مات السيد (عصفور الهمداني) قاعدا في شرفته التي تطل على حديقة صغيرة في حي الاعظمية في بغداد كان يضع رأسه على كفه اليمنى وسبابته تحفر قرب انفه خندقا لدفن البعوض والذباب انه (يهرش) ولسعات (الناموس) اشد فتكا من قنابل الامريكان التي امتلأت الساحات العامة بدباباتهم وآلياتهم الثقيلة والخفيفة ولم يكن دوي المدافع والصواريخ والطائرات يحرك فيه ساكنا.. كان ينفض عن شاربه الابيض الكثيف بقايا السنين.. والغبار والذباب. ويهتف بين آونة واخرى على خادمه مسعود (الشاي) ويأتي الشاي المر ويرتشف جرعات من زمنه المر.. @@ عاش عشرينياته الاخيرة.. مكشوفا وعاريا ولكن البعثيين لم يقتلوه ولا الامريكان عندما جاءوا قتلوه وهو الباحث عن الموت ولم يمت!! تساقطت كل القنابل تحت شرفته وبقي هو يهتز على كرسيه الخيزران (مع مواويل ناظم الغزالي) الذي لايسمع غيره.. @@ قالوا له: ان بغداد تحترق وان الامريكان احتلوا البلاد.. @@ قال: لقد احترقت منذ زمن طويل اما المحتلون فشأنهم كغيرهم سيرحلون!! @@ قالوا: لقد حل الدمار والخراب بالبلاد والعباد ألا تتحرك ياشيخ عصفور. @@ قال: لقد حل بهذه المدينة الخراب والدمار منذ اكثر من الف عام.. ولكن بغداد لاتموت..!! @@ وبالامس عادوا اليه @@ قالوا له: ان الوف الجياع يتظاهرون يريدون خبزا يريدون ماء يريدون الدواء لاطفالهم.. @@ قال ضاحكا: اقذفوا بكل هؤلاء الجياع والعطشى في نهر دجلة فربما يرويهم فهم لم يفطنوا لخيرات بلادهم. @@ قالوا: ولكنهم في مجلس الحكم يختلفون ويتنازعون حول غنيمة من نار ورماد ودخان.. @@ قال بهدوء: الان يحق لي ان اموت قبل ان يموت العراق في خلافات اهله.. ومات عصفور..