اصر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على اعتزامه المضي قدما في سياسته بشأن العراق ونحى جانبا الانتقادات الموجهة إليه من داخل حزب العمال وعامة البريطانيين. كما أشار بلير الذي تجاهل نتائج سلسلة استطلاعات الرأي العام الاخيرة واصفا إياها بأنها مؤشرات تعلو حينا وتهبط حينا آخر إلى أنه ينوى حتى ترشيح نفسه لفترة ثالثة في منصبه كرئيس للوزراء عندما تجرى الانتخابات في البلاد،ربما في عام 2005. ويواجه رئيس الوزراء البريطاني مؤتمرا عاصفا لحزب العمال عندما يلقي كلمة أمام المؤتمر السنوي للحزب بعد ظهر اليوم الثلاثاء. معارضة انحيازه لبوش ويعارض العديد من المندوبين بشدة موقفه المنحاز للرئيس الامريكي جورج دبليو. بوش بشأن العراق، وهو الموقف الذي يعتبرونه بمثابة خيانة للتراث السلمي لحزب العمال. بل إن هناك العديد من أعضاء الحزب الآخرين الذين تساورهم الشكوك حيال تعهده بالمضي قدما في إصلاحاته في مجال الخدمات العامة والتي تتضمن دورا أكبر للقطاع الخاص في المستشفيات والمدارس،فضلا عن زيادة رسوم الدراسة بالجامعات. ويواجه بلير موقفا عدائيا من جانب النشطاء في حزب العمال واستياء حتى من جانب حلفائه في المؤتمر العاشر له كزعيم للحزب. فقد بدأ يخبو ذلك البريق الذي شهده بلير من انتصارين كاسحين حققهما في انتخابات عامي 1997 و 2001،حتى أن الكثيرين يعتبرونه الآن زعيما لم يقترب أبدا بالقاعدة الجماهيرية العريضة وفقد الآن صلته بقاعدته الحزبية. وكانت هناك دائما قواعد للصفقة بين بلير وحزب العمال .. فقد تعهد بلير بأن يحول الحزب إلى حزب حاكم بحق مقابل أن يتخلى النشطاء في الحزب عن تمسكهم بإعادة توزيع الثروة في المجتمع. سنوات الانحطاط والان يرى النشطاء من الدلائل ما يدعو للاعتقاد أن بلير تجاوز حدوده في السعي وراء سلطة بلا مبادىء وهم يريدون عودة جديدة للروح الاشتراكية للحزب. والحقيقة أن الرأي الذي انتهت إليه مجلة نيوزويك الامريكية في عددها الاخير بأن بلير يدخل الآن سنوات الانحطاط في السلطة قد أثار تعليقات كثيرة في بريطانيا. كما تعقد مقارنات الآن مع مارجريت تاتشر والتي استطاعت تحقيق الفوز ثلاث مرات في الانتخابات كزعيمة لحزب المحافظين.غير أن حزب المحافظين ثأر منها بسبب سياساتها. ونفس المصير ينتظر بلير الآن، لا سيما في ظل المأزق العراقي،كما يقول كثيرون. ومن استقراء خطابه الذي يستغرق ساعة والمؤلف من ستة آلاف كلمة، فإن المحنة التي تواجه رئيس الوزراء المصر على مواصلة نهجه، تبدو واضحة. وقال بلير في مقابلة نشرتها إحدى الصحف بينما عقد حزب العمال مؤتمره السنوي في بورنماوث: أسوأ ما يمكن أن نفعله في الوقت الحاضر هو التراجع.ومهما كانت النتائج، فإنني أشعر بثقة أكبر في ضرورة مواصلة تنفيذ جدول أعمالنا.وإذا تخلينا عن ذلك النهج، فسيكون خطأ مأساويا. غير أن السؤال المطروح هو كيف يمكن الاعتراف بأن هناك خلافات حول العراق دون ابداء الشعور بالاسي والندم لاندلاع الحرب،وبعبارة أخرى كيف نتحدث لغة العدل والانصاف دون استخدام النظام الضريبى لفرض إعادة التوزيع، فهذه هي الاسئلة المطروحة والتي يثيرها المعلقون المقربون لتوني بلير. * وعندما اقترح أحد مستشاريه أن يستخدم بلير خطابه في العزف على الوتر الحساس للحزب،قال بلير ساخرا حسنا، يمكنني أن أبدأ بالقول .. يا رفاق ، أنا أتحدث كاشتراكي. والواقع أن بلير، وهو سليل أسرة من القانونيين تنتمي إلى الطبقة المتوسطة الثرية في اسكوتلندا، لم يستطع في أي وقت التحدث بهذه اللغة، والمؤشرات تدل الآن على أنه سيؤكد على العدل والفرص المستقبلية للمحرومين،بدلا من التعهد بإجراء أي تغيير جذري بشأن توزيع الثروة في بريطانيا. 40% يريدون استقالته ويرى النشطاء في حزب العمال أن هذا ليس كافيا.وتبين من استطلاع للرأي أجرى عشية انعقاد مؤتمر حزب العمال أن أكثر من 40 في المائة من أعضاء الحزب يريدون استقالة بلير قبل الانتخابات القادمة فيما يعتقد ما يقرب من 60 في المائة أنه كان أخطأ حين شارك في الحرب ضد العراق. ومثلما تساءل المحافظون عن مصير تاتشر في عام 1990،يعكف حزب العمال الآن على البحث عن نفسه من خلال طرح سؤال هام:هل زعيمنا يمثل رصيدا وعونا في الانتخابات- أم أنه يشكل عبئا؟. الحزب في خدمة رئيسه من جهة أخرى اعلنت ادارة حزب العمال البريطاني ان اي مذكرة بشأن العراق لن تطرح لتصويت ناشطي الحزب خلال مؤتمره السنوي في بورنموث (جنوب)، مما يجنب رئيس الوزراء توني بلير ضربة محتملة من قاعدته. وسيكتفي مندوبو الحزب بمناقشة بشأن العراق ستجرى غدا الاربعاء، بحضور الرئيس الافغاني حميد كرزاي ووزيري الدفاع جيف هون والخارجية جاك سترو. وحدد المشاركون 13 موضوعا سيناقشها الناشطون في مؤتمرهم الذي افتتح مساء الاحد يتعلق اربعة منها بالسياسة الداخلية حصرا، وهي التوظيف والصحة والصناعة ومعاشات التقاعد. ورفض المندوبون الذين يشكل الممثلون النقابيون نصفهم تقريبا، الاحد مناقشة القضايا الدولية. وقد اختار 5ر21% فقط من اعضاء الحزب ادراج العراق على جدول اعمال المؤتمر بينما اكد 8ر7% من الاعضاء انهم يريدون مناقشة قضية اليورو و5ر9% يأملون في البحث في مسألة معتقلي غوانتانامو وبينهم تسعة بريطانيين.