فيما تتواصل اجتماعات مجلس الحكم الانتقالي العراقي للخروج بحلول توفيقة حول الانتخابات التي تمهد لنقل السلطة للعراقيين، أجرى عضو مجلس الحكم احمد الجلبي اتصالات مكثفة مع المسؤولين الإيرانيين في زيارة يقوم بها الى طهران حول هذا الموضوع ومقترحات السيد علي السيستاني الداعية الى انتخابات فورية تعتمد على البطاقة التموينية التي يحملها العراقيون وتعد بمثابة هوية تؤكد وجودهم في العراق. وفي بغداد يواصل مجلس الحكم الانتقالي العراقي لقاءاته بالحاكم المدني للعراق بول بريمر حول الموضوع نفسه بعد ان وصل الى طريق شبه مسدود بشأن اجراء الانتخابات حيث يبدي أعضاء المجلس آراءهم بشأن الآليات الأفضل لإجراء الانتخابات بعد ان تقاطعت اغلب آراء أعضاء المجلس مع بعضهم. وتأتي اجتماعات المجلس مع تصاعد حدة الخلافات في العراق حول آلية الانتخابات المقبلة والتي ستؤدي حسب اتفاق مع الإدارة الأمريكية الى اختيار مجلس وطني يسعى بدورة لاختيار حكومة وطنية جديدة تمثل الشعب العراقي في منتصف العام المقبل ليتم في ضوئها نقل السلطة للعراقيين والتمهيد لانسحاب قوات أمريكية (وليس القوات) من العراق وفق ما نص الاتفاق. فبعد اجتماعات مطولة عقدها مجلس الحكم الانتقالي العراقي طوال الاسبوع الماضي لاختيار آلية محددة لإجراء تلك الانتخابات اقر المجلس تأليف لجنة من أربعة أعضاء تتولى ايجاد صيغة قانونية ومقبولة للانتخابات بعد تضارب الآراء في شكلها وآلياتها وهو ما كشف عن عدم توصل المجلس الى صيغة نهائية تتحدد بموجبها تلك الانتخابات التي يفترض إجراؤها قبل نهاية شهر يونيو من العام المقبل. وتكشف الخلافات عن وجود اتجاهين للتناقض في المواقف من هذه الانتخابات.. الأول بين مجلس الحكم الانتقالي العراقي والإدارة الأمريكية. والثاني خلاف محلي عراقي - عراقي بين أعضاء مجلس الحكم والمرجعيات الدينية العراقية التي يتبنى أفكارها عدد من أعضاء المجلس. فخلال الشهر الماضي تم توقيع اتفاق بين رئيس الدورة الماضية لمجلس الحكم الانتقالي العراقي جلال الطالباني والحاكم المدني للعراق بول بريمر يقضي باختيار مجلس وطني عراقي يمثل شرائح الشعب العراقي وعشائره وطوائفه عن طريق الانتخاب لمرشحين يمثلون المناطق الإدارية العراقية تقسم على أساس عضو واحد عن كل 125 الف عراقي ، ليصبح عدد أعضاء المجلس الوطني 200 عضو يتولون انتخاب مجلس سيادة من 5 أعضاء وتشكيل حكومة وطنية تتولى نقل السلطة إليها ليتم بعد ذلك إجراء انسحاب أمريكي محدود من العراق ، وقد لقي هذا الاتفاق ترحيبا أمريكيا ضمن خطة ناقشها بريمر في البيت الأبيض وكانت معدة للتنفيذ في العراق ، الا ان اعتراض السيد علي السيستاني الزعيم الشيعي العراقي أوقف العمل بخطة الاتفاق بعد اعتراضه على طريقة اختيار أعضاء المجلس الوطني العراقي الذين كان من المقرر ان يتم تسميتهم بحسب المناطق التي ينتمون إليها بعد الاتفاق بين مجلس الحكم والقوات الأمريكية ، حيث اعترض السيستاني على طريقة اختيار أعضاء المجلس وطالب تجرى انتخابات ديمقراطية شعبية فورية لاختيار الأعضاء اعتمادا على البطاقة التموينية التي يحملها العراقيون منذ عدة سنوات وتثبت انتماءهم الى مناطقهم السكنية. وجاء اعتراض السيد السيستاني بهدف تكوين حكومة شرعية منتخبة وعدم تكرار قضية اختيار أعضاء مجلس الحكم التي يرى العراقيون انهم جاءوا الى السلطة بتعيين من الأمريكان ، وقد لقي اعتراضه قبولا عند رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق السيد عبد العزيز الحكيم رئيس مجلس الحكم الانتقالي في دورته الحالية ، الا انه لاقى اعتراضات كبيرة من عدد من أعضاء مجلس الحكم الانتقالي من بينهم وربما أبرزهم الدكتور احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي ، الذي رأى ان أي انتخابات في العراق لابد والا تعتمد على البطاقة التموينية لان ذلك سيمنع الكثير من العراقيين الذين عادوا من الخارج بعد سقوط النظام او الذين لم يعودوا بعد ويقدر عددهم ب 3 ملايين عراقي من المشاركة في تلك الانتخابات ، كما ان البطاقة التموينية لا تسمح للأكراد العراقيين في شمال العراق من المشاركة حيث كانوا خارج السلطة المركزية خلال حكم صدام حسين ولم يمنحوا البطاقة التموينية و كانت الأممالمتحدة تشرف مباشرة على تزويدهم بالغذاء ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء ، وقد تبنى رأي الجلبي عددا من أعضاء مجلس الحكم الذين وجدوا أنفسهم في ضوء اعتراض السيستاني خارج الدائرة فيما لو حصلت الانتخابات فعلا وفي وقت قريب. الخلافات التي اثارها السيستاني باقتراحه واعتراضه جاءت موجهة ضد الاتفاق الذي رأت الولاياتالمتحدةالأمريكية انه أحلى الخيارات المرة التي توصلت إليها بعد ما واجهته من ضربات وخسائر في جنودها في الساحة العراقية منذ الحرب حتى الآن والتي من غير المرجح ان تتوقف او تتراجع مع ارتفاع نشاط المقاومة العراقية المتصاعدة، أثارت خلافات جديدة حول الآلية التي يمكن اعتمادها للأخذ بنظر الاعتبار اعتراضات السيد السيستاني التي لا يمكن ردها لمكانته الدينية الكبيرة في العراق وعدد اتباعه الكثيرين والذي يعد رأيه مهما في هذه المرحلة ويمكن ان يفشل أي مشروع لنقل السلطة للعراقيين إذا ما فرضته الإدارة الأمريكية دون الرجوع للعراقيين وعلى طريقة تشكيل مجلس الحكم سابقا. ومن بين السيستاني والأمريكان انتقلت الكرة الى ملعب مجلس الحكم ، حيث يرى أعضاؤه القادمون من الخارج انهم قد لا يحققون نتائج مرضية في أية انتخابات شعبية إذا لم يعتمدوا على أصوات العراقيين في الخارج ، وان ذلك سيدعم رجال الدين العراقيين والحركات الدينية الشيعية والسنية على حد سواء بشكل اكبر ويمنحهم فرصة الفوز في أية انتخابات، كما يمكن ان يمنح البعثيين فرصة للتحرك وكسب أصوات لمؤيدين لهم للفوز او المجيئ بمن يرغبون به ، ويبدو ان هذه الهواجس دفعت السيد عبد العزيز الحكيم الى تلين موقفه في مجلس الحكم والقبول بفكرة البحث عن آلية جديدة للانتخاب بعد ان اقر المجلس بالإجماع ضرورة ايجاد هذه الآلية واخذ اعتراضات السيد السيستاني بنظر الاعتبار ، الا ان المجلس لم يتوصل الى نتيجة محددة بل ترك الأمر لاربعة أعضاء منه لبحث تلك الآلية التي يمكن ان تتحول الى هدف لاعتراضات كثيرين آخرين. جدل الانتخابات سيطول في العراق هكذا يرى المحللون العراقيون استنادا الى مصالح الكثيرين الذين يرغب بعضهم ان يتولى مسؤولية في الحكومة الجديدة دون المرور بنفق الانتخابات التي ربما تفقده شأنه، لذلك فان الانتخابات التي بدأ ربطها بالتعداد العام للسكان في العراق يوحي بمحاولة الى تأخيرها او إفشالها لان أي تعداد لا يمكن ان يكون قبل اكثر من عام على اقل تقدير بسبب الفوضى الأمنية التي تعيشها البلاد وهذا ما يعني بقاء القوات الأمريكية وفرض صيغة جديدة قد لا تكون اقل تعثرا من صيغة اختيار مجلس الحكم الانتقالي العراقي.