تدرك المملكة وروسيا بصفتهما أكبر مصدرين للنفط في العالم مسئولياتهما نحو استقرار سوق النفط، على اعتبار ان مصالحهما تتأثر وبشكل مباشر نتيجة عدم استقرار اسواق الطاقة والتقلبات التي تشهدها الاسعار العالمية للنفط، حيث ان عملية التأرجح الكبيرة فى الاسعار لا ترضي أيا من المنتجين أوالمستهلكين. وبادرت المملكة ومن خلال زيارة صاحب السمو الملكي الامير عبد الله بن عبد العزيز الى روسيا الاسبوع الماضي الى احياء الشأن النفطي المشترك بين البلدين الذي كان يشهد حالة من الانقطاع، من خلال البحث في كيفية ايجاد التنسيق المشترك والمتوازن للمصالح المشتركة بين عملاقي الانتاج والتصدير النفطي . وبما أن روسيا تعتبر ثاني منتج للنفط عالميا فهي تبدي اهتماما تجاه العمل على توطيد العلاقة وتعزيز تواجد الشركات الروسية فى المملكة بوصفها منطقة هامة.. خصوصا فيما يتعلق بتنفيذ مشاريع الغاز المطروحة بمبادرة من قبل صاحب السمو الملكي الامير عبدالله، حيث تركزت المباحثات الاخيرة على هذه المبادرة .. التي تفترض الاستخراج المشترك لحقول الغاز والتنقيب الجيولوجى للحقول واستخدام الغاز فى تحلية المياه ومد خطوط نقل الغاز وتشييد المحطات الكهربائية العاملة بالغاز وتشييد مشروعات الصناعات البتروكيماوية فى اراضى المملكة. ويبدي الجانب الروسى اهتمامه بالمشاركة فى كل هذه المشروعات من خلال المناقصات العلنية التي تبلغ تكلفتها من 20 الى 25 مليار دولار، وقد تطابقت المواقف السعودية والروسية فى هذه المسألة على وجه التحديد.. فيما تطابقت حول ما تعلق منها بالحفاظ على اسعار نفط عالمية مستقرة ضمن حدود هامش يتراوح بين 22 و 28 دولارا للبرميل. كما هو معلوم فان استقرار الوضع فى الاسواق النفطية العالمية يعتمد بشكل رئيسي على السياسة التي تنتهجها المملكة وروسيا بصفتهما أكبر منتجين للنفط في العالم بالتعاون مع منظمة أوبك ، بالاضافة الى ما تبديه موسكو من التزام تجاه الدول المنتجة في المنظمة من حيث تحديد سقوف انتاجها بما يخدم مستوى الطلب العالمي دون اللجوء الى فوضى الاغراق التي من شأنها تحطيم الاسعار وتعطيل مصالح جميع الاطراف. لقد أبدى رئيس الحكومة الروسية ميخائيل كاسيانوف عند اجتماعه بسمو ولي العهد أهمية كبيرة للاتفاقية التي تم توقيعها في اطار التعاون المشترك بين البلدين في مجالات النفط والغاز. على اعتبار ان الهدف من تطوير الجانب الاستثماري في الصناعة النفطية سيعود بالخير على الجانبين السعودي والروسي ، فيما ينعكس وبنفس الوقت وبنسبة كبيرة على عموم منطقة الشرق الأوسط . وعلى ما يبدو فان رجال الاعمال الروس كانوا بانتظار احياء هذه العلاقة حيث أبدوا اهتمامهم الكبير فى تنفيذ مشاريع متعددة فى المملكة خاصة فى مجال بناء المحطات الكهربائية ومد انابيب الغاز واقامة مجمعات لمشتقات النفط واخرى للغاز الطبيعي . وقد اعلن وزير الطاقة والوقود الروسي ايغور يوسفوف ان 51 شركة روسية ابدت اهتمامها بالمشاركة فى المناقصات التى تجريها وزارة البترول والثروة المعدنية فى المملكة مبينا ان اتفاقية التعاون فى المجالات النفطية بين موسكو والرياض لا تتناقض على الاطلاق مع الاتفاقية الروسية الامريكية للتعاون فى مجال الطاقة. لقد جاءت زيارة ولي العهد الى موسكو في الوقت الصحيح وذلك على مختلف المستويات، وقد وصفت بأنها حدث تاريخي كونها تمثل نقطة انعطاف في العلاقات بين البلدين الصديقين . ووقع الطرفان الاتفاقية الحكومية المشتركة للتعاون في مجال النفط والغاز إلى جانب بروتوكول التعاون بين غرفتي التجارة والصناعة في البلدين، حيث تضمنت اتفاقية التعاون في مجال النفط والغاز، تشكيل مجموعات عمل مشتركة لبحث القضايا الخاصة بالتعاون في هذا المجال، ونصت الاتفاقية التي بلغت قيمتها الإجمالية ما بين 20 و25 مليار دولار، على عزم الطرفين إنشاء مؤسسات مشتركة من أجل تنفيذ المشروعات النفطية والغازية، وكذلك إجراء الأبحاث العلمية المشتركة الموجهة إلى استخدام أحدث التقنيات في مجال استكشاف مكامن النفط وحفر الآبار، وتقنيات الإنتاج والتكرير والتخزين والنقل. وعلى الرغم من ان روسيا ليست عضوا في منظمة "اوبك" الا ان من مصلحتها الدائمة المحافظة على استقرار الاسعار في سوق النفط العالمية، حيث تطرقت المباحثات الى هذا الموضوع، فيما علق وزير الطاقة الروسي على الاتفاقية بقوله إن البلدين اتفقا على القيام بمراقبة مشتركة لأسعار النفط الخام في السوق العالمية. في اشارة الى اتفاق البلدين على التعاون في تنسيق عمليات تصدير النفط إلى الأسواق العالمية. وكذلك التعاون بين شركات البلدين في تنفيذ مشروعات البتروكيماويات في كل من روسيا والمملكة، وتشجيع رؤوس الأموال السعودية على الاستثمار في الاقتصاد الروسي. هذا من جانب، ومن جانب آخر فان المملكة تسعى إلى الدخول في اتفاقية مع روسيا كمحاولة سعودية لاستقطاب روسيا لتكون الى جانب منظمة أوبك أو عضوا فيها. ورغم أن روسيا تعمل بصورة خاصة على تقديم مصالحها على مصلحة منظمة أوبك، إلا أن المملكة تحاول استقطاب موقف روسي أكثر التزاماً لصالح المنظمة واستقرار أسواق النفط. ويؤكد المراقبون على ان التوقيت السعودي للمحادثات جاء مناسبا ، لأنه على الرغم من معدل الإنتاج الروسي المرتفع (ارتفع الإنتاج بنسبة 11%، وزادت الصادرات بنسبة 15% في أغسطس مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي)، فإن أسعار أوبك تزال مرتفعة ومستقرة فوق معدلات ضبط الأسعار التي حددتها المنظمة كمؤشر لرفع أو خفض الإنتاج. والسبب الوحيد الذي يبقي أسعار نفط اوبك مرتفعة في هذا الوقت، الظروف السياسية الدقيقة التي لا تزال سائدة في العراق، فإذا استقرت الأوضاع السياسية في العراق، فإن أيا من دول الإنتاج داخل أوبك، ستضطر إلى الدفاع عن الأسعار، أو حماية نفسها من النتائج غير المحسوبة في السوق. ويعتمد الروس على إيرادات النفط بشدة، واستطاعت شركات النفط الخاصة زيادة الإنتاج بنحو 50% في غضون الأعوام الخمسة الأخيرة بفضل الأسعار المرتفعة لتصل لأعلى مستوى منذ انتهاء العهد السوفياتي عند 8.6 مليون برميل يوميا.