وصف المراقبون السياسيون والمعنيون بالشأن السودانى فى مصر اتفاق الترتيبات الأمنية الذى توصلت اليه كل من الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في نيفاشا بانه نقطة التحول فى مستقبل السودان وانه يعد اهم الخطوات على طريق احلال السلام هناك. واعتبروا عملية السلام في السودان بهذا الاتفاق قد تجاوزت العقبات والعثرات التى اعترضتها على مدار 7 جولات من المباحثات، فقد أجمع المشاركون فى ندوة الاتفاق على الترتيبات الأمنية ... هل يقود إلى السلام في السودان ؟ والتى نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان على ان السلام فى السودان بات أقرب مما كان عليه فى اى وقت مضى. وقالوا ان اتفاق الترتيبات الامنية الذى توصل إليه الطرفان فى نيفاشا لم يكن اتفاقا عسكريا بقدر ماكان اتفاقا سياسيا ينطوى على قضايا هامة منها الجيش واعادة تشكيله وكذلك برامج اعادة العسكريين المسرحين ومستقبل الميليشيات. وفي بداية الندوة اشار مجدى النعيم المدير التنفيذى للمركز الى ان كلا من الحكومة السودانية والحركة الشعبية قد نجحتا فى احراز تقدم فى مباحثات السلام الدائرة بينهما وذلك بالتوصل لهذا الاتفاق الذي يعد اتفاقا هاما لانه وضع حدا للمعارك التي شهدها السودان على مدار سنوات طوال. واكد النعيم ان التوصل الى الاتفاق على الترتيبات الأمنية يعد تتويجا لجهود الجانبين تلك الجهود التى ستظهر نتائجها فى تنفيذ الاتفاق وما ينطوى عليه من تفاصيل. من جانبها قالت الدكتورة اجلال رأفت استاذ الاقتصاد والعلوم السياسية رئيس لجنة السودان بحزب الوفد المصري ان الاتفاق الأمني جاء بعد 7 جولات من مباحثات السلام بين الجانبين متضمنا محاور ثلاثة هى ضبط العلاقة السودانية بدول الجوار وحق تقرير المصير ووقف القتال وانه جاء بعد الجولة السابعة التي طرحت فيها وثيقة ناكورو التي احدثت ضجة لدى كل من الحكومة السودانية والحركة الشعبية فقد قبلتها الحكومة ورفضتها الحركة وهو الامر الذى ادى الى احداث نوع من تصعيد المفاوضين فاصبحت بين النائب الاول للرئيس البشير وبين جون جارانج الى ان توصلا الى الاتفاق الأمني الاخير. واشارت الدكتورة اجلال الى ان طرفي المفاوضات منذ بداية ماشاكوس فى يوليو من عام 2002 كانا الحكومة والحركة اى الحاملين للسلاح وهما اللذان قادا الجولات الرسمية تحت المظلة والرعاية الامريكية في حين كانت هناك قوى مغيبة عن المفاوضات تمثلت فى قوى المعارضة التى كانت تعمل على المستوى الشعبي وصدرت عنها عدة وثائق اهمها التعدد الوطني واعلان القاهرة ومؤتمر لندن وكان ذلك بمثابة قوى نجحت الى حد كبير فى احداث نوع من الضغط على الحكومة السودانية التى تخلت عن اعتراضاتها الدائمة وأظهرت ليونة فى المفاوضات. وأعربت الدكتورة اجلال عن اعتقادها ان الاتفاق على الترتيبات الأمنية لايعنى نهاية المشاكل التى تستمر حتى بعد الاتفاق، موضحة ان المشاكل المتوقعة منها ما يرتبط بالاتفاق الامنى ذاته وهى تنقسم الى جزءين يتعلق الأول منها بالنتائج السياسية لهذا الاتفاق وما قد يؤدى اليه من تخفيض للجيش على الجانبين وتسريح الميليشيات ومشاكل استيعاب المسرحين من الجيش في المجتمع المدني أو الشرطة اما الجزء الثانى فيتعلق بالحالة الاجتماعية التى يكون عليها السودان خاصة فى ظل اختلاف الثقافات والديانات. اما المشاكل التي لاتربط بالاتفاق بشكل مباشر وغالبا ماستطرح بعده فتتعلق بقضية إشراك القوى السياسية الاخرى وكيف يتم الانتقال من اتفاق ثنائي بين الحكومة والحركة الى اتفاق جماعى توافق عليه كافة القوى والاتجاهات في السودان وكيف يتم بشكل سلمى ترضى عنه المعارضة الشمالية تحديدا وهى التى لم تفوض الحكومة كما فعلت المعارضة فى الجنوب التى فوضت الحركة. وتطرقت الدكتورة اجلال الى مشكلة اخرى من الممكن ان تحدث فى المستقبل وهى المتعلقة بالانتخابات والمقرر اجراؤها خلال 30 شهرا وكيف ستكون نزيهة خاصة وان الحكومة هى التى تمتلك الاموال وبالتالى تتحكم فيها هذا بجانب عدم ضمان العدالة فى عملية التنمية والتوترات العرقية الموجودة فى الشرق والغرب والتطرف الدينى الذى بلغ حد التهديد باغتيال القيادات الاسلامية التى تتحدث عن العاصمة العلمانية هى كلها امور لم يتعرض لها الاتفاق الامنى ثم يبقى فى النهاية الموقف الاقليمى من هذا الاتفاق وايضا موقف دول الشمال خاصة مصر التى اعترضت على ماشاكوس واصبح دورها هامشيا وهل ستقبل به مصر هكذا ام انها ستسعى لتغييره. وقال الخبير العسكرى العميد حمدى جعفر رئيس التجمع الوطنى الديمقراطى السودانى فرع مصر ان ماتم التوصل اليه فى نيفاشا من ترتيبات عسكرية انما هو نتاج لخبرة متراكمة للمفاوضات حول قضية الجنوب والتى بدأت منذ عام 1947 حتى انتهت فى عام 2003 فيما يعرف بالترتيبات الامنية. ووصف جعفر اتفاق نيفاشا وماشاكوس بانه كثير الشبه بما حدث عام 1972 حينما لم تكن هناك جبهة قوية تتكيف مع اتجاهات واهداف الجنوبيين كما هو الأمر الان والذى يفسره مايحدث من جانب الوسطاء امثال الايجاد. وأشار الى انه فى عام 1972 اتفق الشمال والجنوب على جيش موحد على ان تؤول امرة الجيش لرئيس الجمهورية وكانت هناك خطة للدمج الا انها اصيبت بفيروس اديس ابابا الذى ضرب الاتفاقية والذى كان سببا في رفض الرئيس نميري لها وتم تقسيم الجنوب الى ثلاث مديريات ثم جاءت بعد ذلك قوانين سبتمبر واشتعلت الحرب مرة اخرى منذ عام 1983 حتى اتفاق نيفاشا. وأكد جعفر ان الاتفاق الامنى جاء كمحصلة لمحاولات الاستجابة لمطالب الجنوب واعتقده البعض كذلك إلا انه في حقيقته ينطوي على نوع من تكريس ديكتاتورية الشمال لانه يدعو كافة القوى الشمالية للدخول فى عباءة الحكومة اذا ارادت السلطة هذا فى الوقت الذى تعطى فيه القوى المشتركة ميزة للقوات المسلحة قد تؤدى الى كارثة هذا بالاضافة الى انه وفقا لهذا الاتفاق فان القوى المسلحة فى السودان اصبحت مكونة من اربع جبهات يمثلها الجيش السودانى والجيش الشعبى لتحرير السودان وقوات التجمع الوطنى الديمقراطى وقوات دارفور ومن الممكن ان يؤدى الاتفاق بصيغته الحالية الى مشاكل للجيوش الاربعة خاصة وان الاجماع من الاشياء الصعبة فى الجيش. وعن دور الجامعة العربية فى القضية السودانية تحدث السفير سمير حسنى مدير إدارة أفريقيا للتعاون العربى الأفريقى بجامعة الدول العربية فقال إن الجامعة العربية ايدت الاتفاق الامنى باعتباره خطوة على طريق انهاء الصراع في السودان معتبرا ان اتفاق السلام قد تم التوقيع عليه بتوقيع اتفاق الترتيبات الأمنية وان مايفرض الان من قضايا متعلقة بالسلطة والثروة والمناطق الثلاث هى مجرد مباحثات لابد ان تنتهى الى رضا الطرفين اللذين اظهرا مرونة فى المفاوضات فى جولاتها الاخيرة خاصة من جانب الحكومة السودانية مؤكدا ان القضية التى كانت شائكة وتعترض المفاوضات هى تلك التى كانت متعلقة بالترتيبات النهائية وقد تجاوزها الطرفان بالاتفاق الاخير. واعرب حسنى عن أسفه لتغييب الجامعة العربية عن ساحة المفاوضات وقال ان موقف الجامعة كان ومازال مغيبا عن المفاوضات وكأنها ليست معنية بالشأن السودانى وارجع السبب فى ذلك الى عدة عوامل منها ان الطرفين لم يكن لديهما اصرار على وجود الجامعة ولو بصفة مراقب رغم حرص الجامعة على ذلك وتقديمها طلبا بذلك للوسيط الكينى الذى لم يرد عليه وكذلك ماآلت اليه المبادرة المصرية المشتركة من فشل وانتقالها من الحيز السياسى الى الحيز التاريخى بسبب تعالي المبادرة عما اقدم عليه الشعب السودانى من حق تقرير المصير هذا في الوقت الذى كان ينقصها كثير من الادوات والآليات التى تحقق الوفاق الوطني.