أقامت جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب في دمشق ندوة عن رواية المقاومة متخذه من سورياوفلسطين نموذجاً.. جيل النكبة وتحدث في البداية الروائي رشاد أبو شاور عن تجربته في الكتابة والمقاومة قائلاً :ان جيل النكبة واجه الأمراض بالنظافة والجهل بالتعلم، فنشأ جيل متعلم مسلح بالوعي والمعرفة والثقافة..وتحدث عن الرواية الفلسطينية باعتبارها ذاكرة الجيل قائلاً انها رواية لم تكتف بسرد جرائم بريطانيا المنتدبة على فلسطين، أو وقائع الحرب التي شنتها العصابات الصهيونية، أو التخاذل العربي وإنما ذهبت إلى الجذور وزرعتها في العقول. وأشار أبو شاور إلى الأجيال الفلسطينية المبدعة التي سبقت جيل النكبة من شعراء وقاصين وصحفيين ومفكرين، إضافة لأعمال موسوعية ظهرت ك ( بلادنا فلسطين) للمؤرخ والجغرافي مصطفى مراد الدباغ، وقصص سميرة عزام، وغسان كنفاني، وروايات جبرا إبراهيم جبرا، هؤلاء المبدعون لم يتوقفوا عن التبصير بالخطر والتوعية وتقوية روح الشعب، فأعلوا بذلك مداميك المقاومة، وجعلوا منها ثقافة، ووعياً وسلوكاً. دراسة الآخر محاولة جريئة وقدم الدكتور ياسين الفاعور ورقة حول الآخر الصهيوني في الرواية الفلسطينية متخذاً من رواية (الهجرة إلى الجحيم) للأديب محمود شاهين أنموذجاً ورأى فاعور أن دراسة الآخر ( الصهيوني) في الرواية الفلسطينية محاولة جريئة غير مأمونة العثار، ولكنها غير مطروقة وضرورية، تهدف إلى كشف القناع عن الآخر الصهيوني، وتوضيح صورته، وقد قدمت الرواية الفلسطينية الآخر الصهيوني بصور وأشكال متعددة، وما ظلمته، بل كانت أمينة في تصويره، محاولة سبر أغوار هذا الآخر ومجتمعه وبنيته، وكشف أساليبه في تحقيق أحلامه، ورواية الهجرة إلى الجحيم للأديب محمود شاهين الصادرة عام 1984 قدمت صورة العدو الصهيوني في أصقاع الدنيا، حيث توافرت له كل متطلبات الحياة إلى أن أغرته فكرة الأطماع الصهيونية في حلم العودة إلى (أرض الميعاد) فلسطين العربية. أعمال من صميم الذاكرة وفي شهادة الأديب والروائي الفلسطيني حسن حميد أشار إلى أن معاني المقاومة وطيوفها ليست متوارثة في أعماله الأدبية وإنما هي متوارثة في ذاكرته أيضاً، منذ تفتحت عيناه على مشهديات الحزن، والفقد، والتذكر، واللوعة.. التي ستصير في المساءات الطويلة حرائق لا يطفئها سوى النوم والأدعية الراجفة.. وأضحت تلك المعاني ظلالاً مديدة للمقاومة، وهو ابن المخيم الذي نظر للكتابة نظرة قداسة، فالشهداء، في عرف أبناء المخيم، هم الذين حملوا دمهم في دروبهم جولانا حتى تحين لحظة السعادة المشتهاة، والكتاب هم الشهداء الذين ينزفون أشواقهم وتشوفاتهم حبراً يستجر أمكنة البلاد، وعاداتها ومواسمها وتراثها لكي تنهض واحات الروح التي نستظل بها ويضيف حمد انه وأقرانه غدا يستحضر صور كتاب فلسطين وشعرائها حيث كان يتخيلهم قبل معرفة صورهم الحقيقية وكائنات خرافية، مضيفاً لعل الضوء (بسبب معتقداتنا الدينية) هو ما يشكلهم، أو لعل الندى (بسبب أحلامنا الذاهبة نحو الهيف والرقة من دون وصول) هو السحر الذي يجري في أصابعهم. إرشادات أبو شاور ويستذكر حسن حميد كيف كانوا في المخيم يتدافعون أمام بيت رشاد أبو شاور ليستمعوا إلى احاديثه وإرشاداته فقد كان أبو شاور الروح التي انتشلتنا من أفخاخ الكلام العاطفي، والإيديولوجيا الفاقعة، والروح التي أخذتنا إلى الزوايا المتوارية التي هي خبز الكتابة والإبداع، ويشبه حميد في شهادته الشاعر أبو شاور بحصان طروادة الذي اقتحمنا به خجلنا، وخوفنا، وبوابات موهبتنا التي اكتشفها بحساسية الأديب المرهف وبعينه النابهة ويستذكر حسن حميد بداية الثمانينيات قائلا ً: كنا نفر من المجانين الصغار نحاول الكتابة، نريد أن نعيد للموضوعة الفلسطينية سحرها.. فما وجدنا كتاباً، أو دولاً، أو منابر، أو دور نشر تهتم بما حبرناه.. لذلك رحنا ننادي بأعلى الصوت اننا فلسطينيون نكتب عن فلسطين الباقية.. لكن الصوت كان خفيضا لكأنه لم يجاوز اللهوات، متسائلاً في شهادته هل كنا نكتب مأساتنا الجديدة في الحصار وصبراً وشاتيلاً.. التي دمرت الأرواح لذلك لم يكن أحد بحاجة إلى أحزان جديدة! أم اننا هربنا من كتابة المأساة الجديدة.. فانصرف عنا الناس لأننا طالعون جدد سمتنا الأولى العقوق؟! محاولة لإعطاء الفلسطيني حقه ويضيف حميد سنوات من أعمارنا، وكتابتنا امتصها الإهمال، والصدود، وعدم الانتباه.. ومع ذلك ظللنا نجد بين حين وآخر قلة نادرة من الرجال النبلاء الذين كانوا كافين بحدبهم وحضانتهم وإيمانهم.. لكي نكتب ما كتبناه، ولكي نعيد للموضوعة الفلسطينية سحرها، وللكاتب الفلسطيني مكانته.. أيضاً! ملامح الرواية السورية أما عن أهم ملامح رواية المقاومة السورية فقد تحدث الدكتور رضوان القضماني معتبراً أن أهم هذه الملامح هي المرجعية التاريخية أو مرجعية الحدث وطبيعة الصراع فيها، وهو صراع ينهض على ثنائيات الخير والشر، الحياة والموت. وأشار القضماني إلى أن مفهوم البطولة قد تطور حيث يبرز فيه العمل الجماعي وإن كان يتصدره فرد يتجسد فيه هذا العمل مضيفا إن سمات الرواية أيضا النزوع الأسطوري الذي نشأ من تأثيرات التراث الشعبي بكل ما فيه من أساطير ورؤى وحكايات وأفكار دينية تدخل في حوار ساخن مع الواقع بكل ما فيه من انكسار وألم واستغلال. وبين القضماني وجود تلك الملامح في رواية (العصاة) لصدقي إسماعيل، و(التلال) لهاني الراهب، وروايتي (المصابيح الزرق) و(الشراع والعاصفة) لحنا مينا (وشموس الغجر) لحيدر حيدر. ويرى في رواية السيرة الذاتية رواية مقاومة بامتياز إذ تتوافر فيها ملامح رواية المقاومة كما في رواية (موسيقا الرقاد) لزهير جبور. رواية ما بعد 48 وفي مداخلة حملت عنوان الرواية الفلسطينية ورواية المقاومة أكد الدكتور محمد الحاج صالح انه حتى عام 1948لم نر رواية فلسطينية يمكن أن تسمى رواية مقاومة، ولكن بعد مايو من نفس العام حيث تم تشريد ونفي الكثير من الشعب الفلسطيني وتولد إحساس محبط، لكنه موقظ للذاكرة، أخذت الرواية في البروز وتعتبر رواية (لاجئة) للكاتب اللبناني جورج حنا أول رواية عربية تحدثت عن محنه عام ومنذ هذا العام إلى 1967 لم تكرس الرواية العربية سوى اسم مبدع هو غسان كنفاني في روايتي (رجال تحت الشمس) و(ما تبقى لكم) ثم ظهرت أسماء كثيرة، لكنها لم تكن على تلك الدرجة من الأهمية مثل الفردوس السيب ل (سمير قطب) وعناصر هدامة ل (يوسف الخطيب)، ضفة رمال ل (ناصر الدين النشاشيبي) والمشوهون ل (توفيق فياض). ما بعد النكسة ومن ثم جاءت هزيمته حزيران لتعطي للرواية بعدا آخر حيث أثارت اسئلة صعبة وجديدة، وقدم غسان كنفاني روايته عائد إلى حيفا (أم سعد 1969) واعتبر الدكتور الحاج أن أعمال كنفاني شكلت إرثاُ وعلامة في الرواية الفلسطينية وعرض الحاج صالح قراءة نقدية لكل من رواية (أم سعد) ل (كنفاني) (وتفاح المجانين) ليحيى يخلف . بين المقاومة والحرب. كما قدم الروائي السوري محمد إبراهيم العلي شهادة، بين فيها مفهومه للمقاومة التي لا تعني الحرب، قدر ما تعني خلاص الإنسان من عقابيل الظروف، وظلم الأمكنة والأزمنة، وقسوة الجهل، وديمومة الغفلة، وقلة الحيلة والإمكانات مؤكداً أن توجهه للكتابة لم يكن إلا من أجل توطيد أركان المقاومة الإنسانية عبر تجلياتها المتعددة ضد العسف والظلم، والمخاوف التي توارثتها المجتمعات حقبة بعد حقبة، وجيلا بعد جيل، مشيراً إلى أن رواية (المرابي) تحدثت عن صور الجهل والأساليب الدونية التي استخدمها الاقطاعيون من أجل تدمير المشاعر الإنسانية ليظل الفلاحون كتلة هلامية تدور في فلكهم . أما روايتيه (نجمة الصبح) و(الذئاب) فهما الأكثر وضوحا وعناية بالمقاومة ضد العدو الذي يهدد الجغرافية والتاريخ والمستقبل. رواية الواقع واكد العلي في شهادته أن جميع رواياته هي روايات معايشة، عاشها بنفسه أولا، وأحداثا وحكايات بمعنى أنه كاتب لم يؤلف أو يصنع واقعا وإنما كان كاتبا عاش الواقع فكتب عنه. المقاومة ولقمة العيش وفي شهادته التي قدمها تحت عنوان (نعيش .. نقاوم) تطرق غسان كامل ونوس إلى أشكال أخرى للمقاومة، كمقاومة الظروف التي تحاول إعاقة الاستمرار في الخطو والحصول على لقمة العيش وجرعة التنفس، كما في روايته، (تقاسيم الحضور والغياب) مشيراً إلى أن المقاومة في جبهة داخلية مفتوحة على كل الجهات ليست أقل خطورة أو شراسة أو حيلا ومحاولات استسلام، وليست أقل إسهاما. ويخلص ونوس إلى القول ان الفوز في المواجهة المسلحة على الجبهة يحتاج الى فوز في معارك السلامة والنهوض هذا الفوز الذي يتطلب تماسكاً وتواشجاً وأماناً وثقة وكفاية وعدلا .. يتطلب وفاء وإخلاصا وجدية وشفافية ومسؤولية، يتطلب أناسا قادرين على الفعل، يدخلون إلى المصلحة العامة من أبواب لا يحرسها الحرامية. رواية البندقية في شهادته دعا الروائي زهير جبور الكاتب إلى ترك القلم قليلا، وحمل الحجر أو البندقية، مشيراً إلى أنه يمكن للكاتب أن يعود للقلم بعد أن يتشبع بتجربة المقاومة ويكتب عنها كما عاشها بالفعل، لا كما يسمع عنها، مؤكداً قوله لنحمل البندقية ونجعلها رواية هذا الزمن، ومن موسيقى طلقاتها نضع رواية المقاومة، وبغير ذلك لن نكتب الحياة التي نتمنى أن تحياها أجيالنا القادمة. مؤكداً أنه بغير ذلك لا فائدة من كل الفنون والأدب والتاريخ مشككا في إمكانية حدوث هذا الأمر عن طريق تساؤله هل سنفعل؟! من الاحتلال إلى المقاومة وتحدث الدكتور حسن عليان عن الرواية العربية من الاحتلال إلى المقاومة في فلسطين، عبر محاور أساسية أهمها جدلية الأرض والمقاومة وجدلية السجن ومقاومة الجسد الفلسطيني لشتى أشكال التعذيب الشنيعة، وكذلك جدلية الكفاح المسلح والتنظير، نتيجة الفراغ الأمني والاقتصادي بعد الخامس من حزيران . مبيناً أهمية البطولة المسلحة قبل النكبة وتطورها لتصبح مقاومة مسلحة لها أسسها وقواعدها، إضافة للبطولة الشعبية التي شكلت ملحمة نضالية، مؤكداً ان رواية أم سعد تمثل هذه الملحمة بدقة. وتناول باسم عبدو في ورقته بطل المقاومة في الرواية السورية التي أبرزت نضالات الشعب الفلسطيني وعبرت عن قضاياه السياسية والاجتماعية والوطنية، وكرست النضال الوطني والقومي وملاحم البطولة في الحرب، كرواية (لن تسقط المدينة) ورواية (حسن جبل) لفارس زرزور، ورواية (صخرة الجولان) للدكتور علي عقلة عرسان، و (أزاهير تشرين) للدكتور عبدالسلام العجيلي وغيرها... وقدم قراءة للشخوص الرئيسية والمحورية التي مثلت رموزاً تعكس الروح النضالية في ثلاثية عبدالكريم ناصيف (الطريق إلى الشمس) وثلاثية خيري الذهبي (حسيبة، فياض، هشام) بأعمال جمعة الحارثي وصالح الشكيري كنفاني حميد