لا يعرف شباب اليوم معاناتنا مع الناموس قبل أربعين سنة حيث عشنا العصر الذهبي للناموس ولا أدري السبب لان الشوارع كانت نظيفة والقمائم قليلة والبشر معدودون ولم يوجد اسراف في الطعام ولا في الشراب ومع ذلك يستحيل علينا تلك الأيام ان نستمتع بنوم الليل الطويل بلا قرصات للناموس إلا لمن بات مسجونا داخل ناموسية أو رش غرفته ببخات الفليت الذي لا تتحمل تكلفته مصاريف تلك الايام لهذا اختارت الأغلبية سجن الناموسية على نوم الحرية مع لسعات الناموس. والناموسية لمن لايعرفها من شباب اليوم خيمة من القماش الأبيض الشفاف تضرب فوق السرير فتمنع دخول الناموس. ولقد بتنا ليلة بمكة في أيام الصبا فاكتشفنا ان الناموس المكي أشرس وأعتى من ناموس جدة لأننا بتنا نحتمي منه بالبطانيات وكان يخترقها بكل سهولة. وقد تغير اليوم اسم الناموس كما تغيرت أخلاقه اما الاسم فصار البعوض واما الأخلاق فتبدلت لأنه لا يكتفي حاليا بالقرص كما كان في الماضي بل أصبح محملا بالضنك وغير الضنك إلا اننا والحمد لله لم نعد نقابله هذه الأيام لا في جدة ولا في غيرها من مدن المملكة إلا في ماندر. والناموس موجود في مدن الحجاز من قديم الزمان لكن احدا لم يذكره في ادبيات ذلك الزمان وذكر المغربي في كتابه اعلام الحجاز شاعر الحجاز السيد جعفر بن محمد البيتي السقاف المولود بمكة سنة 1110 ه والذي وصفه الجبرتي مؤرخ مصر بانه متنبي عصره لكننا للاسف لانجد عنه أية دراسات نقدية أو أدبية. وقد تولى السيد جعفر منصب كتابة ينبع فعانى اثناء اقامته بينبع من ناموسها اشد المعاناة وسجل ذلك في قصيدة منها قوله: نحن في الساحل من ينبع في المحنة والكد قد ولينا مقعد الكذب ولكن أي مقعد خدمة لو كان فيها الملك كنا فيه نزهد ثم بين ان الناموس هو السبب فقال: كل يوم بظباها يحجم الجسم ويفصد ماتهنأ من أذاها احد قط بمرقد والناموس والبراغيث كانت منتشرة في مصر لأن أحمد شوقي امير الشعراء يقول فيها: براغيث محجوب لم انسها ولم انس ماطعمت من دمي تشق خراطيمها جوربي وتنفذ في اللحم والاعظم الا ان شاعراً عباسياً يقول في أبياته التالية قولا مختلفا في البراغيث: لاتكره البرغوث ان اسمه بر وغوث لك لو تدري فبره مص دم فاسد والغوث ايقاظك في الفجر ولكنه لم يعلم أن البراغيث تنقل من الفئران للانسان الموت الاسود وهو الطاعون الذي قتل في تاريخه بشرا كثيرا ومات في طاعون عمواس عدد من الصحابة رضوان الله عليهم. وقد شاهد بعض سكان مطار جدة القديم مؤخرا فئران متعددة وقد ظنوها في زيارة عابرة ولكن تكررت منهم المشاهدة مما يتطلب من البلدية سرعة التحقق والمداهمة. للتواصل: [email protected]