لم يلبِّ الفنان اللبناني زياد الرحباني أي دعوة للمشاركة في مهرجانات الصيف اللبنانية منذ أكثر من 10 سنوات (إذا استثنينا مشاركته في حفلات فيروز في بيت الدين في 2000، 2001 و2003)، لأسباب عدّة منها ما هو سياسي، ومنها يتعلق بطبيعة الأمكنة. لكن المتابع لنشاط الرحباني الفني أخيراً، يلحظ انفتاحاً كبيراً على مختلف المناطق اللبنانية وفي شكل لافت، إذ افتتح مساء الخميس «مهرجانات زوق مكايل الدولية» بأمسية استثنائية قدم فيها برنامجاً يجمع بين جديده وقديمه، وأفسح في المجال أمام بعض المواهب الشابة، ومقطوعات عزفت مباشرة للمرة الأولى، مع تقديم أغنيات لفيروز وجوزيف صقر ولطيفة. وتعتبر هذه أولى مشاركاته في مهرجانات الصيف اللبنانية، على أن يكون له إطلالة أيضاً في العاشر من الشهر المقبل في «أعياد بيروت». ورافق الرحباني (57 سنة) 22 عازفاً من جنسيات لبنانية وعربية وغربية، توزعوا بين آلات النفخ والوتريات والإيقاع، ليقدم لجمهور ملأ المدرج الروماني في بلدة زوق مكايل الساحلية، ساعتين من الموسيقى والغناء. بدأ الرحباني التأليف أثناء دراسته الموسيقية، فاتجه منذ البداية نحو التجديد في الأغنية اللبنانية، نصاً وموسيقى. كما أَولى الموسيقى الآلاتية (الصامتة) اهتماماً جدّياً لم يكن مألوفاً في الثقافة الفنية اللبنانية والعربية عموماً. ولا شكّ في أنه حقق منجزات كبيرة في هذا السياق. غير أن صورة زياد لدى جمهوره اللبناني والعربي الكبير لا تقتصر على هذه الملامح الموسيقية، وإن شكّلت في الواقع أساس تجربته الاستثنائية. فزياد، من جهة أخرى، مسكونٌ بهمّ إنساني واجتماعي - سياسي، يعبِّر عنه في أغلب الأحيان من طريق الفكاهة والسخرية. ويعد العازف والمؤلف اللبناني، من أكثر الموسيقيين اللبنانيين شعبية وإثارة للجدل في الوقت نفسه، لا سيما أنه أقرن تجربته الموسيقية بمواقف سياسية واجتماعية حادة، تشمل الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) والنظام الاقتصادي والطائفي في لبنان، والأوضاع الراهنة في الدول العربية. أفرد الرحباني مساحة للمقطوعات الموسيقية ليستفيد من وجود الفرقة الموسعة لإعادة بنائها، والتوسع في نغماتها وإيقاعاتها. ومن أبرز ما قدمه، المقدمة الموسيقية لمسرحية «لولا فسحة الأمل» (1994)، و«مهووس» وهي حوار بين البيانو وآلات النفخ، ومقطوعة «ياردبيرد سوت» لعازف الساكسوفون الأميركي الراحل تشارلي باركر، إضافة إلى «عطل وضرر» التي صدرت ضمن ألبوم «معلومات أكيدة» (2007). ومن الألبوم ذاته، أدت السورية منال سمعان أغنية «عشقانة»، وهي المرة الأولى يقدمها زياد بعزف مباشر، ورافقتها لوريت حلو في «معلومات مش أكيدة». وإلى هاتين الأغنيتين، يخص زياد منال سمعان في أمسياته التي تشاركه فيها منذ نحو عام، بأداء أغنيات السيدة فيروز الحاضرة في مسامع اللبنانيين والعرب كل صباح ومساء. كما قدّمت أغنية «كيفك إنت» و«بما إنو» و«أسعدالله مساءكم» و«بهاليومين» و«دعوى ضد مجهول» و«عودك رنان» و«تلفن عياش» التي خُتمت بها الأمسية بصوت الشابة تينا يموت والتينور إدغار عون، وترافقت مع أداء منفرد للبزق والبيانو والفلوت. ولد زياد عام 1956 في بلدة أنطلياس الساحليّة (المتن)، لمبدعَين من عمالقة الفن اللبناني المعاصر: عاصي الرحباني وفيروز. بدأ دراسة البيانو والنظريات الموسيقية منذ طفولته واستهل مسيرته الفنية مطلع السبعينات ممثلاً وعازفاً في مسرح الأخوين الرحباني، كما كانت توكل إليه أحياناً مهمّة المشاركة في التأليف الموسيقي. عام 1973 قدّم عمله الخاص الأول، «سهرية»، المسرحية الغنائية التي حملت بعض تأثيرات المسرح الرحباني، ولكن في إطار خاص.