انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم أمس الأربعاء الأديب والشاعر الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس، عن عمر ناهز الثالثة والتسعين عامًا بمستشفى قوى الأمن في الرياض وذلك بعد معاناة مع المرض. وسيصلّى على الفقيد عصر اليوم الخميس بعد صلاة العصر في جامع الإمام تركي بن عبدالله، ويوارى الثرى بالرياض. ويعد الشيخ ابن خميس أحد أبرز أدباء الجزيرة العربية وباحثيها حيث ولد بقرية الملقى إحدى قرى الدرعية بمنطقة الرياض في العام 1339ه / 1919م، وفي سن الطفولة انتقلت أسرته إلى الدرعية وبها تعلم مبادئ القراءة والكتابة ولازم والده الذي كان على جانب من العلم خصوصًا في التاريخ والأدب الحديث فقرأ كثيرًا من كتب التاريخ والأدب والشريعة، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، ثم أدركته حرفة الأدب فأنكب على دراسة أمهات كتبه وبدء يشدو في نظم الشعر وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره وكانت هذه دراسته الأولى التي تلقاها. التحق في العام 1364ه/ 1944م بمدرسة دار التوحيد بالطائف فبرز في الفنون التي سبق له الدراسة فيها وشارك مشاركة جيدة في الفنون الأخرى وكان رئيس النادي الأدبي في دار التوحيد مدة دراسته بها، وبعد أن نال شهادة الدار الثانوية في عام 1369ه/ 1949م التحق بكليتي الشريعة واللغة بمكة المكرمة، وبرز نشاطه الأدبي شعرا ونثرا على صفحات الصحف والمجلات ولمع اسمه هناك. وتتلمذ على أيدي الكثير من المشايخ من أبرزهم الشيخ عبد الله الخليفي، والشيخ عبدالله المسعري، والشيخ مناع القطان، والشيخ محمد متولي الشعراوي وغيرهم من علماء الأزهر الذين قاموا بتدريسه في دار التوحيد وفي كليتي الشريعة واللغة بمكة المكرمة. فنال الشهادة الجامعية في عام 1373ه/ 1953م. نشاط عملي وثقافي شغل ابن خميس العديد من المناصب من بينها مديرًا لمعهد الإحساء العلمي، ومديرًا لكليتي الشريعة واللغة بالرياض، ومديرًا عامًا لرئاسة القضاء بالمملكة. ووكيلاً لوزارة المواصلات، ورئيسًا لمصلحة المياه بالرياض، ليتقاعد في العام 1392ه / متفرغًا للبحث والتأليف. كما كان عضوًا بعدد من المجامع اللغوية من بينها مجمع اللغة العربية بدمشقوالقاهرة والمجمع العلمي العراقي ومجلس الأعلام الأعلى ومجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز ومجلس إدارة المجلة العربية، ومجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، وجمعية البر بالرياض. كما يعد أول رئيس للنادي الأدبي بالرياض، وكان نائبا للأمير سلمان بن عبدالعزيز في اللجنة الشعبية لرعاية أسر ومجاهدي فلسطين، وفي عام 1379ه/ 1959م أصدر مجلة الجزيرة ويعتبر من مؤسسي الصحافة في المملكة، وقد تحولت مجلة الجزيرة بعد ذلك إلى جريدة يومية، كما مثل المملكة في عدة مؤتمرات أدبية وعلمية، وله العديد من المشاركات الإذاعية والتلفزيونية ومنها برنامجه الإذاعي «من القائل»، وبرنامجه التلفزيوني «مجالس الإيمان»، وقد نشرت له الصحافة السعودية والعربية العديد من البحوث والمقالات، وقد حاز على جائزة الدولة التقديرية في الأدب في عام 1403ه / 1982م، كما منح وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى في الشخصية الثقافية المكرمة في مهرجان الجنادرية السابع عشر، وحصل على وسام تكريم وميدالية من مجلس التعاون الخليجي في مسقط عام 1410ه/1989م، كما حصل على وسام الشرف الفرنسي من درجة فارس قلده إياه الرئيس الفرنسي «فرانسوا ميتران»، ووسام الثقافة من تونس قلده إياه الرئيس الحبيب بورقيبة، وشهادة تكريم من أمير دولة البحرين صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بمناسبة الاحتفاء برواد العمل الاجتماعي من دول الخليج، بجانب العديد من الجوائز والميداليات والشهادات والدروع في محافل ومناسبات عديدة. إنتاجه العلمي والبحثي أثرى الراحل المكتبة العربية بعشرات الكتب في الأدب والشعر والنقد والتراث والرحلات، وصال وجال في الصحافة والمنتديات والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها، فمنها: تاريخ اليمامة في سبعة أجزاء، والمجاز بين اليمامة والحجاز في جزء واحد، وعلى ربى اليمامة جزء واحد، ومن القائل في أربعة أجزاء، ومعجم اليمامة جزءين، ومعجم جبال الجزيرة في خمسة أجزاء، ومعجم أودية الجزيرة جزءين، ومعجم رمال الجزيرة جزء واحد، وكتاب عن راشد الخلاوي في جزء واحد، والشوارد في ثلاثة أجزاء، ومن أحاديث السمر جزء واحد، والدرعية جزء واحد، وشهر في دمشق جزء واحد، ومحاضرات وبحوث جزء واحد، ومن جهاد قلم جزء واحد، وفواتح الجزيرة جزء واحد، وأهازيج الحرب أو شعر العرضة جزء واحد، والأدب الشعبي في جزيرة العرب جزء واحد، وبلادنا والزيت جزء واحد، والديوان الثاني جزء واحد، ورموز من الشعر الشعبي تنبع من أصلها الفصيح جزء واحد، وجولة في غرب أمريكا جزء واحد، وتنزيل الآيات – شواهد الكشاف جزء واحد، وإملاء ما من به الرحمن جزءين، وأسئلة وأجوبة في جزء واحد. الحيدري: رحل رائد الثقافة والأدب وقد عم الحزن الوسط الثقافي والأدبي على إثر تلقيه نبأ رحيل ابن خميس، وعبّر عدد من المثقفين عن حزنهم لهذا الفقد الكبير، حيث يقول الدكتور عبدالله الحيدري عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض: ما من شك في أن وفاة الأديب والشاعر عبدالله بن خميس تعد خسارة كبيرة للوسط الثقافي العربي بشكل عام والوسط السعودي بشكل خاص، فابن خميس كان ينتمي إلى الجيل الرائد والمؤسس ويعد بلا جدال من رواد الثقافة والأدب في المملكة. لقد قام بتأسيس مجلة الجزيرة في عام 1379ه/ 1960م أي قبل أكثر من 50 عامًا ويعد مع الشيخ حمد الجاسر من رواد الصحافة في المنطقة الوسطى، فهو من الجيل الموسوعي فهو شاعر وناثر وجغرافي ورحالة ومهتم بالآثار إضافة إلى أنه من رجال الدولة الذين تسلموا مناصب في التعليم والإدارة وله بصمته الواضحة فلقد عمل في مقتبل عمره مديرًا لمعهد الأحساء العلمي وكانت الصحافة تجري في دمه فأصدر مجلة هجر التي صدر منها عدد واحد ويتذكر طلابه كيف كانت روح الحماسة للعمل الصحفي والأدبي تجري في دمه، كما أنه يحاول أن ينقل هذا الحب للثقافة والأدب إلى نفوس طلابه، وما لبث بعد تجربته في الأحساء أن انطلق في ميادين الصحافة والتعليم وفي العديد من الجهات الأخرى إضافة على عنايته رحمه الله بتحقيق الأماكن فله رحلة شهيرة بدأها من الرياض إلى الحجاز واستمرت أشهرا عديدة زار خلالها العديد من الأماكن وتعرف على العديد من الشخصيات فكان يسأل ويكتب ويحاول أن يربط تلك الأماكن بالأماكن القديمة ويستشهد عليها من الشعر القديم ودون تلك الرحلة في كتابه (المجاز بين اليمامة والحجاز) وتذكر له المكتبة السعودية (معجم اليمامة) الذي صدر في عدد من المجلدات وجهده فيه، كما أن له كتابًا من المختارات الشعرية وهو بعنوان (الشوارد) وهو من الكتب التي استفدت منها كثيرًا في مرحلتي الجامعية فهو قمة في الذائقة الشعرية والاختيارات الرائعة، والراحل رجل أثرى المكتبة العربية ولا نملك إلاّ أن نترحم عليه كما ندعو الباحثين والباحثات إلى الاهتمام بنتاجه العلمي وبحثه ودراسته. الحازمي: علم يشار إليه بالبنان ويقول الشاعر حجاب بن يحيى الحازمي رئيس نادي جازان الأدبي سابقًا: إن الأديب والشاعر والإعلامي والمؤرخ والناقد عبدالله بن محمد بن خميس يعد علم من أعلام المملكة العربية السعودية في الفكر والأدب والثقافة بل ومن أعلام عالمنا العربي الذين يشار إليهم بالبنان لتميزه في نواحٍ متعددة. وبين الحازمي أن لابن خميس قصب السبق في نواحٍ ثقافية ومجالات صحفية منذ وقت مبكر كما لا يخفى على الجميع اهتمامه باللغة العربية فهو عضو في مجمع اللغة العربية في القاهرة، وله اهتمام بالشعر الشعبي وله فلسفته الخاصة من هذا الاهتمام فهو يرى بأن كثيرًا من الشعر الشعبي القديم يرصد فترة تاريخية تزيد عن 300 عام في أوساط الجزيرة العربية كما أنه قد قام بإعداد دراسات عديدة يقارن فيها بين الشعر الشعبي والشعر الفصيح ويرى بينهما تقاربًا كبيرًا، فهو مهتم باللغة العربية وله بحوث عديدة في هذا المجال، كما أنه مهتم بجوانب الأدب وله اختيارات نثرية وصلت إلى 3 مجلدات كان قد أصدرها في وقت سابق، وكان يقدم برنامجًا في الإذاعة في ذلك الوقت بعنوان «من القائل» وأصدر ذلك البرنامج في مجلدين، وكان لهما أثر كبير على نفوس المتلقين في ذلك الوقت. وختم الحازمي حديثه بأن الساحة الثقافية في المملكة والعالم العربي قد فقدت علمًا بارزًا نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجعل في خلفه من يحافظ على تراثه الثقافي والأدبي كما نتمنى أن تعاد طباعة كتبه التي نفدت طبعاتها وحتى الحديث منها وتجمع في مجموعة كاملة باسمه وهو أقل عمل يمكن أن يقدم له بعد رحيله، حتى يتوفر إنتاجه الفكري للباحثين والدارسين كما أرجو أن يظل نفعها للأجيال القادمة، غفر الله للفقيد وأسكنه فسيح جناته. --------------------------------------------------------- أمير الرياض يعزّي أبناء الفقيد ابن خميس قام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض بزيارة لمنزل الأديب الشيخ عبدالله بن خميس قدّم خلالها عزاءه ومواساته لأبناء ابن خميس الذي توفي صباح أمس، وكان في استقبال سموه أبناء الفقيد عبدالعزيز ومحمّد وعدي وطارق وزياد وياسر، ودعا الأمير سلمان العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. فيما عبّر أبناء الفقيد عن شكرهم وتقديرهم لأمير منطقة الرياض على هذه اللفتة الأبوية الحانية ومواساته لهم، حيث قال ابنه عبدالعزيز: هذا ليس بمستغرب على حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني وسمو أمير منطقة الرياض بمشاركة أبنائهم المواطنوين بتقديم واجب العزاء، سائلاً الله أن يحفظهم من كل مكروه.