لا تزال الدراسات حول تأثيرات تحرير التجارة العالمية على العديد من القطاعات عندنا قليلة، لا بل نادرة جدا، بالرغم من توقيع لبنان على اتفاقية الشراكة الاوروبية المتوسطية ودخوله في المفاوضات الطويلة الامد للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. في القطاع الزراعي، الذي يعتبر من اكثر القطاعات تحسسا وتأثرا، كانت الخشية دائما، كلما طرح موضوع تحرير التجارة، من ثلاث اشكاليات اساسية: الاولى تتعلق بظروف المنافسة الصعبة وغير المتكافئة بين البلدان المتقدمة والنامية، لصالح البلدان المتقدمة طبعا، والثانية المتعلقة بتلقي المزارعين في هذه الاخيرة الدعم من الحكومات، في وقت لا يحصل المزارع في البلدان النامية على اي دعم يذكر. اما الاشكالية الثالثة فهي الناجمة عن تخوف البعض من ان تتحول الشروط البيئية والحواجز الفنية التي يتم وضعها بعد تحرير التجارة، الى حواجز جمركية جديدة من طرف واحد، حيث لن تستطيع البلدان الاقل تقدما الالتزام بهذه الشروط. ولعل في العودة قليلا الى مراجعة بعض المعلومات التي سربت من وزارة الاقتصاد حول عودة بعض المنتوجات اللبنانية من بلدان عدة في السنوات الاخيرة، وأسباب ذلك، تثبت صحة هذه المخاوف. انهت احدى المؤسسات منذ فترة قصيرة، القسم الاول من دراسة حول تأثير تحرير التجارة على زراعة البيوت البلاستيكية التي تستخدم مادة الميتيل بروميد، وهو غاز لتعقيم التربة ولمكافحة مرض النيماتود (وهي كناية عن دودة في التربة). هذه الدراسة التي تشرف عليها وزارة البيئة ضمن مشروع بدائل الميتيل برومايد الذي يضر بطبقة الاوزون ويترك نفايات سلبية من البلاستيك بالاضافة الى تأثيراته السلبية على صحة المزارع. ولعل السبب الذي دفع لبنان للاهتمام بهذا الموضوع كما تقول المصادر المتابعة للمشروع، هو ان لبنان، لا يستطيع ان يصدر منتوجاته الزراعية اذا استمر في استخدام هذه المادة في المكافحة ولا سيما الى البلدان الموقعة على بروتوكول مونريال، ولا سيما الاوروبية منها. الدراسة شملت أربعة انواع من منتوجات الخيم البلاستيكية هي: الباذنجان والخيار والبندورة والفريز. ثم قامت بدراسة تقييم الاثر البيئي لبدائل الميتيل برومايد غير الكيميائية وهي: التعقيم بالطاقة الشمسية والتعقيم البيولوجي والتطعيم والتعقيم التجاري. وقد أخذ هذا التقييم بالاعتبار الانعكاسات على الصحة والسلامة العامة (الكلفة الاستشفائية) بالاضافة الى رصد حجم التلوث ومدى استهلاك الموارد الطبيعية (تلويث التربة والمياه) وانعكاس كل ذلك على الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. وقد بينت هذه الدراسة ان الطرق غير الكيميائية هي الافضل ضمن هذه المعايير المذكورة وأن طريقة التطعيم هي افضل البدائل لناحية زيادة الانتاج والتصدير والانعكاس على البيئة، بعد تحرير التجارة. تنطلق الدراسة من مقدمة تتحدث عن ظروف المنافسة الصعبة التي تعانيها الزراعة في لبنان، ان في السوق المحلية او الاقليمية، والتي ستزداد صعوبة بعد تحرير التجارة، وذلك جراء ارتفاع كلفة الانتاج والمنافسة مع البلدان المجاورة (ولا سيما سوريا والاردن) لانها تحصل على دعم حكومي. وهي تنصح بأن يتم الاستعداد لان تكون المنافسة في المستقبل على اساس النوعية وليس على اساس السعر، مع توقعها ان تتحسن ظروف المنافسة حين تبدأ الدول الاوروبية برفع دعمها تطبيقا لاتفاقية الشراكة وحين ترتفع اسعار المنتوجات الاوروبية.