الدكتور محمد عزت عبد العزيز رئيس هيئة الطاقة الذرية المصرية الاسبق هو احد العلماء البارزين في مجال الطاقة الذرية في العالم العربي وهو الذي انشأ البرنامج النووي الليبي وذلك بتكليف من الرئيس المصري الراحل محمد انور السادات.وكان لا بد من الاستماع الى رأيه بعد ان اعلن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي تخلي بلاده عن تطوير برامجها النووية؟ فهل كان لدى ليبيا فعلا اسلحة دمار شامل؟ واذا لم يكن موجودا فلماذا هذه الضجة وفي هذا التوقيت بالذات؟هذه الاسئلة الى جانب وضع الطاقة النووية والبحث العلمي في الوطن العربي حملناها الى الدكتور محمد عزت عبد العزيز مؤسس البرنامج النووي الليبي وفيما يلي اجاباته عنها: @@ لقد كان معروفا لدى الكثيرين انكم توليتم الاشراف على البدايات الاولى للبرنامج النووي الليبي فكيف تم ذلك؟ * في سنة 1971 جاء خطاب من رئاسة الجمهورية (المصرية) من مكتب الخبرة إلى هيئة الطاقة الذرية المصرية بعلم رئيس الهيئة آنذاك بان الرئيس السادات اصدر قرارا بايفادي إلى ليبيا لانشاء مشروع الطاقة الذرية هناك لاسباب قومية. وكانت مصر تخشى ان تقدم ليبيا على انتاج اسلحة دمار شامل. وكانت مهمتي انشاء مركز بحوث نووية للاستخدامات السلمية. وبالفعل انشئ هذا المركز في تاجورة على الساحل الشمالي لليبيا. ومكثت هناك تسع سنوات. ومركز تاجورة من اكبر مراكز البحوث النووية في المنطقة العربية. ولم تواجه المركز أي مشكلة تمويل في ليبيا .وقد وضعوا تحت تصرفي جميع الامكانيات. وكان يرافقني في خطوات العمل عضو مجلس الثورة عمر المحيسن. وكان عبد السلام جلود رئيس وزراء ليبيا يزورنا باستمرار. وبالفعل تم انشاء مركز بحوث نووية فيه اكبر الامكانيات التي لا تتوافر في البلاد العربية. حيث بلغت قوة مفاعله 10 ميجاوات. بينما مفاعل انشاص في مصر مثلا 2 ميجاوات آنذاك. وهناك تم عمل نظام الاندماج النووي الذي لا يوجد في أي دولة عربية. وهو المدخل لانتاج القنبلة الهيدروجينية. بالاضافة إلى العديد من المعامل التي لا يوجد مثلها في أي مكان في العالم. منها مولدات النيترونات التي تستخدم في علاج الاورام السرطانية وهي افضل طريقة للعلاج وكان هذا المركز لاغراض سلمية. @@ خلال السنوات التسع التي عملت فيها في ليبيا ماذا انجزتم؟ * انجاز هذا المركز بالفعل لم يكن الوحيد. ولكن تم انشاء قاعدة علمية للابحاث النووية وذلك من خلال معهد الانماء العربي الذي سعينا من خلاله لتكوين فريق التقنية النووية وعمل دراسات خاصة للاستفادة بها في التكنولوجيا النووية وشمل العمل جميع فروع الطاقة النووية من الاندماج ومعدلات الجسيمات النووية والنظائر المشعة والمصادر الاشعاعية والتفجيرات النووية للاستخدامات السلمية وترسيبات اليورانيوم وتقنياته واقتصادياته وكان يتم عمل كل قسم في كتاب خاص ويتم على اساس دراسة الوضع الحالي في العالم ثم تطبيقات هذه التكنولوجيا والآثار الاستراتيجية اذا كان لها ثم الآثار البيئية لهذه التكنولوجيا ثم دور الدول النامية حيال المشروع وكيفية الاستفادة. @@ إلى أي مدى وصلت هذه المشاريع الكبيرة إلى حيز التنفيذ والاستفادة بها في العالم العربي؟ * لقد تكون فريق العمل لهذه المشاريع من كبار العلماء النوويين في العالم وقد استغلت هذه الدراسات في مشاريع حيوية مثل تحلية مياه البحر والتفجيرات النووية كما اقترح في وادي النطرون في مصر باستغلال فارق الارتفاع بين سطح البحر والارض في توليد الطاقة الكهربائية بالتفجيرات في شق القناة كما تم استخدامها في الاشعاع والتنقيب الاشعاعي والامكانيات. @@ هل سعت ليبيا من خلال هذا البرنامج لامتلاك اسلحة دمار شامل؟ * كان لليبيا عدة محاولات للحصول على قنبلة ذرية ولكن ليس من خلال هذا المركز فقد تم ايفاد عبد السلام جلود (مساعد القذافي سابقا) إلى الصين لشراء قنبلة ذرية فرفضت الصين ثم عرض القذافي اما الشراء بمقابل او الحصول على تكنولوجيا نووية وبدأت المحاولات مع عدة دول وعرض مساعدات مالية للبرنامج النووي الباكستاني ولكن رفض ايضاً، وقد عرض 100 مليون دولار في مقابل المساعدة ووضع في بنوك سويسرا اموالاً طائلة لاي دولة او شخص يساعد ليبيا على انتاج القنبلة الذرية وكانت هناك محاولة مع الارجنتين وبعد الموافقة تم الغاء الصفقة لضغوط امريكية ثم كان مشروع التعاون الفرنسي في هذا الشأن بزيادة المفاعل الليبي 600 ميجاوات ولكن لم ير النور هذا المشروع ايضاً. ولم تنجح ليبيا ثم توجه القذافي إلى الهند وعرض عليها النفط بعروض مغرية في مقابل تكنولوجيا نووية وتم عقد اتفاقية ولكنها لم تنفذ لم تنجح أي محاولة لليبيا في الحصول على هذه الاسلحة. @@ ألم يكن من الممكن تطوير البرنامج الذي انشأتموه في ليبيا لانتاج هذه الاسلحة طالما وجدت الامكانيات؟ * كان ذلك ممكنا بالفعل ولكن الدول الاعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية يخضعون للتفتيش فالمفتشون يأتون فجأة وكانت ليبيا تخضع للتفتيش. @@ اذن من وجهة نظرك لماذا هذا القرار الليبي واعلانه التخلي عن تطوير برامجه النووية؟ * هو قرار ساذج.. دولة ليس لديها اسلحة دمار شامل لماذا تعلن عن التخلي وهي دولة ليس لديها قدرات نووية ولا قدرات كيميائية. @@ هل هذه الحالة تنطبق على حالة صدام الذي اعلن اكثر من مرة عن امتلاكه لاسلحة دمار شامل وحتى الآن وبعد سقوطه في يد قوات الاحتلال لم يظهر شيء؟ * الأمر مختلف فالعراق كان لديه قدرات نووية وكان لديه مفاعل ضربته اسرائيل في 82 واستخدمت العراق عملية تخصيب اليورانيوم واستخدمت كل الطرق للتخصيب وكان لديها الكيفية التي يتم بها الانتاج للقنبلة وكان يمكن ان تصنع قنبلة ذرية بدائية وامريكا كانت تعلم ذلك واستدرجتها في حرب الكويت وانتهزت امريكا الفرصة واستهدفت المنشآت النووية العراقية في طلعة جوية عام 1991. @@ السؤال الآن هل الطاقة النووية للوطن العربي يمكن ان تكون حصناً استراتيجياً له ضد القوى الصهيونية التي تمتلك اكثر من 250 رأسا نوويا؟ * الطاقة النووية في العالم العربي للاستخدامات السلمية واذا اريد لاي دولة ان يكون لديها برنامج استراتيجي فهناك معوقات واغلبها سياسية. @@ عندما نستشرف المستقبل نجد مشكلة المياه وندرتها في المستقبل ثم البترول طاقة مستهلكة فكيف يمكن توظيف الطاقة النووية كبديل في المستقبل؟ * كان يمكننا بناء محطات نووية وندخل المجال النووي من اوسع ابوابه ولم يكن الحظر السياسي بهذا الشكل، لكن للاسف بعد حرب الخليج الثانية امريكا تنسق مع اسرائيل الآن حتى لا تملك أي دولة عربية قدرات نووية حتى الآن هناك مواد تستخدم في الصناعة المدنية والصناعات النووية اصبحت محظورة مثل الاستانلستيل وكان يمكن ان نستخدمها في المستقبل ونستفيد بها في توليد الكهرباء وتحلية المياه وغيرها من الامور السلمية ولكن للاسف لن نستطيع. @@ من وجهة نظرك البحث العلمي في الوطن العربي هل هو ملائم لابراز طاقات وهامات علمية في المجالات الاستراتيجية والتكنولوجية؟ * هذا السؤال نطرحه كثيراً واقمنا له مؤتمرات عديدة للاجابة عن السؤال عن معوقات البحث العلمي والمطلوب لها باختصار توفير التمويل الكافي لان البحث العلمي مكلف يحتاج لرصد ميزانيات ضخمة لان أي تطوير في أي مجال لن يتم الا بالبحث العلمي وتقاس قدرة الدولة بقدرتها التكنولوجية الآن وللاسف الشديد الدول العربية في آخر الدول مما يخصص للبحث العلمي ولذلك يجب التكامل بين الدول العربية فهناك دول بها قاعدة علمية كبيرة ودول اخرى بها امكانيات مادية وهذا يتطلب وعيا ودراية من كافة المؤسسات في الدول العربية.