قرار بنك إنجلترا بإبقاء أسعار الفائدة عند مستويات متدنية تاريخياً سبَّب خيبة أمل لدى الخبراء الذين كانوا يطالبون البنك باتباع سياسة نقدية أكثر تشدداً (وهو ما يعني عملياً رفع أسعار الفائدة) في وجه الانتعاش الاقتصادي. كان قرار البنك سليماً، لأن اتباع نصيحة هؤلاء الخبراء كان سيعتبر نوعاً من الجنون. لو اتخذ البنك المركزي البريطاني قراراً بأي رفع لأسعار الفائدة فإن هذا كان سيجعله متقدماً على البنوك المركزية الأخرى في الولاياتالمتحدة وأوروبا من حيث التشديد في السياسة النقدية، حتى مع أن الاقتصاد البريطاني ليس في وضع أفضل. الأجور الحقيقية في حالة تراجع، والتضخم يتباطأ، وما يزال الاقتصاد البريطاني أصغر مما كان عليه في عام 2008. ربما تكون نسبة النمو 0.8 في المائة في الربع الثالث نسبة مشجعة، لكنها لا تزيد على أن بريطانيا تلحق بركب البلدان الأخرى. جادل كريس جايلز في مقال له في فاينانشال تايمز أن بنك إنجلترا سيضطر إلى رفع أسعار الفائدة قريباً، لأن النمو الأخير في الوظائف صاحبه معدل منخفض في الإنتاجية – وهو وضع يمكن أن يؤدي إلى التضخم ما لم يتدخل البنك. ومنذ شباط (فبراير) في السنة الماضية، تطالب لجنة الظل في السياسية النقدية، وهي مؤسسة غير رسمية تجتمع بصفتها مركزاً للأبحاث، برفع أسعار الفائدة، حين لم تكن هناك بوادر على الانتعاش. الأمر الذي يخفق في إدراكه صقور السياسة النقدية هو مدى الضرر الذي يمكن أن ينتح عن رفع أسعار الفائدة قبل الأوان. كما ذكر سايمون رين لويس، الأستاذ في جامعة أكسفورد، فإن دفعات خدمة الديون ما تزال تشكل جزءاً لا يستهان به من ميزانيات الأُسَر. وفي غياب زيادة مناسبة في الدخل، فإنه حتى الزيادة القليلة في أسعار الفائدة يمكن أن تشعل فتيل حالات من الإعسار والعجز عن سداد الديون وسحب البيوت من الأسر المفلسة، على نطاق واسع. لماذا يعمل أي شخص بصورة متعمدة لاستباق حدوث أزمة ما لم يكن مضطراً إلى ذلك خوفاً من انفلات التضخم من عقاله؟ إن الجدل حول السياسة النقدية لبريطانيا يمكن أن تكون من النتائج غير المقصودة لسياسة التواصل التي تبناها مارك كارني، المحافظ الكندي الجديد لبنك إنجلترا. في أغسطس (آب)، وقبيل بداية الانتعاش الاقتصادي، تعهد كارني بعدم التفكير في رفع أسعار الفائدة إلا حين يتراجع معدل البطالة إلى ما دون 7 في المائة – وهو نوع مما تدعوه البنوك المركزية «الإرشاد المتقدم». والآن، بعد الاندفاع المفاجئ في الناتج، الذي اقترن بنمو ضعيف في الإنتاجية، جعل الاقتصاد يقترب من هذه العتبة الخاصة بمعدل البطالة، بصورة أسرع مما كان متوقعاً. نتيجة لذلك، يتم تشجيع التوقعات برفع أسعار الفائدة من قبل سياسة مصممة أصلاً لتثبيط هذه التوقعات. يتوقع بعض الاقتصاديين من كارني أن يحدد عتبة أدنى من 7 في المائة للبطالة. لكن بدلاً من العبث بالأرقام، يجدر بكارني أن يواصل الإشارة إلى أن نسبة ال 7 في المائة هي مجرد نقطة قال عنها: إنه سيبدأ عندها «في التفكير» في إمكانية تشديد السياسة النقدية. بعد ذلك يجدر به أن ينتظر إلى حين أن تصبح مخاطر التضخم فعلياً أقوى من خطر الإضرار بالانتعاش من خلال رفع أسعار الفائدة. سيأتي يوم على بريطانيا والبلدان الأخرى، حين يمكن فيه التخلي عن سياسة التحفيز النقدي النشطة التي اتبعتها البنوك المركزية في أعقاب الأزمة المالية التي أكدت إلى الركود الاقتصادي. المرجو أن يحدث ذلك قبل وقوع الركود المقبل. لكننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة.