عناوين صارخة صاعقة تدفع بالقارئ المتعجل أن يدس الجريدة في عربة تسوقه انتظارا لوجبة اخبارية دسمة ترضي شهوة ما، للفرجة.. للفضائحية.. للوقوف الى ما خلف الستار.. للولوج في متعة الكشف والانكشاف.. والذريعة موجودة وسافرة وتتحدى.. الجريدة جريئة.. وإذا كان هناك عفن ورائحة نتنة.. فلماذا المداراة.. دعها تنطلق .. هناك من لا يرغب إلا في تعاطي هذه النوعية من الأخبار ذات الرائحة المسمومة والهواء المكدس بغاز أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت.. ألم يقل الشاعر الفرنسي شارل بودلير في سياق آخر عن هكذا توجه يحرص على تقديم الشائن والقبيح وانتخابه من بطون الأقبية والدهاليز والمخافر وعلب الليل : (الجمهور الذي لا ينبغي أبدا ان تقدم له العطور الذي تغيظه أبدا، بل قاذورات انتقيت له بعناية).. الفرق فقط في الواجهة والتبرير، والا لو كان الحال العام بهذه الصفة لا نعدمت العطور الصحفية، وفازت بقصب السبق جرائد الصدأ، الباحثة في مزابل الإثارة عما يعزز الغرائز غير السوية في التلصص وإسالة الشهوات بشكل عكسي يحمل روح التطهر والبراءة والدفاع عن القيم والأخلاق والأسرة والمجتمع والدولة والدين.. إلى آخر المعزوفة التبريرية التي إن صحت على اللسان، فإن الممارسة مكشوفة ومفضوحة تتسلق وتتوسل المشاعر وتلعب على وترها الحساس نحو طهرانية تنبذ ما تنظر اليه على انه الورم وتنبذه بأقوى النعوت وأشد الصفات من فسق ومجون ودعارة وانحطاط واجرام وانحلال وزيغ وانحراف.. إلخ.. إلخ!! هذا النوع من الصحافة الصفراء التي تعتمد مجرد الإثارة على نحو فج وصادم موجودة في معظم البلدان وتمثل الشارع الخلفي.. والزقاق الضيق الذي يراهن على أرقام التوزيع ولا يهم بعد ذلك أين تذهب السهام ولا يهم من أدمت ولا من علمت في جسده، معنيين وقراء. والى هنا الأمر ليس عجيبا ولا غريبا، فالساحة تسع والمجال واسع والأذواق تتقبل والمعدة تهضم.. لكن الغريب والعجيب أن يكون لهذا اللون من الصحافة مكان في بلادنا ووطننا. جريدة من هذا النوع ومن هذا التوجه تمثل ظاهرة غير خالصة النوايا وان لبست رداء الدفاع عن الاخلاق وعن الدين. فليس من الأخلاق ولا من الدين نشر العورات والفضائح والمزايدة بتوجيه الشتائم والألفاظ البذيئة والمبالغة التي تصور مجتمعنا العربي مجتمعا للفحش والمنكرات ومحاربة الدين حيث المانشيتات تصرخ بأحمرها الرنان وبلوثة حبرها الأسود، طعنا في الذوق واستثارة للمشاعر التي لا تحتاج، فبها ما يكفي وما يزيد دون (لغوصة) ودون تشمير عن السواعد تلطم الوجوه وتشق الجيوب في مشهد المهزلة الأسبوعي!!