هناك حملة حكومية تقوم بها وزارة الشئون الإسلامية لتدريب خطباء الجوامع، ووفقا لتقارير صحفية فإن ما يقرب من أربعة آلاف خطيب يتلقون دروسا في إعداد الخطب، وقد قرأت تصريحا لنائب وزير الشئون الإسلامية يحذر من الخطب الخارجة عن التعاليم الإسلامية السمحة وأن الوزارة لن تسمح لإتخاذ مواقف سياسية من المنابر. أوافق النائب على وجهة نظره، وأؤكد له أن خطبة الجمعة بحاجة إلى أكثر من مجرد تقنين المواضيع، بل أن يكون من على المنبر قادرا على التوصيل بسلاسة وبلاغة، بحسن صياغة، وفن في الإلقاء. الخطباء المبرزون يعدون اليوم على أصابع اليد، لأن المواصفات على ما يبدو كانت تركز على جهورية الصوت ووجود مؤهل شرعي كاف، في حين غابت مؤهلات ومهارات أخرى، وغاب بعدها اهتمامنا، وفقدنا التركيز على مضمون الخطبة لأن الخطيب لم يعد مؤثرا. لخمس سنوات متواصلة كنا نصلي الجمعة مع الشيخ الدكتور عبدالوهاب الطريري في مدينة الرياض، وهو بلا مبالغة يمكن أن نقول عنه انه امتلك التركيبة السرية لخطبة ناجحة بكل المقاييس، اولها البلاغة ووضوح الفكرة بصياغة تراعي كافة شرائح المصلين، وثانيها ايقاع او رتم الخطبة إلقاءً، فالشيخ يختلف عمن نسمعهم اليوم يصبون في أذاننا خطبة طويلة برتم واحد من أولها الى اخرها، سواء كانت عن الرحمة أو العذاب، بل كان يلوّن كل جملة بلون خاص، ويمنحنا فترة صمت أحيانا لنفكر مليا في فقرة سابقة تحتاج الى تدبر. نرجو من الوزارة الموقرة ألا تحرم جمهور المصلين من الاستمتاع بخطبة الجمعة والاستفادة منها، وأن تهتم بفن الخطابة الشهير، وان تؤكد على الأئمة الفضلاء ان خطبة الجمعة ليست بحثا علميا يكتب مساء الخميس ويلقى على مسامع المصلين ظهر الجمعة، هي فن مشافهة يخاطب جمهورا حاضرا لا قارئا، الجمهور الذي لا يحب الحشو والإطالة والتكلف في المحسنات اللفظية، ولا يتذوق كثير منهم الشعر العربي الذي لا تخلو خطبة جمعة من أبيات منه.