكل أقل أسى. وفي فيلم «الحلمة المرتعبة» الحائز جائزة «الدب الذهبي» في برلين عام 2009، تعرض البيروفية كلوديا يوسا، قصة فوستا التي تصاب بمرض نادر يسمى «حليب الأسى»، وينتقل عن طريق الثدي من النساء الحوامل اللواتي تعرضن للاغتصاب، كما حصل مع والدتها إبان سنوات العنف التي عاشتها البيرو في ثمانينات القرن العشرين. تمرّ فوستا في حالة من الإضراب والخوف المزمنين نتيجة المرض، ما يجعلها تعيش هاجس الهروب من مصير والدتها. ينتمي العمل إلى أفلام ما بعد الحرب، حيث تنقل إلينا المخرجة حالة المجتمع المصاب بجروح لا شفاء منها.