هذه هي الدوحة تفتح ابوابها أكثر فاكثر لمختلف اشكال الثقافة والفنون في ثالث دورات مهرجان الدوحة الثقافي التي ابتدأت في التاسع من الشهر الميلادي الجاري واختتمت امس الاول السبت. وكان المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث الذي ينظم هذه المناسبة قد عمد الى التنويع والتوسيع في دائرة البرامج بالاتجاه ناحية تبني الاسماء والعناوين الجادة التي تطاول الحركة الثقافية عربيا وعالميا في ارقى تجلياتها ، دون ان تبتعد عن تقديم ما يلامس ذائقة العامة ويلامس اهتماماتهم اليومية. وعلى نحو ما جرى في المهرجانات السابقة ، كان الاوبريت مادة المهرجان الاولى وشارة البدء التي اطلقها المسرحي المعروف عبدالرحمن المناعي في عمله الجميل "خيمة العز".. تجربة قريبة من روح المسرح الغنائي اجتهد فيها الملحن محمد المرزوقي لاكتشاف روح النص الشعري بدراميته المتذبذبة والذي شارك في كتابته المناعي والشاعر احمد المسند..لم تغب لمسات المناعي عن النص مكتوبا ومعروضا فهو المشغول بمعالجة المفردة التراثية على صعيد التجربة المسرحية الخليجية، الا ان "ضيق الحيلة" وشروط المكان والزمان نالت من جماليات العمل الذي حفل باخطاء فنية وادائية واضحة ، رغم ما فيه من جهد سينوغرافي وتشكيلي على مستوى الرؤية. شعر وَ موسيقى الشعراء كعادتهم اصحاب حظوة في فعاليات المهرجان ، فالى جانب امسيات الشعر الشعبي التي تزامنت مع برنامج "تراث البادية" كانت هنالك امسية شعرية للدكتور مانع العتيبة وأخرى للشاعر السوري "ادونيس"، وكان هذا الاخير أوفر حظا في "الليلة الاستثنائية" وهو عنوان امسيته التي تضمنت الى جانب الشعر عزفا منفردا على العود للفنان نصير شمة ومقطوعات غنائية للصوتين الجادين من مصر مي فاروق وريهام عبدالحكيم، وقد كانت لكل ذلك واحدة من اهم الامسيات واشدها زحاما ضمن المهرجان. وفي الغناء استعاد جمهور الدوحة مع الفنان اللبناني مارسيل خليفة ذكريات مقطوعاته النضالية العذبة التي صدحت في المسرح المفتوح على الشاطئ مع عدد آخر من الاغنيات الوجدانية.. "اني اخترتك يا وطني" وَ"جواز السفر" وَ "ريتا" وَ "احن الى خبر امي" اغنيات خالدة عمد الجمهور الى تردادها مع مارسيل الذي حرص على اشراك الفنانة اللبنانية "اميمة الخليل" لتقديم سهرة غنائية وموسيقية خالية من الابتذال والكلمة الرخيصة. لم يكن مارسيل وحيدا في الفعاليات الغنائية ، فقد شاركت المطربة اللبنانية ماجدة الرومي والمطرب العالمي ليونيل ريتشي في احياء ليال غنائية مشابهة ، اضافة الى الغناء الشعبي والفلكلورية الذي توزع على مواقع مختلفة من كورنيش الدوحة حيث يشهد طيلة المهرجان عروضا فلكلورية من مختلف دول العالم. أما المسرح فقد وقع الاختيار على اوبرا كارمن، ومسرحية "بودي غارد" لعادل امام ، مع مسرحية "هوامير الاسهم" للبحريني محمد القفاص ، ومسرحية الاطفال "مجود والاقزام السبعة" أما الندوات الخاصة بملف "ثقافة الصورة" فقد توزعت على ثلاثة ايام مطاولة ثلاثة محاور: ثقافة الصورة في جدل الذات والآخر ، انتاج الفضاء الفني -الواقع والدلالة، والثقافة البصرية -مفاهيم جديدة ، وبمشاركة مختصين من مختلف المجالات المعرفية من مثل د.عبدالله ابراهيم و د.شاكر عبدالحميد ود.اسعد عرابي ود.صلاح القصب. الى ذلك، نظم المهرجان عددا آخر من الندوات الفكرية كالحلقة النقاشية عن تطوير المناهج التعليمية وأخرى حول ابداع المرأة العربية ، وثالثة عن التحولات الديمقراطية في قطر لوزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، ولعل الندوات السياسية كانت اكثر عرضة للتغيير في البرنامج بعد اعتذار د.برهان غليون عن محاضرته حول المجتمع المدني ود.عمرو موسى عن محاضرته حول مستقبل العراق والمنطقة. ويمكن القول إن هاجس الانفتاح على الآخر وتأسيس فضاء للحوار والتلاقي بين الفعاليات الثقافية والفكرية يمثل محورا اساسيا لهذا المهرجان ،والكثير من الفعاليات تومئ الى توافر مراجعة مستمرة لاتجاهات المهرجان، واصغاء دائم لاسئلة الثقافة في مختلف مستوياتها.