تحتضن مدينة لوتسرن منذ 15 يناير ولمدة شهر كامل معرضا متنوعا يوضح للجمهور كيف يعيش أتباع ثاني أكبر ديانة في سويسرا حياتهم اليومية في الكانتون. ويكتسب انتقال هذا المعرض إلى لوتسرن بعد زيوريخ وبازل ولوزان أهمية خاصة، نظرا لوجود عدد كبير من أبناء الجالية المسلمة هناك، وخاصة من منطقة البلقان. يعيش في كانتون لوتسرن بوسط سويسرا ما لا يقل عن 130 ألف مسلم، وعلى الرغم من هذا العدد الكبير، فإن الكثير من سكان لوتسرن لا يعرفون شيئا عن الحياة اليومية لجيرانهم المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيهم، وهو ما أقنع السلطات باستضافة هذا المعرض بعد النجاح الذي لقيه في كل من زيورخ وبازل ولوزان. وقد تم تشكيل فريق لمتابعة أعمال المعرض في لوتسرن يضم أعضاءً من مجلس كنائسها ومندوبين عن حكومة الكانتون المحلية، وإمام الجالية المسلمة هناك، الشيح كاظم مهميفيتش، إلى جانب الأستاذ سمير الشافعي الذي كان وراء تحريك هذا المعرض ليتنقل بين المدن السويسرية المختلفة. ويرى السيد الشافعي أن برامج المعرض والمواد المختلفة التي يضمها، تهدف إلى إثارة فضول المواطن العادي للإقبال عليه، ويؤكد على أن الهدف من تنقل المعرض بين المدن السويسرية الكبرى، هو بناء جسور من التواصل بين الجالية المسلمة والسويسريين غير المسلمين، لاسيما مع انتشار العديد من الأفكار الخاطئة عن الدين الإسلامي. برنامج حافل وخلال الشهر الذي يستقبل فيه المعرض زواره، تُعرض أشرطة فيديو تتضمّن بعض مشاهد الحياة اليومية لأسرة مسلمة، أو كيفية احتفالهابالمناسبات الدينية مثل شهر رمضان، أو العيدين. كما حرص منظمو المعرض على توضيح أهم القيم النبيلة التي ينادي بها الإسلام من خلال لوحات كبيرة تشرح أركانه الخمسة، والجوانب الروحانية والأخلاقية والثقافية فيه. إلى جانب هذا، استضاف المعرض بعض الشخصيات الفكرية الهامة لإلقاء محاضرات حول موضوعات طالما شغلت بال الرأي العام في سويسرا، مثل "تأثير الفلسفة الإسلامية والعربية على الفكر الغربي"، والتي القاها امس البروفيسور كرم خله أو ملف "الإسلام وحقوق الإنسان"، الذي تناوله الدبلوماسي الألماني المسلم مراد هوفمان يوم 16 يناير الماضي. وتتناول المحاضرات المبرمجة، قضايا تتعلّق بتواجد المسلمين في سويسرا عامة، وفي كانتون لوتسرن بوجه خاص. ففي يوم الاثنين 19 يناير تمّ استعراض تجربة تدريس الدين الإسلامي للمرة الأولى في المدارس العمومية السويسرية من خلال التجربة التي قامت بها السيدة ريغينا شتاينر عامري في مدرسة تابعة لبلدية كريانتس في الكانتون. من جهة أخرى، ناقش أندرياس تونجر مساء 22 يناير الفرق بين تواجد المسلم في محيط ينتمي إلى ديانة أخرى، وبين تواجده في بلده الأصلي. وفي الثالث من فبراير، تحدث الصحفي السويسري والخبير في العالم العربي والإسلامي أرنولد هوتينجر عن "مدى تأقلم الجالية المسلمة مع المجتمع السويسري". الخروج من العزلة ويُمكن القول أن هذا المعرض يمثّل مناسبة أخرى يفتح فيها ملف تواجد جالية مسلمة مهمة في كانتون بحجم لوتسرن الذي بدأت فيه أول تجربة عملية لتدريس الدين الإسلامي في المدارس الابتدائية والمتوسطة في الكنفيدرالية، بعد أن أثارت جدلا واسعا بين مؤيدين ومعارضين.كما يختلف هذا المعرض المتنقل عن عدة محاولات قامت بها الجالية المسلمة في سويسرا للتعريف بنفسها في الفترة السابقة، إذ تتيح الفعاليات المتعددة التي يشتمل عليها مثل توفير المعلومات الرئيسية الهامة عن الدين الإسلامي لفترة طويلة، وإتاحة الفرصة لزيارة المساجد وقاعات الصلاة وتبادل أطراف الحديث بعفوية بين المسلمين والراغبين في التعرف عليهم من السويسريين، وحلقات النقاش الموسعة بمشاركة مسؤولين رسميين من حكومة الكانتون، تواصلا إنسانيا مفيدا أبلغ من الأساليب التقليدية.ومن المؤكّد أن الساعين وراء استمرار مثل هذا المعرض المتنقل، سواء كانوا ممثلين للسلطات السويسرية أو للجالية المسلمة، قد أدركوا بأن الوقت قد حان لكي يخرج المسلمون المقيمون في الكنفيدرالية من عزلتهم، وتقديم صورة إيجابية وحقيقية عنهم للرأي العام السويسري. اتضح من خلال تجربة هذا المعرض الذي تنقّل بين ثلاث من كبريات المدن السويسرية أن الحديث المباشر والحوار الهادئ يمثلان أفضل وسيلة للتواصل مع الآخر، وهو ما رسّخ القناعة بأن هذه المقاربة هي التي تحتاجها الجالية المسلمة في سويسرا وغيرها من دول الغرب، بدلا من الانطواء على الذات واجترار مشاعر الاضطهاد والتهميش.