من الثابت ان تحول الاقتصاد السعودي في 1945 من اقتصاد بدائي الى اقتصاد حديث يقوم على صناعة النفط، قد صاحبه ايجاد بنية اساسية وخدمات حديثة وارتفاع للدخل الفردي، ليصبح بين اعلى المستويات العالمية. ولاشك ان الزيادة المطردة في ايرادات النفط، من 4ر10 دولار عام 1946، الى 7ر333 مليون دولار عام 1960و2ر1 مليار دولار عام 1970، ثم 2ر104 مليار عام 1980، كانت العامل الرئيسي الذي ساعد على تحقيق الانجازات التنموية الكبيرة والتي امتدت الى كافة مجالات الحياة، والتي ساعدت على (تحديث) و(عصرنة) المجتمع السعودي. ويرى بعض الاقتصاديين ان النمو السريع في ايرادات النفط منذ الستينيات، قد أدى الى تراجع نسبة مساهمة القطاعات الاقتصادية الاخرى مثل الزراعة والتجارة. وعلى الرغم من ان الايرادات النفطية مكنت الدولة من انفاق 1124 مليار دولار من اجل تطوير بنية اساسية اقتصادية واجتماعية قوية، الا ان ذلك لا يحجب عن بعض الاقتصاديين عددا من الملاحظات حول الاداء الاقتصادي السعودي، يمكن ان نجملها في النقاط التالية: 1 ان نسبة النمو خلال العقدين الاخيرين كانت ضعيفة للغاية، اذ بلغ متوسط معدل النمو السنوي خلال الفترة من 1980 الى 1990م صفرا، ارتفع الى 6ر1% فقط خلال الفترة من 1991 الى 2000، وهي معدلات تقل كثيرا عن معدل النمو الذي حققته الدول النامية ككل خلال الفترة نفسها. 2 ان عدم استقرار اسعار النفط، أدى الى تذبذب كبير في الانفاق الحكومي، وتحقيق معدل نمو بسيط في الناتج المحلي الاجمالي، والصادرات. 3 تقليل دور القطاع الخاص نتيجة لهيمنة القطاع الحكومي، مما ادى الى نقص استثمارات رؤوس الأموال الخاصة في التنمية، حيث ساهم القطاع الخاص بثلث الناتج المحلي الاجمالي فقط خلال العقود الاخيرة. 4 لم يشهد القطاع الصناعي نموا يذكر خلال العقدين الماضيين، رغم ان التركيز عليه كان كبيرا لتحقيق التنويع الاقتصادي للبلاد، يدل على ذلك انخفاض القيمة المضافة في القطاع الصناعي بمعدل 3ر2% سنويا، بينما بلغ معدلها السنوي 5ر1% خلال الفترة 1990 1991م، وقد جاءت معدلات النمو في القطاع الصناعي اقل بكثير من معدلات النمو العالمية، على الرغم من ان الدولة اولت هذا القطاع وتنميته اكبر اهتمامها. 5 مع تدني معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات النمو السكاني التي بلغت 4ر3% خلال الفترة من 1990 الى 1999م، وهو معدل تجاوز بكثير معدلات النمو العالمي، مما أدى الى انخفاض النصيب السنوي للفرد في الناتج المحلي الاجمالي من حوالي 000ر52 ريال في عام 1999، أي بأكثر من 50% خلال فترة لا تزيد على العشرين سنة. 6 التزايد المستمر في عجز الموازنة العامة خلال الفترة 1983 1999 مما ادى الى تراكم الدين العام للدولة، حتى بلغ 625 بليون ريال في عام 1999، وهو ما كان يمثل 116% من حجم الناتج المحلي الاجمالي آنذاك وقد ارتفع الدين العام خلال الفترة 1994 1999 بحوالي 82%، أي من 342 بليون ريال في عام 1994 الى 625 بليون ريال في عام 1999. مما سبق يتبين لنا ضرورة الخروج من دائرة الاستثمارات النفطية والصناعات المعتمدة عليها، الأمر الذي يرى بعض المختصين صعوبة تحقيقه، بعيدا عن الحلول غير النمطية والحلول الجزئية التي تستطيع وحدها ان تنجز هذه المهمة، خصوصا وانه (لايزال قطاع البترول والصناعات المعتمدة عليه يشكل نسبة 75 80% من الايرادات الحكومية الفعلية، بينما تشكل القطاعات الاخرى في مجملها نسبة لاتزيد على 20 25%. ولاشك ان هذا التركيز الشديد على قطاع واحد والاعتماد عليه كمصدر رئيس للدخل الحكومي سيعرضه لهزات السوق النفطية التي عانت منها السعودية ما عانت خلال الفترات الماضية. ومن ثم فان هذه المعاناة يمكن ان تستمر، حتى يستطيع الاقتصاد السعودي ان يحقق حالة من التوازن بين القطاعات الانتاجية المختلفة، بحيث تساعد على استقرار عملية التنمية، وعدم تعرضها لهزات يكون السبب الرئيسي في حدوثها تذبذب اسعار خام برنت، وما يجره من تأثير على كافة الصناعات المرتبطة به، ويمكن التأكد من هذه الظاهرة بمجرد النظر الى الخط البياني الذي يمثل تذبذب اسعار النفط خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة، ومقارنته بالناتج القومي الاجمالي خلال هذه الفترة. ولاشك ان اعتماد المملكة علىالايرادات النفطية بشكل رئيس 90% من عائدات الصادرات و75% من الايرادات الحكومية قد تسبب في خلل هيكلي في الاقتصاد السعودي اخفقت جهود التنويع الاقتصادي حتى الآن في معالجته وانعكست مظاهره السلبية، ولاتزال على عدد من المتغيرات الاقتصادية الهامة. فلسنوات عدة مضت ظلت الموازنة العامة تعاني عجزاً استفحل في بعض السنين كنتيجة مباشرة لانخفاض الايرادات النفطية إلى اكثر من 25% من اجمالي الناتج المحلي كما حدث في عام 1987. ومن ناحية اخرى، فان الموازنة لم تشهد فائضا طوال العشرين عاما الماضية الا في عام 2000، وتشير الاحصائيات الرسمية الى ان هذا الفائض كان طارئا وطفيفا. وقد تسبب العجز المتراكم في تصاعد الدين العام الى مستويات تجاوزت اجمالي الناتج المحلي، مما تسبب في وضع قيود والى حد كبير على قدرة الحكومة على التوسع في الانفاق الاستثماري، بالاضافة الى ما يترتب على الدين العام من التزامات مستقبلية تتمثل في سداد اصل وفوائد الدين، الأمر الذي يجد من قدرة الدولة على توجيه مواردها بصورة تعزز النمو الاقتصادي. ويرى بعض الاقتصاديين ان تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني عن طريق التوسع الافقي وتشجيع الصناعات المختلفة بعيدا عن النفط اضافة الى تشجيع القطاع الزراعي يمكن ان يمثل الحل الافضل والاضمن لمعالجة الخلل الهيكلي الذي يعاني منه الاقتصاد السعودي، وعلى الرغم من ان الرأي يستقطب تأييد اغلب الاقتصاديين السعوديين، وهو ما نؤيده بشدة، الا ان هناك بعض المحاذير حول ما يتصل بالتركيز على تشجيع القطاع الزراعي، اذ أن ذلك لابد ان يكون مصحوبا بحذر شديد وبضمانات وضوابط محددة، وذلك بسبب المخاوف التي تثيرها عملية التنمية الزراعية بلا حدود، حيث (التكلفة الاستراتيجية التي تدفعها السعودية في استهلاك الزراعة للمخزون الاستراتيجي المائي للسعودية ككل)، وهي تكلفة عالية جدا، ويمكن ان تكون فادحة في ظل التوقعات الخاصة بتفاقم مشكلة المياه على المستوى الاقليمي خلال الاعوام المقبلة، وتزايد الاعباء المالية لعمليات تحلية المياه، الامر الذي يدعو الى ترشيد استهلاك المياه في كافة المجالات، وفي مقدمتها مجال التنمية الزراعية. وهنا يمكننا ان نشير الى قطاعات مهمة يمكن تنميتها في اطار التوسع الافقي بغرض تنويع القاعدة الاقتصادية وصولا الى مستوى تنافسي يؤهل الاقتصاد السعودي لتنمية مستدامة توفر له قدرا من الاستقرار النسبي، بعيدا عن الهزات التي تنجم عن تذبذب اسعار النفط. وهنا يرى البعض ان هناك قطاعات اقتصادية يمكنها ان تلعب هذا الدور حيث (يبرز قطاع الخدمات وقطاع المعلوماتية كقطاعين في غاية الاهمية اديا الى تحول جذري في اقتصاديات الكثير من دول العالم). وينطوي تحت مظلة قطاع الخدمات العديد من امكانيات التنمية منها على سبيل المثال، السياحة بأنواعها، الاتصالات، التجارة البينية، الخدمات المصرفية والمالية، وغيرها. فقطاع السياحة بمفرده يشكل موردا لو احسن استغلاله وتنميته، فانه سيشكل مساهمة رئيسية في تكوين الدخل القومي، وكلنا نعلم الأموال التي يصرفها السعوديون في السياحة الخارجية. اما قطاع المعلوماتية فيرى هؤلاء الاقتصاديون ان تطور انظمة الحاسب الالكتروني ودخوله في كافة مجالات الحياة، قد أدى الى ظهور قطاع جديد يتنامى بصورة متوالية هندسية. ولعل اهم ما يميز هذا القطاع حسب ما يرى هؤلاء هو التأهيل البشري النوعي وليس الكمي للعاملين فيه. من هنا يمكن القول ان قطاعات الخدمات والمعلوماتية تشكل مجالا خصبا يتناسب مع طبيعة المجتمع السعودي ومزاياه، ومرونة اقتصاده الوطني.