في السنوات الماضية كانت الاكلات الشعبية والمحلية تحتل الصدارة, وكانت لها خصوصية تميزها ونكهة تشد انوفنا من طيب رائحتها الزكية, وكانت الايدي التي تعملها ابرع الايدي فقد عجنت بأيدي الامهات وطبخت بأنفاسهن الزاكية, اللاتي كن يتقن فنونها واصنافها المميزة والشهية حتى انفرد المطبخ الخليجي عن غيره وكانت له الخصوصية والمكانة والسمعة من حيث براعة الاعداد وروعة الاصناف وحلاوة الطعم ونظافة المطبخ. كان الابناء والبنات يتوقون لطعمها وموعدها مسبقا فتجدهم فور وصلهم من المدرسة يتوجهون قبل كل شيء الى المطبخ ليتعرفوا على طبقهم اليومي الشهي تشد انوفهم رائحته الطيبة فيطالبون ويلحون على والدتهم بسرعة اعداده وتحضيره للاكل.. ويتساءلون بتشوق عن طبق العشاء قبل ان يتناولوا طبق الغداء. بهذه الكلمات وبهذا الاشتياق لطبخ البيت تشعر الام بكيانها ومكانها وتشعر ايضا بوجودها فيدها تطبخ وتعد ومن اعدادها يأكل الاولاد والعائلة.. وهذا عين السعادة والرضا الذي يزيد الام بهجة وشعورا بالراحة الخاصة التي لا يدركها غيرها, فيزداد حبها لمطبخها وحرصها على توفير الاكل المميز يدفعها لاضافة نوع جديد من الطعام الشهي تفاجأ به زوجها او اولادها في وقت لاحق. اما اليوم فالوضع غريب جدا بنات اليوم وسيدات المستقبل وامهات الغد لا يدخلن المطبخ ولا يعرفن عن فنونه شيئا او يتحدثن عنه بل انهن ايضا لا يأكلن من طبخ البيت فضلا عن اعداده... فعروض التوصيل من المطاعم تتزاحم والاكلات الشامية والغربية تتقدم على اكلاتنا الخاصة حتى احتلت مكانا في معدتنا ومبلغا خاصة من محفظتنا.. للحصول على هذه الوجبات ليس عليك سوى رفع سماعة الهاتف والقائمة بجوارك وطلب ما يحلو ويطيب لك من الاطباق المتنوعة والغريبة. فقد الغي دور الام داخل المنزل كما الغي دور الزوجات اللاتي لا ابالغ ان قلت انهن لا يعرفن شيئا عن فنون وانواع الطبخ الخليجي المميز الذي كانت تتميز به السيدة الخليجية وتفتخر. اليوم يعود رب الاسرة من عمله متعبا وقبل وصوله تأتيه مكالمة هاتفية من زوجته (سيدة المنزل) وهو في الطريق فتقول (ترى الاولاد ما تغدوا) جيب معاك غداء من المطعم ولا تنسى (البسبوسة والكنافة) عشان نحلي بعد الاكل. هذا في ايام العمل اما في الاجازة فيفضل ان يكون الغداء او العشاء خارج المنزل وفي مطعم مميز!! ربما يقدر للزوجة تزاحمها في ظرف معين او مرض لا سمح الله ويقبل الزوج بيوم راحة واستجمام وتغيير من المطعم. اما ان يلغي دور الام والزوجة كليا ويشطب طبخ البيت من القائمة فهذا ما نقع فيه وهو عين الخطأ. المطاعم يجهل اكثرنا تفاصيلها من حيث نوعية اللحم المقدم وطريقة الاعداد والمواد المستخدمة والايدي العاملة!! فلو تساءلنا مرة قبل القبول او الرفض هل يمكن اعتبار اليد التي تعد في المطعم كاليد التي تعد في المنزل من حيث النظافة والاعداد وهل يمكن الوثوق في غير الاهل في نظافة المأكل, هذا كله لا يمكن لان الشواهد عليه تدينه.. سمعنا كثيرا عن تسمم جماعي وفردي بسبب مطاعم تفتقد الى ابسط شروط النظافة والوقاية, وسمعنا ايضا عن امراض او فيروسات انتشرت بسبب اكلات ملوثة او عمالة مريضة. وكثير من الحالات المرضية اليوم كان من ابرز اسبابها الافراط في الاكلات الجاهزة والدسمة كالسمنة وارتفاع نسبة الدهون وضيق الشرايين وغيرها. لسنا هنا ضد المطاعم وحاجتنا اليها ولكننا ضد الغاء دور المطبخ المنزلي ودور سيدته والغاء دور الام والزوجة لاننا لا نقبل ان يدفن المطبخ الخليجي بروائعه وصانعيه لتحل مكانه اكلات لا يمكن تناولها الا من ايدي الاجانب. هاني علي المعاتيق