ما الدروس التي يمكن للدول المنتجة للنفط أن تتعلمها من قصص النجاح التي حققتها الدول غير المعتمدة على النفط في مجال النمو الاقتصادي، وكيف ينبغي على الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط عدم التراخي في التزامها نحو تنويع مصادر اقتصادها رغم عودة أسعار النفط إلى الارتفاع؟ تشير العوامل الاقتصادية والجيولوجية إلى ان الدول المنتجة للنفط سوف تستفيد من ارتفاع الايرادات النفطية، على الأقل خلال العقدين المقبلين. وتشير الدراسة التي تناولت موضوع الاقتصاد النفطي وغير النفطي للشرق الأوسط في النشرة الاقتصادية الصادرة من (اتش اس بي سي بنك) إلى ان ذلك لن يكون سببا في جلب الرخاء للمنطقة على نطاق واسع، وانه لكي يتحقق هذا الرخاء يتعين على الحكومات مواصلة برامجها التنموية فيما يتعلق بقطاعاتها الاقتصادية غير النفطية. ربما كانت أكثر الحجج اقناعا لصالح وضع استراتيجية مستمرة لتنويع مصادر الاقتصاد هي تجربة الامارات. فمن بين دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط، احتلت الامارات مكان الصدارة فيما يتعلق بالاصلاح والتحرر الاقتصادي. حيث ارتفعت مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الاجمالي من 64% في عام 1993 إلى 72% في عام 2001، بعد أن كانت قد وصلت لفترة قصيرة في أواخر عقد التسعينيات من القرن الماضي إلى 79%. لقد قامت امارة دبي توقعا لنضوب احتياطياتها من النفط الخام خلال العقد المقبل، بتطوير دورها كأحد المراكز التجارية والمالية ومراكز الاتصالات السلكية واللاسلكية وأصبحت احدى الوجهات السياحية الجذابة، مما حقق لها اقتصادا مزدهرا قائما على الخدمات.. باختصار لقد ساعد النظام الاقتصادي المنفتح والإدارة الاقتصادية السليمة الامارات على تجنب ما يعتبر بالنسبة لبعض البلدان "لعنة النفط". ووفقا لصندوق النقد الدولي، فقد أتاحت استراتيجية التنويع للامارات القدرة على أن تصمد في وجه التقلبات المفاجئة والمعلنة في أسعار النفط، وأن تحافظ على فوائض في الحساب الجاري لميزان المدفوعات، وأن يتجمع لديها قدر كبير من الموجودات المالية العامة. ولدى الامارات الآن اقتصاد يتسم بالتنوع النسبي وفقا لمعايير الشرق الأوسط. لقد وفرت استراتيجية تنويع مصادر الاقتصاد مجموعة من المزايا الاقتصادية المهمة. ففي الفترة ما بين عامي 1993 و2001، ارتفع الناتج المحلي الاجمالي بمعدل 1. 8% في السنة، مع معدل نمو للقطاعات غير النفطية نسبته 6. 9% في السنة، وهذه معدلات نمو يمكن مقارنتها ببعض الاقتصادات الأسرع نموا في آسيا. وتبرز المقارنات بين الاماراتوالكويت مزايا التوجه النشط نحو التنويع الاقتصادي في الامارات. علما بأن الظروف الديموغرافية للبلدين مشابهة. وكلاهما لديه احتياطيات مماثلة من النفط (الكويت لديها 55 مليار برميل، وأبوظبي لديها 59 مليار برميل وفقا لاتحاد دراسة ذروة انتاج النفط "ASPO" وكذلك معدلات مماثلة لانتاج النفط (حوالي مليوني برميل في اليوم في عام 2002). وخلال الفترة بين عامي 1997 و2001، حققت الامارات معدل نمو في الناتج المحلي الاجمالي السنوي بلغ 6. 5%. وفي الكويت، بلغ معدل النمو 5. 0% في عام 2001، كان الناتج المحلي الاجمالي للامارات 70 مليار دولار أميركي بينما بلغ في الكويت 33 مليار دولار أميركي، وبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في الامارات 576. 20 دولارا أميركيا مقارنة بمبلغ 420. 14 دولارا أميركيا في الكويت. وقد طلب صندوق النقد الدولي من الكويت تطبيق برنامج للاصلاحات الهيكلية، ولكن التقدم مازال بطيئا: "لقد واجهت وتيرة الاصلاح الهيكلي حتى الآن معوقات تتمثل في الحاجة إلى تحقيق اجماع وطني قوي على هذه الاصلاحات، والقدرة الإدارية المحدودة والرغبة في تجنب الضغوط المتزايدة لتوفير فرص العمل على المدى القريب". وفي داخل الامارات يمكن اعتبار امارة دبي مثالا ل "أفضل الممارسات" في استراتيجية تنويع مصادر الاقتصاد. ووفقا لاتحاد دراسة ذروة انتاج النفط "ASPO"، ربما كانت احتياطيات دبي من النفط الآن أقل من 820 مليون برميل، ويعتقد ان دبي قد تجاوزت نقطة بداية نضوب النفط في عام 1990 تقريبا، وتتوقع التقديرات الرسمية. كتلك التي وردت في خطة دبي الاستراتيجية للتنمية، ان النفط سيتوقف عن المساهمة في اقتصاد دبي بحلول عام 2015 على أقصى تقدير. وقد أدركت حكومة دبي في وقت مبكر يرجع إلى السبعينيات من القرن الماضي ان التنويع يعتبر العامل الأساسي في تطورها الاقتصادي. لقد شملت المبادرات المبكرة التي اتخذتها دبي لتنويع مصادر اقتصادها في قطاعات غير نفطية اجراءات للترويج التجاري والصناعي (على سبيل المثال حفر خور دبي وتطوير ميناء جبل علي وانشاء المنطقة الحرة لجبل علي وشركة دبي للألمنيوم). هذه الخطوات ساهمت في تأمين وتعزيز مكانة دبي كمركز اقليمي لتجارة اعادة التصدير واعادة الشحن. فقد ارتفعت قيمة الصادرات والسلع المعاد تصديرها (بما في ذلك الشحنات عن طريق المناطق الحرة ومناطق التخزين الحرة) من 4. 3 مليارات دولار في عام 1990 إلى 9. 14 مليار دولار أميركي في عام 2001 بمتوسط نسبة نمو تزيد عن 14% في السنة. وفي الآونة الأخيرة تركزت الجهود حول السياحة، حيث أثبت مهرجان دبي للتسوق ومفاجآت صيف دبي نجاحا ملحوظا في اجتذاب الزوار من مختلف أنحاء العالم منذ منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي. كما عملت دبي على اجتذاب صناعات الخدمات من خلال المناطق الحرة الحضرية مثل مدينة دبي للانترنت ومدينة دبي للاعلام ومجمع دبي للذهب والألماس، وهناك مبادرات مماثلة في الطريق في مجالات المال وأشباه الموصلات والرعاية الصحية والتعليم. هذه الاستراتيجية المنوعة للنمو أتاحت للامارة أن تحافظ على زخمها الاقتصادي وسط ظروف عالمية صعبة. كثيرا ما نفترض ان هناك ارتباطا بين القطاع غير النفطي والقطاع الخاص، ولكن هذا ليس ضروريا في كل الأحوال. ففي دبي، على سبيل المثال، لعبت الحكومة دورا بارزا مباشرا في تنويع مصادر الاقتصاد، فحكومة دبي تمتلك وتدير شركة دبي للألمنيوم ومجموعة طيران الامارات والمناطق الحرة وعددا من الفنادق الكبرى في المدينة. ومن المهم الاقرار بالدور المباشر الذي يمكن أن يلعبه القطاع العام في تشجيع تنويع مصادر الاقتصاد في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فالقطاع الخاص لديه دور حيوي يلعبه. المناطق الحرة في دبي، على سبيل المثال، تضم أكثر من 000. 3 شركة خاصة. وفي البحرين، تعتبر البنوك التجارية الخاصة وبيوت التمويل والبنوك الإسلامية من بين أحجار الزاوية للاقتصاد المتنوع للدولة. هناك اقرار أيضا بأن الاستثمار الأجنبي المباشر يعتبر من العناصر الحيوية التي تشكل مساهمة القطاع الخاص في تنويع مصادر الاقتصاد. فالمستثمرون الأجانب من المصادر المهمة لرأس المال، لا سيما في البلدان ذات الدخل المتوسط مثل عمان وايران. وسيكون دورهم مهما على وجه الخصوص في مرحلة الاعمار بعد الحرب في العراق. كما ان الاستثمار الأجنبي المباشر غالبا ما يؤدي الى نقل المهارات والمعرفة الجديدة للموظفين المواطنين والإدارة المحلية، وهو أيضا، بخلاف الاستثمار من خلال المحافظ، يعتبر ثابتا نسبيا. على الرغم من ذلك، تسير منطقة الشرق الأوسط بوتيرة بطيئة للغاية في تبني الاستثمار الأجنبي. ففي عام 2001 اجتذبت دول مجلس التعاون الخليجي وايران والعراق استثمارات اجنبية مباشرة صافية بمبلغ 234 مليون دولار أميركي، وهو ما يعادل 03. 0% فقط من مجمل الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مستوى العالم.