الثروة النفطية من الملكية العامة، وهذا الوضع أعطى الدولة مزيد قوة، وفي الوقت نفسه فرض عليها مزيد مسؤوليات. وتمتاز مالية الدولة النفطية بأن الوضع المالي متغير غير ثابت - يتأرجح ما بين الطفرة والثبات والركود، ومن الصعب التنبؤ به جيدا. الوضع السابق يستوجب رسم وتطبيق سياسة مالية عامة fiscal policy تعمل على توزيع/تخصيص allocate الموارد المالية بصورة تتصف بأنها متوازنة، تعزز استقرار الاقتصاد الكلي الوطني، وتسهم بفاعلية في تحقيق النمو الاقتصادي القابل للاستدامة sustainable economic growth، وتقبل الرسوخ sustainable، وتتكيف مع الظروف الاقتصادية بأفضل ما يمكن. وينبغي تحليل الرسوخ وفقا للظروف الاقتصادية الكلية والمالية، كما ينبغي اشتقاق هذا الرسوخ من نمو الإنفاق العام، والذي لا يعتمد فقط على اختيارات ظرفية، بل وأيضا على توقعات نمو الاقتصاد المحلي والاقتصادات الدولية، وعلى الأوضاع المالية والنظرة إلى أعباء الطوارئ. ولكن تبني سياسات مالية عامة ضمن التوصيف السابق صعب تقبله من الناس، لأنهم يميلون إلى نظر قصير المدى، يراعى المصلحة العاجلة دون البعيدة. ولهذا تنشأ صعوبات في إدارة المالية العامة وتخطيط الميزانية والتخصيص/التوزيع الكفء efficient allocation للموارد في ظل تقلب أسعار وإيرادات النفط. على سبيل المثال، فرضت أوضاع إيرادات النفط في التسعينات من القرن الميلادي الماضي على الحكومة السعودية إعادة النظر في استراتيجيات التنمية. فبدلا من استهداف معدلات نمو مرتفعة، وتنويع صناعي، فان الاهتمامات الرئيسية للحكومة انصبت على المحافظة قدر المستطاع على مستويات الاستهلاك. وكان لهذا أثره على الإنفاق الرأسمالي والإنفاق على أعمال التشغيل والصيانة مما أدى إلى تقلبات في أنماط النمو. وقد أسهمت إدارة المالية العامة على المدى القصير خلال تلك الفترة في زيادة الضعف. فقد ارتفع العجز الأساسي غير النفطي في البداية إلى ما يزيد على 70في المئة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ولكنه انخفض تدريجيا، بسبب التخفيض الحاد في الإنفاق الأساسي. وجاءت العجوزات الأساسية غير النفطية الكبيرة، ولكن المتناقصة مصحوبة بزيادة حادة في الدين العام، حيث قارب 800مليار ريال قبل بضع سنوات، أي تجاوز 100في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ورافقتها خسارة في صافي الاحتياطيات الدولية خلال جزء كبير من التسعينات. مع ارتفاع أسعار النفط وتحسن أوضاع المالية العامة حاليا، فإنه يخشى من تكرر سياسات الإنفاق إبان التزايد الحاد في الإيرادات خلال الفترة 1974- 1981.وفرة المال ضغطت باتجاه تسارع الإنفاق، وتزامن مع الوفرة والتسارع تدني حس الترشيد في إنفاق الموارد المالية. وقد تسارع الإنفاق الحكومي آنذاك أضعافا مضاعفة في بضع سنين، كما لو إيرادات النفط ستبقى دوما في ارتفاع، ونسينا قوله تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال) 155، البقرة. وخلاف المشكلات السابقة، هناك ضعف واضح في ضوابط الالتزامات. تتسم عمليات الميزانية بإنفاق أعلى من المبالغ المقرة في الميزانية عند اعتمادها من مجلس الوزراء، فمثلا اعتمد عام 2000مبلغ 185مليار ريال للانفاق، ولكن الانفاق الفعلي بلغ قرابة 227مليار ريال، واعتمد العام الماضي 380مليار ريال، ولكن المنفق فعليا بلغ قرابة 470مليار ريال - المصدر موقع مؤسسة النقد العربي السعودي. وهناك عوامل خلف ذلك من أهمها تذبذب الإيرادات مصحوبة بضعف أو اختلال الضوابط الحاكمة للالتزامات. لا تتوفر في الحكومة نظم وآليات متقدمة لمراقبة الالتزامات وتوزيع المخصصات، بل أسلوب ينظر إليه كثيرون على أنه من نوع المساومة والحراج. وأسهم في ضعف تطبيق نظام حديث لمراقبة الالتزامات وجود عيوب في تصنيف الميزانية، وهو تصنيف تختلط فيه مفاهيم التصنيفات الاقتصادية والوظيفية والإدارية. المشكلات السابقة تتطلب جهودا قوية لتطوير وتحسين إدارة المالية الحكومية، وبالله التوفيق.. @ دكتوراه في الاقتصاد، متخصص في الاقتصاد الكلي واقتصاد المالية.