يحظى الدكتور غازي القصيبي بعناية الدارسين لما يشكله شعره من ظاهرة لافتة للنظر في الشعر العربي المعاصر وهو شعر ارتبط بالعديد من المواقف التي اثارت ولاتزال الجدل ليس بين النقاد فقط، بل وبين عامة القراء لما فيها من شجاعة البت عليه بعض الدوائر في الخارج، فلاغرابة ان يكتب عنه الدارسون بعض اطروحاتهم العلمية وهذا ما اقدم عليه الدكتور محمد احمد الدوغان بكتابه الذي نقدمه للقارىء، وهو لن يكون الاخير حتما في قائمة الكتب التي تتحدث عن الشاعر القصيبي، ولكنه تناول السيرة الشعرية للشاعر من خلال المصنف الذي ألفه القصيبي بعنوان (سيرة شعرية) وكذلك من خلال اللقاءات والمقالات وكتب النقد. فالدكتور غازي القصيبي من القلائل الذين اهتموا بكتابة سيرتهم الذاتية بين ادبائنا المعاصرين بل لعله انفرد بينهم في كتابة سيرته مرتين، مرة حين كتب سيرته العامة مركزا على حياته الادارية في كتابه (حياة في الادارة) ومرة اخرى في كتابه (سيرة شعرية) اضافة الى ما حوته بعض مؤلفاته الاخرى من صفحات لها علاقة مباشرة بسيرته الذاتية. الكتاب الذي بين ايدينا جزء تطبيقي من الدراسة التي اعدها المؤلف لنيل شهادة الدكتوراة عام 1319ه وقد اجريت هذه الدراسة على خطوتين. الاولى: دراسة وصفية لما كتبه القصيبي عن سيرته الشعرية وهي خطوة ضرورية ليمكن للباحث ان يقوم بالمقارنة بين السيرة والتجربة. اما الخطوة الثانية فهي الدراسة التطبيقية لتجربة القصيبي الشعرية على ضوء سيرته الذاتية. ونظرا لتنوع الآثار الادبية للشاعر د.غازي القصيبي من شعر ورواية وقصة اضافة الى مجال النقد والفكر، فقد عمد الباحث الى استقراء كل نمط من هذه الانماط في اربعة اقسام من هذا الجزء من الدراسة هي: كتابه المقصور على السيرة الشعرية، اللقاءات، المقال، كتب النقد كما اشرنا سابقا. يستعرض الباحث المصنف الاول (سيرة شعرية، يسألونك عن الشعر، قصائد). اما عن اللقاءات فانه يعتبر ما تجريه الصحف والمجلات مع القصيبي مصدرا من مصادر سيرته الشعرية ويعتبر انها تتميز عما يجري مع غيره من حيث الطابع الصحفي والانشائي وبعد ان يشير الى العديد من المقالات التي ينشرها القصيبي في الدوريات والمجلات المعروفة وفيما يطبعه من كتب يبدي اهتماما اكبر بما نشره القصيبي في كتابيه (عن هذا وذاك) وكتابه الآخر (الغزو الثقافي ومقالات اخرى). وهو يرى ان للقصيبي مجموعة من المقالات الادبية الطريفة التي تباين ما عهده من اقلام الكتاب والشعراء، وهذه المقالات من وجهة نظره تنم عن توجهات القصيبي الفنية وانطباعاته التذوقية في الشعر وتكشف عن سخريته بالآدباء المزيفين. اما في النمط الرابع والاخير كتب النقد فالمؤلف يلمس بعض ملامح التجربة الشعرية للقصيبي من خلال كتابه: (قصائد اعجبتني) وبعد هذه الدراسة الوصفية التي تقع في 32 صفحة من صفحات الكتاب ينتقل الباحث الى الدراسة التطبيقية التي قسمها الى اربعة اقسام ايضا هي: مفهوم التجربة الشعرية. اتجاهات التجربة الشعرية. العناصر الفنية. تقييم الرؤية والاداء. في الجزء الاول وعن الشاعر الحقيقي من وجهة نظر القصيبي ينقل المؤلف مقولة: ان الشاعر الحقيقي هو الذي يستطيع ان يحول تجربته الفردية الى موقف انساني. وعن اتجاهات التجربة الشعرية عند القصيبي ينقل لنا ان يكون كتب شيئا من الشعر لغاية غير كتابة الشعر نفسه: (انني لم اكن في اي لحظة مدفوعا بأي هدف يتجاوز التعبير شعرا عما كنت احسه في كل اللحظة). ويصف الكاتب اسلوب القصيبي فيقول انه يتراوح بين اللغة المحكمة النسج، المستغنية عن الفضول والحشو، القريبة من الانماط العمودية في جهارتها ووضوحها، ثم اللغة المنسابة في جملها وتراكيبها المتقاربة الايقاع والقوافي، القريبة من الانماط النثرية التي تشيع في الشعر الحديث. وعند تقييم الرؤية والاداء يقول: ان الآراء النقدية والتفسيرية التي طرحها غازي في سيرته الشعرية وحول تجاربه تتواءم الى حد بعيد مع الواقع الفعلي الذي يمارسه في هذه التجارب. على اية حال فان المؤلف بعد خطوتيه الوصفية والتطبيقية يخلص الى ان القصيبي استوفى في سيرته وادواته الاخرى اهم شروط السيرة الذاتية الفنية ومتطلباتها مما يحتاجه القارىء في التعرف على التجربة ويتضح ذلك في اختتامه الكتاب بقوله: (بعد هذه الدراسة تبين لنا ما يؤكد القيمة الفنية والنقدية التي يجنيها القارىء والدارس مما يقدمه الشعراء عن تجاربه) وهي تجارب غنية وحافلة بالمواقف الشجاعة والعصامية التي اتسم بها جيل القصيبي ليحقق الريادة في مجالات عديدة ظلت مناطق شبه ممنوعة لم يستطع الولوج اليها العديد من الشعراء الذين ظهروا قبل القصيبي وربما بعده. اضاءة: اسم الكتاب: السيرة الشعرية لغازي القصيبي (111) صفحة من الحجم الصغير. المؤلف: د.محمد احمد الدوغان. الناشر: مكتبة العبيكان 1424ه 2003م.