إني أدعو ربي دأئما بأن أكون مستحقا لصفة الشخص الأمين. أي الشخص الذي يستحق ثقة الناس ، فبرأينا أن أعظم مراتب تحقيق الذات هي أن تكون محاطا بالثقة والاحترام والتقدير، لذا فإني أدعو ربي كثيرا ليحقق لي هذه الأماني. وعلى ذلك نرى أن تكون محبوبا لا يتبوأ المقام الأسنى، رغم جمالية هذا الإحساس ورهافة الشعور إلا أن تحقيق الثقة والاحترام يسبق ذلك. لأن الحب تأخذه من الناس فإن كان من تلقائهم فلأنك حققت قبل ذلك احتراما وثقة، أو الحب الآخر الذي هو غريزي وهو لا يُعنى بالثقة والاحترام فأنت تحب أبناءك وإخوانك حتى ولو تهاوت أخلاقهم، ولكن لا تثق بهم إن لم تنضج ملكاتهم الأخلاقية. وأنت تعجب بالآخرين الناجحين وهذا لا يعني أيضا أنك تحبهم أكثر من إخوانك الفاشلين، لذا فالاحترام يفرضه مصدر الاحترام والثقة بإنجازاته وسلوكه وأخلاقياته، والحب قد تحصل عليه في كثير من الأحيان من التلقائية أو الغريزية.. ومعنى أن يكون الشخص محترما موثوقا، هو أن يقدر الناس لكونهم بشرا يستحقون الاحترام، ولا يتعالى عليهم متى كان أرفع علما أو أكثر ثروة أو أعلى طبقة، بل ان هذه الصفات تجعل المحترم الموثوق أكثر تواضعا وألصق بالأرض، لأنه لا ينفي من صفاته الرفيعة أن يتواضع وينزل للناس بل ستضيف إليه هالات أكبر، وسيجد الطرق مرصوفة ممهدة إلى قلوب الناس، ويبقى الإنسان الطاووس رغم كل الصفات بغيضا وإن لم يصارحه الناس في وجهه فإنه قطعا لن يُحَب ، كيف يحب إنسان إنسانا يتعالى عليه ، وكأنه يقول له إني أراك حقيرا ووضيعا.. ولكن الطاووس المنتفش الذيل يتبعه أخطر الناس وأوطاهم، وهم المنتفعون المنافقون المتزلفون المسترزقون.. والرجل الموثوق الأمين يعرف أن خدمة الناس من موقعه سواء كان موظفا أو تاجرا أو كاتبا أو عاملا اجتماعيا، هي واجب يقبله ويسعى إليه معتقدا في ضميره أن هذه الخدمة تضيف إلى بنيانه الشخصي، وإلى سمو نفسه ، وإلى تحسين وجوده، وتجميل صورته ، وسيتمتع باحترام وتقدير الناس وحبهم.. لأنك فعلت شيئا عظيما وهو أنك أسعدت الناس ، والموثوقون الناضجون العاقلون يؤمنون أن السعادة لا يحصلون عليها إلا عندما يمنحونها.. الموثوقية والأمانة أن تحافظ على مصالح الآخرين أو أن لا تمسها أو تدوس عليها وأن تحترم وتقدر منافعهم ومصالحهم وتتفهم منطقهم عندما يدافعون عن حقوقهم ويذودون عن مصالحهم المشروعة. الموثوقية والأمانة أن تسدي النصيحة الحقة، بطرقها السوية وبتوار عن الناس إن كانت نصيحة فردية مقصوره، أو أن تكون واضحا غير موارب عندما تسدي النصيحة للجموع. ويصدقك الناس عندما يعلمون أن آخر من يستفيد من النصيحة مصلحيا هو مسديها.. أما أعظم الموثوقين هم الذين يسعون بالخير العميم، ولا نعرفهم لأنهم يتخفون وراء ستار التواضع والرغبة المجردة للخير والحب وطلب الثواب.. عندما نكون محترمين موثوقين نقود أسرنا، ونقود شعبنا.. يحفنا القبول العام ورضا الناس .. وحمايتهم! د.ناصح