سعادة الاستاذ رئيس التحرير كان لابد ان يحدث ما حدث، وكنا نتوقع له الحدوث لان المسببات متى ما وجدت فليس من منطق الامور الا تترتب النتائج، وعندما نوجد الاسباب متعمدين عن قصد، او ساهين من غير عمد، فالنتائج عمياء لانها لا تحكم على النوايا، ولكنها آلية مثل قانون الحركة في الفيزياء، في ان لكل فعل رد فعل.. على انه في الامور التعاملية أيا كانت بين الناس تكون ردود الافعال غير مساوية للافعال، لان الردود تتعداها بالحجم وبالمقدار. الذي حصل انه عينت عناوين بريدية الكترونية لكتاب هذه الجريدة، وهي عناوين لم نطلبها على الاقل والحصر فيما يخصني انا ولا انا من الذين يضعون عناوين بريدهم من اي نوع في ذيل مقالاتهم او على رؤوسها، والسبب ان الردود على الكاتب العام من الخير ان تكون في المكان العام، ويبقى العنوان الخاص خاصا، يطلب في حينه ومتى تطلبت الدواعي واتسقت المناسبات. (على ان الذي حدث قد يجعلني اغير هذا الرأي وانشر بريدي الحقيقي الخاص ان لم يرفع بريدي في هذه الجريدة الذي لا يخصني في الواقع بل هو ملك الجريدة. لان الحذر لم يمنع من وقوع المحذور). من اهم حريات الانسان هي الحرية الشخصية، بل هي ربما من اعظم الحريات على الاطلاق. والحرية الخاصة لا تتوقف عند حدود الانسان في التعامل مع ذاته وملكياته وحميمياته المباشرة بل تكون حرية شخصية تبادلية على كثير من الاصعدة، وهي تتضاعف هنا أهمية لانك في تعاملك الخصوصي تحمي ما يسكن في اطارها وفي تعاملاتك المتبادلة لابد ان تحمي بذات الاهمية، وبنفس الدرجة من الحساسية، وبذات عمق الاحساس بالمسئولية خصوصيات الاخرين الذين ارتضوا وارتضيت ان تتعامل معهم في ذلك الاطار السامق من الحماية المتبادلة.. لذا بزغ اهم صفة لاي انسان يحب ان يستحق ان يحمل صفات الانسانية في معانيها الصافية والنبيلة.. ونعني ان يستأهل المرء ان يكون محل ثقة ان يكون موثوقا! وانا اتكلم عن ان الثقة هي اهم مقتنى من الممكن ان يهبه اي انسان لاي انسان. الحب نعتقد خاطئين انه من اهم المقتنيات الشعورية، على ان الحب ليس اختيارا مطلقا، وانما بقيود، وبالضرورة، او بالحتمية المشيئية العليا.. الحب غير التقدير فقد تحب اولادك او اخوانك، وعندما تريد ان تضع امانة غالية فقد تأتمنها عند شخص آخر، وهذا هو الاختيار المحض والتقدير الاسمى.. عندما تتزوجك المرأة وتمنح حياتها لك فإن الحب ليس هو الدافع الصحيح بل هي الثقة، فهي تريد ان تقول بأبلغ تعبير لو لم تكن محترما جديرا واهلا بالثقة ما منحتك حياتي، وعندما يكون دافعها حبا اعمى فان الحياة تكشف عن واقعها بعد حرارة الحب التي تنطفئ امام صعاب الدنيا.. هنا ان لم يكن الشريك موثوقا يصير هذا الفصام المؤلم الذي يقوض البيوت، وقبلها يحطم القلوب.. ومن اهم حاجات الدنيا هي الحاجة للصداقة، وهي اختيار محض، ولأنها اختيار محض فان الصداقة تبنى على الثقة، عندما تمنحني صداقتك فانك اعطيتني معها قيمة سنية واعتبارا شاهق الوضوح بانك تمنح مع المهم، الاهم، وهي الثقة.. وهنا ما اريد ان اقوله، واقوله هذه المرة بجدية لازمة واكيدة وراسخة لا تعرف ترددا ولا تعترف بالتنازل والمساومات.. وهو ان لا نضع اهم اعتبارين لحياتنا السلوكية موضع الاختبار او قلة الاعتبار.. وهما الصداقة والثقة.. ولعلي مرة اخرى اؤكد انني اقدم الثقة في كل الامور.. ولقد امتحنت في يوم الخميس الفائت امتحانا صعبا، في اختبار اعرف اسبابه واعرف اجاباته، موضوع اعرف خطأ نشوئه واتوقع ثورة توابعه.. ولقد تضررت شخصيا لاني اؤتمنت، وكنت من اسعد الناس في هذه الامانة لانها من صديق، وقلنا ان الثقة اغلى ما يقدمه صديق لصديق، وكانت قيمتها لا تحسب بالاثمان لانها جاءت من شخص استثنائي موثوق ويتحمل على اكتافه، وعلى قلبه، وعلى عقله اكبر ثقة تحمل لاي مسئول في اي مجتمع، وهي ان توضع امامه امانة تربية الاجيال الناشئة مهج القلوب، ومحركات الامة في المستقبل.. لو كانت الثقة تقاس بالمعدل القياسي لكان هذا الرجل هو مؤشرها الاعلى.. ولابد انكم استنتجتم اني اعني الدكتور صالح الدوسري مدير عام التعليم في المنطقة، واني اقصد الرسالة التي نشرت ردا علي منه وهي رسالة خاصة كان يجب الا تنشر والا يطلع عليها سواي. ولابد اني افاتحكم امام الله بانه رغم المعرفة القريبة التي تربطني مع الدكتور الدوسري الا انه يستحق كل كلمة قلتها وسأقولها بقلب لا يخالطه الوجل، لانكم ان شاء الله ما عهدتموني متزلفا متملقا ابيع المديح او ان هذا ما اسعى واتمنى ان اكونه، ولان الله يعلم والدلائل لا تخفى الا علاقة بي معه غير هذه العلاقة الاخوية والصداقة التي لا تعكرها شائبة. على اني سآتي لموضوعي مع هذا الرجل النابه، بعد ان ارجع لما يجب ان استدركه لعظم اهميته، وهو هذا العنوان الالكتروني الذي يظهر في مقالاتي وهو ليس لي ولا اتلقى منه شيئا مباشرا. التبعات المضرة التي نبعت من هذا الخطأ هو التالي: 1- ان الجريدة انشأت من عندها صندوقا وقالت للناس انه يخص الكاتب! 2- الجريدة لم تنبه الناس على ان الذي يصل الى هذا الصندوق هو ايضا يقع تحت اعين الجريدة، وانهم سيسمحون لانفسهم بنشر ما جاء بها من رسائل للكاتب! 3- بما ان التنبيه لم يحدث فالمنطق الطبيعي الذي يفهمه كل الناس ان هذا هو صندوق خاص لا يصل اليه ويتناول منه الرسائل الا الكاتب.. 4- وتبعا لذلك فان الذي يريد ان يصل للكاتب بتوجه شخصي وخاص لن يكتب للجريدة، وانما للكاتب، اذن اصبحت الرسالة حقا خصوصيا للكاتب واقتحامها وفتحها هي تعد على اهم الحريات، الحرية الشخصية.. 5- ليس فقط ذلك بل هناك طرف مهم آخر ان لم يكن صاحب حق اهم، وهو المرسل او منشئ الرسالة، فهو ارادها خصوصية لا يريد ان يطلع عليها احد سوى الكاتب فليس اذن لا من حق الكاتب ولا من حق الجريدة في نشر رسالة خاصة لم يريد لها صاحبها النشر.. 6- ونزيد منطقية التأكيد بان المرسل لو اراد ان يخاطب الكاتب او يعلق على احد مواضيعه ويريد لها النشر فهو لن يرسلها منطقا وعقلا الى بريده الخاص بل سيرسلها الى صفحة البريد اي المراسلات العامة، وفي الجريدة صفحة بريد القراء، وهي الصفحة المسماة (عزيزي رئيس التحرير). * حجم التبعات تكبر مثل كرة الثلج عند كل حركة وكل دورة، فالذي جرى انه انشئ عنوان من غير موافقة صاحب العنوان، ثم ان الناس توهموا بان هذا هو عنوان خاص، وهم لما امنوا ارسلوا في ضمن الالية الشريفة التي اسمها المعاملة التبادلية بالثقة، واطمأنوا ان ما ارادوه خصوصيا سيبقى كذلك.. الذي صار ان الجريدة منحت نفسها الحق الذي لا يملكه حتى صاحب العنوان الاصلي وهو القدرة على فتح بريد الكاتب في ان الكاتب لا يمكن ان يصل اليه (!!) ثم ان الجريدة تتناول الرسائل الخاصة هذه بدون ان يعلم الكاتب الموجهة له الرسالة، وبدون ان يعلم منشئ الرسالة (؟!) وتفضها، ولا تكتفي بذلك بل تنشرها امام الناس، وتحت دهشة الكاتب والمنشئ. تعلمون ان الخميس الفائت نشرت رسالة وصلت لبريدي في الجريدة (وهي وصلتني ولكن على عنواني الخاص ولم يظهر انها محولة من الجريدة! وهي مسألة فنية غريبة). رسالة خاصة جدا من الدكتور صالح الدوسري ردا على مقالة لي (ايضا اقتضبت وحذف منها ما ارادوا ان يحذفوه) اسمها الواجب المنزلي والبقرة المقدسة (وحذفت الجريدة البقرة المقدسة وبقي نصف عنوان المقال، ولا اعاتبهم على ذلك فلربما ظنوا اني اروج للهندوكية!) ولان الموضوع ذو شجون تربوية فإن الدكتور صالح بضميره التعليمي الذي لايهدأ علق على المقال برسالة خاصة لي فيما يراه في اولويات النهج التأسيسي التعليمي، وكانت رسالة انموذجية للافكار الخبيرة المطلعة، كانت نبراسا لطريق شاق نعاني منه كلنا.. واول من يحس بالمعاناة وواجب المعاناة هو الدكتور صالح كمسئول امام الله ثم امام من يقدر لهم كل التقدير في ان منحوه الثقة الكبيرة لانهم يتوخون فيه الكفاءة والضمير والقدرة وحسن القيادة.. والدكتور ليس بزعمي بل في ما انا اكيد منه، اثبت ان ذلك كان طريقه الذي بدأه، والذي هو عليه والذي سيواصل عليه.. ولانه اثبت في مشاركات ونشاطات وافكار واعدادات منهجية كثيرة في الارتقاء بالمجتمع التعليمي، وهو مجتمع استطاع الدكتور الدوسري باقتدار يدعو للاعجاب رفع اداء التلميذ والمدرس وهذا نتوقعه من خبير مثله، على انه تعدى ذلك الى انه رفع من اداء المنزل ايضا في تعامل الاهل مع التلميذ والمدرسة والمعلم.. والشواهد الدالة يتعرقل بها الباحث من كثرتها. هذا الرجل الذي له صفة التواضع والبساطة والقرب التعاملي المذهل مع الناس وهي صفة لم يكتسبها لم يدرب سلوكياته عليها، بل هي لمن يعرف الدكتور صالح هي مخلوقة معه، مجبولة بلحمه، ومذابة في دمائه.. هو واحد من المسئولين الذي نفعوا منطقتهم وصنعوا تاريخا سيبقى بعد ان يمضي صانعه، ونعد فترته واحدة من ازهى الفترات التعليمية في منطقتنا. على ان هذا التواضع والتواري والهرب من الاضواء المسلطة الكاشفة، هي السبب المباشر في الذي حصل وكنا بالطبع نتوقع ان تحدث امور ولكنها صارت مع ابعد اثنين يريدان فضح مراسلة خاصة، هما هو وانا. تواريه وتواضعه هو الذي جعله يكتب افكاره في استراتيجيات التعليم المنهجي في البلاد وكان باستطاعته ان يقولها امام اي منبر، ويكتبها في اي جريدة سيارة، ويلقيها امام اي كاميرا او مايكروفون، ويحصد عليها ثناء متوقعا. ولكنه رجل عندما يخرج من مكتبه فهو لا يقفل الدرج على مسئولياته، وهو عندما ينام جسده لا ينام عقله ولا ضميره لانه مسئول صالح، ومواطن محب صالح، ولأنه يريد الخير كما يعرفه وكما يريده لابناء الامة, ولم يكن يود لافكاره ان تكتسي بالصفة الرسمية حتى لا يصيبها الفهم الاجرائي، هو وضعها امامي كرجل يهتم في التعليم من قلبه، ولانه يحب بلده من قلبه، ليس فقط كموظف مسئول فقط ولكن كمواطن مسئول.. وهو يسائل نفسه قبل ان يسائله احد.. كان يريدني ان استفيد من هذه الافكار بظنه اني قلم يكتب، ولما يكتب يقرأ، ولما يقرأ يصدق.. وهو احسن الظن بي، وارجو الا ينقص لديه حسن هذا الظن! ولكن الدكتور بعقله المنطقي الواضح لم يكن بحسبانه ان البريد الخاص ليس خاصا، والا قل لي من هو العالم الذي يظن ان هناك جوابا آخر في ان مجموع واحد زائد واحد ليس اثنين! وكيف يمكن ان تصل لمبادئه النبيلة ان الصناديق الخاصة قد تفض وتفتح. اني لا اقول هنا سكب اللبن واعادته مستحيلة، ولكن اقول لم يسكب لبن ابدا ولا قطرة! وقد اطلع الناس على مقدار غيرة الدكتور على علمه وصناعته وبلده واطلعوا على افكار منهجية هي من الدرر.. وربما يوافق الناس ان مسئولينا المتميزين لو كانوا ماسات مصفوفة في تاج فإنه هو واحد من المعها. لم يرد لافكاره وحرصه الظهور، اراد الله ذلك! واقول بعد كل ذلك حدث ما حدث، رغما عنك يا دكتور، ورغما عني! نجيب الزامل نجيب الزامل