يحرص سمير العاروري (30 عاما) على التواجد، بعربته وبغله، عند حاجز سردا في رام الله، مع ساعات الصباح الاولى من كل يوم، لا ليمر الى داخل المدينة، بل لينقل من اراد من المواطنين الفلسطينيين من طرف الحاجز الى الطرف الآخر لقاء اجر من المال. وقبل ثلاثة اعوام، كان سمير يعمل مساعد طباخ في احد فنادق القدس، الا انه مع بداية الانتفاضة في الاراضي الفلسطينية لم يعد بامكانه الدخول الى مدينة القدس فاتجه للبحث عن عمل آخر، ولم يكن امامه الا هذه المهنة. وسمير متزوج وله ثلاثة ابناء، وهو من قرية عارورة التي تبعد حوالى 15 كم شمال مدينة رام الله، وكان لدى اسرته بغل يستخدم في الحراثة وشؤون الزراعة الاخرى. وقال سمير لوكالة فرانس برس : كنت قد مررت على هذا الحاجز اكثر من مرة، وشاهدت العديد من كبار السن والمواطنين الذين يحملون اغراضا ثقيلة اشتروها من المدينة، رأيتهم وهم يجدون في السير مسافة طويلة عبر الحاجز. وتعتبر طريق سردا المنفذ الوحيد الذي يصل وسط الضفة الغربية بشمالها. وقد اغلق الجيش الاسرائيلي هذا المنفذ امام السيارات بحاجزين من الاتربة والحجارة تبلغ المسافة بينهما حوالى كيلومتر واحد يقطعها السكان سيرا الى الاقدام. ويجد الطاعنون في السن صعوبة في قطع هذه المسافة، وكذلك من ابتاع اغراضا من المدينة لاسرته، وقد وجدوا في العربة والبغل ضالتهم التي توفر لهم الوصول الى الجهة الثانية من الحاجز حيث يمكنهم ان يستقلوا سيارة. ولم يكن سمير الوحيد الذي فكر في هذه المهنة، بل ينافسه عشرة شبان ببغالهم وعرباتهم التي جاءوا بها للعمل وايجاد لقمة العيش لاسرهم. ويحاول سمير التميز عن باقي الشبان الذين ينافسونه، فعمل على زركشة عربته بالالوان الفاقعة، ووضع مذياع فيها لنقل الاخبار العاجلة واحيانا بث الاغاني الشعبية لاضفاء لون من البهجة على اجواء رحلته القصيرة. ويقول زركشت عربتي ووضعت مسجلا لجذب الزبائن حتى يركبوا معي كل مرة. وبدا سمير متمرسا في مهنته. ويقول : انجح كثيرا في اجتذاب زبائن جدد، حتى ان اشخاصا اجانب صعدوا معي كثيرا وكانوا يضحكون ويمرحون طوال المسافة. وحول ما اذا كانت هذه المهنة توفر احتياجات اسرته، اكتفى سمير بالقول الحمد لله على كل شيء. وكلما طال اغلاق الطريق، ازداد عدد العاملين في هذه المهنة، وهو ما اشار اليه جاد قطيش (33 عاما) الذي كان يقف مع ابنه وبغله على احد جوانب الحاجز، وبدا انه جديد على المهنة. وقال انه بدأ العمل في هذه المهنة منذ عشرين يوما تقريبا منذ عمليتي القدس وتل ابيب الاخيرتين. وكان الجيش الاسرئيلي فتح طريق سردا بعد ان تسلم رئيس الوزراء المستقيل محمود عباس مهامه. عندها، يقول جاد، تجدد الامل لديه بان يعود الى عمله السابق في مجال البناء ليعول اسرته المكونة من سبعة اشخاص. الا ان الجيش الاسرائيلي عاد واغلق الطريق مجددا عندما وقعت العمليتان الاخيرتان. ولم يجد جاد فرصة للعودة الى عمله. وقال : لم يكن امامي اي شيء لاعمله، فاشتريت البغل وصنعت العربة، ونزلت الى العمل. وتخصص في نقل الاغراض. وعلى غرار سمير وجاد، انتشر العشرات من المواطنين على جانبي الطريق يسعون الى كسب عيشهم من خلال بيع الخضار او الادوات المنزلية والعاب الاطفال، فتحولت المسافة بين الحاجزين الترابيين في فترة الظهيرة الى ما يشبه سوقا تجارية. واختلف تعامل الجيش الاسرائيلي مع الباعة في تلك المنطقة عن تعاملهم معهم قبل شهور، حينما كانوا يجبرونهم على مغادرة المنطقة. ويقول ايوب طرايرة (31 عاما) الذي جاء من بلدة بني نعيم في الخليل الى حاجز سردا ليبيع ادوات منزلية : ان الجيش الاسرائيلي اشترى مني ادوات منزلية. وكان ايوب، وهو اب لستة اطفال عمل كبائع متجول حتى في اسرائيل قبل الانتفاضة، توجه الى مدينة رام الله، الا انه، كما قال، وجد البيع على الحاجز افضل من البيع في داخل المدينة، رغم انه لم يمض على قدومه سوى عشرة ايام فقط. ويغلق الجيش الاسرائيلي كل المنافذ الرئيسية للمدن الفلسطينية منذ بداية الانتفاضة في حين ابقى الطرق الالتفافية حول هذه المدن مفتوحة فقط للمستوطنين.