يقول الله سبحانه وتعالى في محكم آياته ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) كم استوقفتني تلك الآية الكريمة كثيرا فتلك المهارة الروحانية من أصعب المهارات التي تتطلب جهادا كبيرا مع النفس. اذ أن التحكم في بركان الغضب لا يتأتى إلا لروح لديها قدر كبير من العزم والصبر. وذلك الترتيب الإلهي لتحقق هذه المهارة لم يأت عبثا . تصور ذلك الغضب كسيارة تسير بسرعة 200 ميل في الساعة وتطلب منها أن تتوقف ، تخيل كم الجهد الذي يحتاجه السائق والسيارة لمواجهة هذا الطارئ. فأنت معرض لمواجهة الكثير من المواقف في حياتك والتي قد تفقدك السيطرة على أعصابك. تواجه مثلا مزاجية رئيسك في العمل وانفجاره فيك دون أن ترتكب أي خطأ. تسمع من أحد زملائك كلاما يثير كل حواسك للكمه . تدفع بك حماستك للدفاع عن صديق فتجد سيلا من الاتهامات والكلمات الجارحة . تفاجأ بسلاطة لسان زوجتك في موضوع صغير لا يستحق. أو تفاجأين بزوجك يلتهمك غضبا لمجرد شكوى بسيطة لا تذكر بسبب مشكلة في العمل أو غيره. وأحيانا قد تقود السيارة وإذ بشخص من هؤلاء الذين يضعون ألسنتهم فوق أنوفهم قد يتجاوزك بمنتهى اللامبالاة ورغم ذلك لا يحرمك حلاوة غضبه بأبشع الألفاظ. ماذا تفعل وقتها ؟ المتوقع أن تغضب وتثور ..وقد يبدو الانتقام الفوري هو الحل الأمثل في نظرك مهما كلفك الأمر.... وقد يكلفك الكثير لكن الأهم هو حرمانك من أجر الصبر على إساءة قد يضيف لك استيعابها والتعامل معها نفسا مؤمنة تتأثر بك فتزيد في ميزان حسناتك. فالقوة الحقيقية أن تكظم غيظك وأنت قادر على أن تنفثه. قد تستغرب أننا نفجر احاسيسنا الغاضبة أحيانا لمجرد خوفنا من أن يتهمنا الناس بالضعف . ومع ذلك كلنا يمكننا أن نتخذ مواقف صارمة وحادة أمام كل ما قد يعترض طريقنا ، العاقل فقط من يسيطر على شيطان الغضب في قلبه وعقله ويخضعه لإرادته. ( تصور المتعة ). فأنت تكتم غيظك أمام والديك في حالة أي صدام بينكما ليس من باب الضعف لأنك قادر على الرد والمواجهة بل من باب البر ( منتهى الاحسان ). وأنت تحبس غضبك مع صديق أو زميل أو أخ وأنت قادر على التغلب على منطق السفه في غضبه ، فتكسب رضا الله (و ماأعظم المثوبة) وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم( من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء) .+وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ( من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يريد... ). ولكن علينا أن ننتبه الى أن تراكم المشاعر السلبية دون إيجاد مخرج لها قد يتحول مع الوقت إلى عداوة وحقد . لذلك لا بد أن يتبع كظم الغيظ عفوا وذلك بعد مرور فترة من الوقت تكون الروح قد هدأت وبإمكانها التفكر بهدوء والتأمل فيما حدث. ومن ثم إدراك حقيقة هامة وهي نهاية ما جاء في الآية الكريمة ( والله يحب المحسنين ) فها أنت لم تكتم غيظ وتعفو فقط بل أنك دفعت السيئة بالحسنة فنلت حب الله عزوجل وما أعظمه من حب . الفقير بكبره هو فقط من يستغني عنه .وكلما كررت على نفسك بأن هذه الخطة الإيمانية العظيمة تجعلك أقوى وصلت بالطهارة القلبية إلى أقصى حدودها. ( ماأعظم حكمة الخالق ). لؤلؤة : اللهم أسألك بقوتك وضعفي وبغناك عني وفقري إليك أن أكون دوما كما تحب وترضى