قبل ان ينهي وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد لقاءاته بالجنود الأمريكان في مدينة الموصل فقبل ان يختتم زيارته للعراق جاءته الرسالة الشديدة البليغة بمقتل عدد من الجنود الأمريكان قرب جامعة الموصل في عملية استهدفت مدرعة أمريكية كانت تقف عند أبواب الجامعة، بينما كانت الرسالة الثانية في ساعة مغادرته للعراق وهي مهاجمة طائرة انطلقت من مطار بغداد ظن المقاومون انها تحمل رامسفيلد ولكن النتيجة جاءت بالخطأ . وحين وصل رامسفيلد الى بغداد وتجول في عدد من المدن التي تشهد عمليات مقاومة يومية كانت مهمته الأولى هي رفع معنويات الجنود الأمريكان والتقليل من شأن المقاومة والضربات التي يتلقونها ودفعهم للاستعداد للبقاء مدة أطول في العراق ، لم تكن نتيجة ما رآه سارة له ، ويبدو ان طلب الرئيس الأمريكي بوش من الكونغرس ل 87 مليار دولار إضافية لدعم احتلال العراق كانت واحدة من نتائج الزيارة . الرسالتان اللتان تلقاهما رامسفيلد في العراق غيرت الكثير من مهمته خاصة بعد ان التقى بعدد من أعضاء مجلس الحكم بعد ساعات من هجوم الموصل الأول ، مما دفعه للاستماع بشكل دقيق الى مطالب العراقيين باستلام الملفات الأمنية او توسيع صلاحياتهم فيها ، ومن هنا كانت الثغرة التي وقع فيها والتي مهدت لاعضاء مجلس الحكم مطالبته بان يتولى العراقيون مسؤولية حماية الحدود لمعرفتها الدقيقة بتفاصيلها ، وهو الأمر الذي لم يتمكن من رفضه في الوقت الذي كان يبحث فيه في العراق عن أي خيط يتمسك به لوقف عمليات المقاومة ضد الجنود الأمريكان وحماية تدفق النفط في وقت تعيش فيه الولاياتالمتحدة أزمة دولية وهي تستجدي الجنود من دول العالم لحماية جنودها وتعاني أزمات مالية لإدامة الاحتلال وحلها الوحيد باستثمار النفط العراقي ، فكان المقترح العراقي يتمثل في ان تتولى قوات كردية حماية الحدود مع إيران من شمال العراق ، فيما تتولى قوة تابعة لاحد أعضاء مجلس الحكم حماية المنطقة الوسطية وهو كريم المحمداوي ، فيما تتولى قوات فيلق بدر حماية الحدود على الجنوب في البصرة ، وهكذا وافق رامسفيلد على ما كان يرفضه منذ عدة اشهر. ومع ان هذه المناطق الحدودية كانت قبل ذلك التاريخ بيد هذه القوات العراقية بالذات ، الا ان رامسفيلد وجد نفسه في مأزق للاعتراف بهذه القوات بعد ان تأكد من حقيقة فشل القوات الأمريكية في حماية أمن جنودها في العراق ، في ان تتراجع القوات الأمريكية عن دورها قليلا بعد ان فشلت في وقف الهجمات ضدها ، وبعد ان تسببت أساليبها في المداهمة لبيوت العراقيين بحثا عن الأسلحة او رجال المقاومة في زيادة الرد على تلك الأساليب وزيادة عدد القتلى الأمريكان في العراق . العراقيون أدركوا ان أمريكا تمر بأزمة قد ترمي بها الى الفشل وهي لم تجد من ينقذها من المستنقع العراقي ، بعد رفض فرنسا وألمانيا للمشروع الأمريكي ورفض الدول العربية إرسال قوات الى العراق ، فالتجأت الى العراقيين ، (وأهل مكة أدرى بشعابها ) ، وما على رامسفيلد الا الرضوخ للأمر الواقع بعد ان أصبحت عمليات التفجير في العراق شبه يومية ، ولكن الأمر الأهم الذي يفسره العراقيون هو ان أمريكا التي لم تستطع حتى الآن ان تصدر النفط العراقي كما تريد وتخطط لذلك بسبب تردي الوضع الأمني وضرب أنابيب النفط بعد ساعات من كل مرة يتدفق فيها النفط العراقي وهو اكثر ما يهمها ، لذلك فمن مصلحتها ان تتعامل وترضخ لمجلس الحكم العراقي في موضوع الملف الأمني حيث اصبح مجلس الحكم يدرك اللعبة السياسية اكثر من أمريكا نفسها ، وهو الأمر الذي يقلق بشأنه بعض المراقبين فيترقبون بدقة متى يبدأ الصراع الحقيقي بين مجلس الحكم وأمريكا التي لا بد ان في جعبتها أسرارا ومفاجآت لا تريد ان تطرحها في الساحة الآن . موضوع النفط قد يكون مفتاح الصراع ولكن الى حين ، حتى تبدأ عمليات خصخصة شركات النفط العراقية بعد عام تقريبا كما صرح وزير النفط الجديد إبراهيم بحر العلوم حيث ستكون للشركات الدولية حصتها أيضا وتبدأ المنافسة من جديد ، ولكن أمريكا لا تريد ذلك اليوم ، قبل ان تبدأ باستثمار النفط العراقي الذي يعرف رامسفيلد بوصفه تاجر نفط أهميته الآن ، وقبل ان تنقلب الطاولة ، لذلك فان أمريكا حرصت الآن على حماية هذه الأنابيب بعراقيين مقابل مبالغ مالية حيث أعلن متحدث رسمي باسم القوات الأمريكية في العراق ان هذه القوات ستبرم عقودا مع شيوخ ووجهاء العشائر التي تمر فيها أنابيب النفط لحمايتها بعد ما تعرضت له من هجمات وتشير المعلومات الى ان الحماية ستكون مقابل مبالغ مالية حيث ستتراوح حماية الكيلو متر المربع الواحد بين 100 - 120 دولارا يوميا توزع على عدد الحراس القائمين بالمهمة.