أنت تخلط بين أمرين بل أنت تخلط بين أمور كثيرة ". كم سمعنا هذه العبارة على ألسنة محاورينا أو على ألسنة من يتحدثون عنا أو إلينا من الأوروبيين وتحديداً من الأمريكيين ؟ أفي ذلك اتهام جائر لطرقنا في الجدل أم في ذلك شيء من الحقيقة وربما جزء كبير من الحقيقة ؟ الكثير منا سافر براً وقد يكون لاحظ في إحدى سفرياته ما يلي : مجموعة من الركاب يستقلون حافلة، هذه الحافلة تتعطل في منطقة نائية وسبب العطل هو خلل في المحرك يحاول السائق إصلاحه عبثاً لكنه وبعد عناء طويل في العمل والرد على استفسارات الركاب يصل إلى نتيجة واضحة ومحددة وهي ضرورة استبدال غطاء المحرك. هذا يستدعي ذهاب السائق مع إحدى السيارات المارة على الطريق لأقرب مكان تتوفر فيه قطعة الغيار اللازمة والعودة بأسرع وقت. في فترة محاولة السائق إصلاح المحرك كانت تدور الأحاديث والمداولات حول ما يمكن عمله إزاء هذه الورطة. ما دار من أحاديث ليس جديراً بالاهتمام بقدر ما هي جديرة تلك " القرارات " التي لم ينفض الخلاف حولها بعد ومنها على سبيل المثال لا الحصر : 1- ضرورة ذهاب اثنين مع السائق لمساعدته فيما لو حدث له شيء لا سمح الله. 2- ضرورة البحث في هذه المناسبة عن نجار لإصلاح بعض المقاعد الخشبية 3- إحضار ستارة بلون عاكس لبعض النوافذ وإن أمكن تكون سوداء. 4- المرور على فرع وزارة المواصلات لمعالجة نتوءات الطريق. أما القرارات المختلف عليها والتي أصر البعض على انتهاج أسلوب يرقى على الصوت لايصالها للسائق فقد ذهبت أدراج الرياح بإجماع المسافرين على ضرورة عودة السائق ومن معه بأقصى سرعة. هل سيعود السائق في الوقت الملائم أم لا ؟ هذا ما لم يجر التفكير به. في أحد اللقاءات الاجتماعية مع أحد الدبلوماسيين الغربيين أصر الضيف وبدرجة بدت فظة على أنه مستعد للحديث حول أوضاع البلد بشرط واحد وهو ألا نتحدث إلا عن أوضاع البلد لأنه لا يحب الخلط الذي يمارسه العرب عندما يتحدثون عن قضاياهم. غضب البعض واعتبروا ما قاله الدبلوماسي متعمداً لصرف النظر عن القضايا الكبرى التي يمر بها العالم. بعد أن هدأت الزوبعة وجرى الاتفاق ودياً على عدم الخلط سارت الأمور لوقت لا بأس به. خرج أحد من ساهموا في وضع الحديث على الطريق المسالم وما إن عاد حتى وجد أن الخلط قد أخذ مداه. تشيلي وحكومة اللندي هنا ووكالة المخابرات المركزية هناك وبينهما فيتنام وأفغانستان.. والقصد هو معرفة من كان وراء أحداث العراق ؟ قد يقول قائل وبحق : لسنا وحدنا الذين نخلط بين الأمور فهم أيضا يخلطون، وإذا لم يخلطوا فهم يعرفون ويتعمدون عدم الخلط. هم يخلطون. هذا صحيح لكنهم يعرفون متى يقومون بهذا الخلط وكيف يستخدمون "الحرفية" التي لا نعيرها اهتماماً. فلان الأمريكي مثلا ذو ميول صهيونية معروفة لكن خطابه في المنتدى لا يختلف عن خطابه في لقاء على إحدى الفضائيات. لقد أحسنت بعض صحفنا المحلية بقيامها بترجمة مقالات بعض ما يكتب في الصحف الإسرائيلية ولنا أن نقارن بين " خلطهم وخلطنا " كيف يبرهنون على أسباب تأييدهم لبناء الجدار العنصري ووقوفهم ضد حكومة شارون اليمينية المتطرفة ؟ اللوبي في إسرائيل وأوروبا وأمريكا أقلية وخطابهم لا ينتمي للمستقبل ومع ذلك يحققون النجاح تلو النجاح ويمسكون بتلابيب صانعي القرار، أما "لوبياتنا" إن وجدت فكل يغني على ليلاه. هناك يعرفون على الأقل ما يريدون ويربطون رغباتهم " الوجدانية أو المصلحية" بمقتضيات العقل حتى وإن كانت هذه المقتضيات شكلية. ومع ذلك "فهي تدور".