سلطان القحطاني ليس مجرد ناقد للرواية والقصة فهو مبدع لها أيضا, يحاول أن يقدم رواية جماهيرية يقرأها الصغير قبل الكبير . وليس متفلسفا يغلف آراءه بأساليب ملتوية إنه في غاية الوضوح يعطي رأيه في القضايا النقدية والثقافية بكل شفافية في محاولة منه للمشاركة في صياغة الحركة الثقافية في المملكة. ورغم أنه ابتعد عن الساحة الثقافية مدة طويلة بسبب انشغاله في التحضير للدكتوراة ثم وظائفه المتفرقة إلا أن عودته كانت قوية , وأصبحت مشاركاته معروفة ومواقفه لا تخفى على أحد انها محاولات دؤوبة للمساهمة في بناء هيكل جديد للثقافة يعتمد على المبدع والناقد في آن واحد. هذه افكاره وهذه آراؤه ومواقفه نطرحها عبر هذا الحوار: التجربة الورائية حدثنا عن تجربتك في كتابة الرواية؟ تعلقت بالرواية منذ صغري من مصدرين الأول ما كان يحكى من قصص مجالس السمر في قريتنا (الوزية) إحدى قرى الشمال في محافظة الاحساء , وكنت احضر هذه المجالس باستمرار , واستمع بإمعان لكل ما يقال من قصص البطولات والبحر ومغامرات الجمالين بين المدن وميناء العقير أيام النهب والسلب , وبعدها التقى بزملائي واحدثهم عن تلك القصص , وكنت أعيش مع أحداث القصة أياما حتى اسمع قصة أخرى تحل محلها , وإذا أعيدت القصة مرة أخرى في مكان آخر ومن شخص آخر وحدث فيها خطأ ما قمت بتصحيحه , وصرت من غير المرغوب فيهم عند بعض الرواة, أما المصدر الثاني , فكان قصص الأطفال , مثل الأميرة ذات الهمة , وسيف بن ذي يزن , وتان تان , وغيرها من القصص التي يكثر فيها الخيال العلمي والفني , إضافة الى كثرة ما اقرأ , خاصة عندما كنت في المرحلة الثانوية وكذلك في التاريخ خاصة تاريخ الجزيرة العربية مثل كتاب التيجان لوهب بن منبه ,عن ملوك اليمن , والاستماع الى المسلسلات الإذاعية , من صوت العرب في القاهرة ثم إذاعة الرياض , وكنت شديد التأثر بالأحداث الروائية , فعندما قرأت أول رواية عربية غير مترجمة وهي بين القصرين , ثم السكرية وزقاق المدق , لنجيب محفوظ , وكانت عن حياة المدن لم أتأثر بها , لكن الذي اثر في مسيرتي الثقافية , روايات محمد عبد الحليم عبد الله , كاتب الريف المصري حيث وجدت فيها جزءا كبيرا من حياتي الريفية , البداية عام 1973 م وبدأت حياتي الروائية في سنة 1393 / 1973 م بكتابة أول نص طويل , بعنوان (مدينة الأحلام) وملخص هذا النص ريفي يظن أنه سيكون غنيا عندما يأتي إلى المدينة , ويظهر من خلال هذا النص تأثري بالروايات المصرية وبالرغم من انه لاقى إعجابا من بعض الذين اطلعوا عليه إلا انه لم يعجبني أنا شخصيا , وكانت تجربتي الحقيقية في سنة 1398 / 1978 م , عندما كتبت رواية (زائر المساء) وصدرت في القاهرة عن دار الفكر العربي في 1980 , لكنها لم تكن التجربة الناجحة (من وجهة نظر النقاد والدارسين) مثل الرواية الثانية (طائر بلا جناح) الصادرة بعدها بأقل من عام , عن الدار نفسها , 1981 م ثم شغلت بالدراسات العليا في مجال النقد الروائي ولم ابتعد عن الرواية فتخصصي فيها ولكن شغلني النقد كثيرا عن الاستمتاع بالقراءة الحرة , وبعد مضي عشرين عاما منذ كتابة الرواية الأولى فكرت جديا في كتابة الرواية الثالثة , التي فوجئ بها الوسط الثقافي , إذا كيف يقوم الناقد بكتابة الرواية وذلك لأن اغلبهم لم يكن يعرف أنني بدأت بكتابتها وأخذ البعض يتساءل كيف يوفق بين الإبداع ونقده؟ ولم يدرك أن النقد إبداع في حد ذاته. الكتابة ليست ترفاً وكتبت رواية ( خطوات على جبال اليمن) وهي الرواية التي أحدثت صدى لم أكن أتوقعه في الوسطين الثقافي والشعبي، على حد سواء. والكتابة - عندي بشكل عام - وكتابة الرواية بشكل خاص، ليست ترفاً ثقافياً، بل هي معاناة فكرية، ليس لي فيها إلا الفكرة والصياغة، أما سير الأحداث والمشاهد والشخصيات المساعدة في العمل الدرامي فيسيرها البطل، وقد تستغرب أن البطل يوجهني أثناء الكتابة، وليس العكس، فأنا أبدأ بفكرة صغيرة، وبعد عدد من الصفحات أجد أن الفكرة ولدت أفكاراً أخرى لم تكن في ذهني حين الشروع في الكتابة، بمعنى أنني لا أخطط للرواية من البداية، بل أترك الأحداث تنثال من تلقاء نفسها، فأنا لست ناقل أحداث، كما يحدث في الكثير من الأعمال التي تعرفونها، بل أنا منشئ أحداثا، سواء اتفقت مع الواقع اليومي أو اختلفت، وفي الغالب تتفق، أما من ناحية اللغة فأنا اكتب كما أتحدث ولا أبحث عن مفردات أظهر فيها المقدرة اللغوية المعقدة، فيقرأ لي كل الطبقات من الشعبي إلى عالي الثقافة وهذا لم يعجب البعض من المتعلمين. الرواية في التلفزيون هل تم الانتهاء من تحويل روايتك إلى نص تلفزيوني؟ * تم الانتهاء من تصوير كل المشاهد، ومنها 85% في اليمن والباقي في جدة وهي الآن في طريقها إلى العرض الذي ستقرره إدارة القناة الأولى في التلفزيون السعودي، وعدد الحلقات 23 حلقة، ومدة الحلقة خمسون دقيقة كما قال لي المخرج صفوت الغشم، والجدير بالذكر أن هذه هي الرواية الأولى التي تدخل مجال التلفزة في الجزيرة العربية، ويشترك فيها عدد كبير من الممثلين اليمنيين والسعوديين للمرة الأولى بين الدولتين الشقيقتين. الحداثة الحقيقية هل الحداثة العربية مستوردة من الغرب أم أنها نجحت في تأسيس هويتها العربية؟ * الحداثة ليست حداثة واحدة، بل هي عدد من الحداثات، وقد قلت ذلك في كتابي (النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية، نشأته واتجاهاته) وهي مستوردة من الغرب، بعد الحرب العالمية الثانية، وقد نجح فيها البعض القليل من النقاد العرب، الذين كانت خلفياتهم الثقافية عربية تراثية، أدت إلى الحداثة النقدية مثل عز الدين إسماعيل، وعبد الملك مرتاض،وحميد لحمداني وغيرهم، وفشلت عند البعض الذين لم تكن ثقافتهم مؤصلة من قبل، فالقضية قضية تواصل ثقافي، وقد فهم من الحداثة نوعها الأول، وهو النوع المنكر لكل قديم، بما فيه التراث، وهذه حداثة لم تنجح. ما رأيك فيمن يقولون إن القصيدة تخاطب العقل لا العاطفة؟ القصيدة التي تخاطب العقل قصيدة نظم جاهز، وليست إبداعاً مبتكراً، وإذا لم يهز النص متلقيه، سواء كانت قصيدة أو أي نوع من الأدب، فليس بنص فني، فما هو إلا كلام مكرور، وقول بائت، وهذا سر الإبداع والفرق بينه وبين النص التقليدي والأفكار المعلبة . إذا كانت القصيدة الحديثة فاشلة كما يرى البعض فلماذا هذا الانتشار والكم الهائل لكتابها، وربما وصلت القصيدة الحداثية في السعودية مالم تصل إليه العمودية مثل قصائد الثبيتي القائلون بإن القصيدة الحديثة فاشلة، هذا رأيهم وهم أحرار فيه، وهم كالذين يقولون إنها ناجحة. أما الحقيقة النقدية الواضحة أنها ليست فاشلة، والتعميم لغة الحمقى، ففيها الناجح جداً والوسط والساقط الذي لا يجوز أن يطلق عليه مسمى الشعر، فما هو إلا طلاسم تخلو من المعنى، وحالها حال شعر النظامين، القائم على الوزن الخليلي فقط . وقد سبق محمد الثبيتي عبدالرحمن المنصور، في القصيدة الحديثة، وهما من المبدعين الأوائل . رجاء عالم تغرد خارج السرب هل ترى تجربة الروائية (رجاء عالم) بداية تحديث الرواية السعودية ؟. وما تقييمكم لتجربتها ؟ أحترم رجاء عالم، وهي أبعد ما تكون عن تجربة الرواية الحديثة السعودية، وليس في أعمالها رائحة للوطن، هي كاتبة سريالية، أضر النقد غير الجاد بأعمالها، وهي تكرر نفسها في مواضيع تاريخية أقرب إلى الفكر منها إلى الفن الفكري، كما أنها من الذين يكتبون لأنفسهم، وليس للمتلقي، وستبقى على هذا الحال، كما بقي غيرها يغرد خارج السرب. الغذامي مشروع تصادمي هل نجح مشروع الغذامي في النقد الثقافي ؟ الغذامي له مشروعه الذي يقاتل من أجله، وسواء نجح أو لم ينجح، يكفي أنه صاحب مشروع، وأنا لست مع أصحاب المشاريع التصادمية، فعندما أبحث عن الحقيقة، فإنما أبحث عن الحقيقة بالطرق العلمية، ونحن أصحاب تراث عريق، ننقده ولا نلغيه، فمن سيصدقنا إذا ألغيناه؟ تقول إن النقد الحداثي بدل أن ينقل النص للمتلقي ، جذب المبدع الحداثي الناقد إليه.. كيف ذلك ؟ الناقد الحداثي الذي أعنيه هو ذلك المتطفل على النقد، لم يهضم النص الحداثي المغلق أصلا، فكيف يستطيع نقله بدون معرفة، وبالتالي صار الناقد أشد انغلاقا من المبدع، وصار يدور في حلقة مفرغة ويستعير مفردات المبدع، لعله يخرج من هذا المأزق ، ولم يستطع الخروج منه، وفي الكتاب الذي نقلت منه هذه العبارة شرح يكفي لكشف ذلك الزيف النقدي . ما رأيك في هذه الأسماء النقدية : محمد العباس ، معجب الزهراني، سعد البازعي. لكل مجتهد نصيب. صنع الله ابراهيم يصطاد في الماء العكر اتهمت في مقال لك صنع الله ابراهيم بأنه من تجار المواقف.. وانتقدت بيان المثقفين السعوديين التضامني معه ؟ لم أتهم صنع الله ابراهيم بل قلت الحقيقة، لأن كل الدلائل تشير إلى انتهازيته في موقف كهذا، فهي طبخة لم يحسن مقاديرها، واللجنة التي حكمت عمله ليست لجنة متخصصة، لجنة أضواء إعلامية لا غير، وهم جديرون في تخصصاتهم لكن لكل فن رجاله . قبل بجائزة العويس لأنها بالدولار، ويدعي أنه ضد التطبيع وضد أمريكا، وهو لا يدافع إلا عن يساريته البالية، وأرى أنا وغيري أنه هدم كل أمجاده الروائية بهذا الموقف السخيف، مع اعترافي له بالموهبة الفنية. أما الأخوة أصحاب الشعارات الجوفاء فلم أجد أحداً منهم تضامن مع الأدباء الذين طحنهم الفقر والمرض، أو وقفوا ضد الإرهاب، هل يتضامنون معه على إهانة الرواية؟ ولو كانوا يعرفون قيمة الرواية لما اصدروا هذا البيان العقيم. وما زلت أقول إنه من تجار المواقف ومن الذين يصطادون في المياه العكرة، وما أيده على هذا الفعل إلا من هم أسوأ منه. صنع الله إبراهيم