لقد كان الشيخ حمد الجاسر يرحمه الله علامة من علامات البناء المعرفي لجيلنا نحن الذين تجاوزت اعمارنا النصف قرن من الزمان وكنا نرى فيه المعلم والمرشد والدليل ونتخذه قدوة في الصبر والجلد على مواصلة البحث والتحقيق في مظان تواجد المعلومة سواء كانت تاريخية او جغرافية او ادبية قضى جل عمره في الحل والترحال والتجوال بين عواصم العالم باحثا عن المخطوطات والاثار منقبا عن محتوياتها من الاثار وروائع التراث حيث خلف لنا من انتاجه مجلدات جريدة (اليمامة) التي اصدرها عام 1381ه حتى نهاية عام 1383ه وفي عام 1385 اسندت اليه رئاسة تحرير جريدة الرياض اما مجلة العرب التي اصدرها عام 1386ه وهي مجلة تعنى بتاريخ العرب وجغرافية بلادهم وتراثهم الفكري وانسابهم فقد صدر الجزء الاول منها في رجب 1386ه (تشرين الاول 1966م) وسنة المجلة تبدأ من شهر رجب وتنتهي في شهر جمادى الاخرة من كل عام. كتب فيها ابرز الادباء والعلماء العرب والمسلمين وبعض العلماء الغربيين والمعنيين بتاريخ العرب وحضارتهم والمجلة الان في سنتها 38 وقبل كل تلك الاصدارات عمل جاهدا على تأسيس شركة الطباعة الوطنية عام 1374ه وكان طيلة حياته عاملا منتجا في مجال الثقافة والاثار العربية والاسلامية وكانت نتيجة ذلك ان ترك لنا مكتبة حافلة ضمت من مؤلفاته ومن الكتب التي شارك في تأليفها حوالي 40 كتابا بين تأليف وتحقيق بالاضافة الى مجلدات مجلة العرب. بتاريخ 16/6/1421ه الموافق 14/9/2000م انتقل الى الدار الاخرة بعد ان وافاه الاجل المحتوم مخلفا من وراءه تلك الثروة الثقافية والسيرة العطرة بما اثر عنه من خلق كريم جعله يفوز بمحبة عارفية من ابناء الوطن العربي خاصة المثقفين فقد اعطى الوطن مايستحقه منذ ان جلس لطلب العلم عام 1340ه وحتى وفاته في عام 1421ه وكان في مقدمة المعزين صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود امير مدينة الرياض الذي ابدى تعاطفا مع اسرة الفقيد موضحا مايحظى به من تقدير لدى جميع الاوساط العلمية والادبية والرسمية فطرح امام سموه مشروعا يراد به تخليد ذكرى الشيخ حمد فأيد سموه المبدأ ولم يمض شهر واحد حتى تكونت اللجان التأسيسية لمشروع مركز حمد الجاسر الثقافي بمساهمة رجال الاعمال والمثقفين والمثقفات من المواطنين الذي رأوا في جهود الشيخ حمد يرحمه الله وما بذله طول حياته من وقته وصحته ودخله المادي جدير بأن يكون رمزا من رموز الثقافة حاضرة امام انظارنا على مدى الليالي والايام اعترافا بالفضل وتقديرا لذلك الجهاد الطويل المرير الذي دام ثلاثة ارباع قرن مضت في التأسيس والتأصيل لاسترجاع ماضي اسسنا المعرفية اتي كادت ان تندثر. ولم يكن هذا هو المظهر الوحيد من مظاهر التكريم لهذه الشخصية الرائدة بل سبقته عدة مبادرات ممثلة في: منح جائزة الدولة اتقديرية في الادب عام 1404ه لاسهامه وعطائه الزاخر في اثراء ميادين الفكر. منح وسام التكريم من مجلس التعاون الخليجي عام 1410ه. منحته جامعة الملك سعود (الدكتوراة) الفخرية عام 1416ه لما قدمه للساحة الثقافية السعودية من عطاء وافر متواصل وما قدمه للمكتبة العربية والاسلامية من اثراء تاريخي وجغرافي وادبي ولغوي. نال جائزة الملك فيصل العالمي للادب العربي عام 1416ه 1996م. نال جائزة الكويت للتقدم العلمي عن كتاب (اصول الخيل العربية الحديثة) عام 1416ه. نال جائزة سلطان العويس الادبية في الامارات العربية المتحدة في مجال الانجاز الثقافي والعلمي عام 1416ه. منح وسام الملك عبدالعزيز عندما اختير الشخصية السعودية المكرمة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) عام 1417ه. وكان الشيخ حمد رحمه الله منذ وقت مبكر يستقبل محبيه وزواره من المثقفين وتلاميذه صباح كل يوم خميس بمجلسه حيث تدور الحوارات حول بعض القضايا الفكرية وهمومها في جو علمي هادف والحس الفائق لما لهذا العلم من افضال ولذلك كان وجود مركز ثقافي باسم الشيخ حمد يخلد اسمه ويضم تراثه امرا يمليه الوعي المستنير ليكون استمرارا لما بدأه الشيخ ويكون مقرا لكل الانشطة التي مارسها الشيخ في حياته وما استجد بعد مماته اذ يضم المركز مؤسسة حمد الجاسر الخيرية. ومجلة العرب المشار اليها سابقا ودار اليمامة للبحث الترجمة والنشر وقاعة محاضرات لتكون مقرا لخميسية الشيخ الى جانب مكتبة الشيخ حمد الجاسر ومجلدات مجلة العرب. اثناء تواجدي في الرياض للمشاركة في مهرجان الجنادرية 19 حمل لي الاستاذ سهم الدعجاني مدير المركز دعوة كريمة من الاستاذ معن بن الشيخ حمد الجاسر لزيارة المركز ولكن لظرف صحي لم استطع اجابة الدعوة وعسى ان اتمكن في مستقبل الايام من زيارة هذا المركز الذي سيعيد لي بعض الذكريات العبقة بعطر الوفاء والمحبة.