قالت القاصة وكاتبة السيناريو تماضر الموح ان البيئة لها دور كبير في شخصية الإنسان وترك بصمات واضحة على حياته وطريقة تصرفه, وحتى في حواراته وكلامه. فأبناء الصحراء يتصفون بالخشونة والجدية والقسوة, والتكوين الشخصي مبني على أسس صحيحة, وليس ثمة خطأ في ان يطور الإنسان نفسه في الشكل الخارجي ويواكب التطورات التي تجري على مستوى العالم شريطة ان يحافظ على جداراه الداخلي ويبقى جوهره نظيفا. ولا شك في ان هناك لمسة من البيئة على المبدع, فابن البحر مثلا نلاحظ انه رومانسي حتى في المفردات الأدبية وفي وصف الأرض ونحن ككتاب فراتيين يستحيل ان تمر على جملة من جملنا إلا وهي ممتزجة بالبيئة الفراتية. وربما هذا سر اهتمامي بالبيئة البدوية وهي اكثر اعمالي التلفزيونية التي نبعت من تلك البيئة التي مهدها الصحراء والجفاف والقسوة. وتضيف ان لولدي فضل كبير في توجيهي, حتى من حيث لا يعلم, حيث كنت القارئة الأولى لنصوصه منذ صغري قبل ان يقرأها مراقب النصوص, فكان معلمي الأول في مادة السيناريو. مشيرة الى انها لم تكتب السيناريو إلا بعد وفاته حيث اكملت مشاهد من سهرة تلفزيونية كان قد بدأ بها قبل وفاته, وكان ينقصها اربعة مشاهد فكتبتها واستطعت ان انطلق بعدها في عالم الكتابة للتليفزيون. وتؤكد الموح انها تجد نفسها في القصيدة وبالذات القصيدة الشعبية, حيث ان الشعر اكثر قدرة على اخراج ما في داخل الإنسان, الشعر يخرج من داخل الروح فهي تمتزج بشكل كامل وتتفاعل مع الذات الخارجية لتتفرغ على شكل قصيدة وهي بذلك تختلف عن الكتابة القصصية والدرامية حيث انها عبارة عن نسيج متكامل يمكن السيطرة عليه وتبديله وتغيير الأماكن والزمن اما الشعر فهو شيء مختلف. مضيفة ان الكتابة للتلفزيون أشبه بالمهنة فقد تعودت ان أكتب بشكل روتيني, وكثيرا ما أكلف من قبل مؤسسات الانتاج لكتابة سيناريوهات. وتقول الموح حين يداهمني الشعر لا أملك إلا ان اترك كل ما في يدي لأتوجه اليه طائعة, لان القصيدة تحتل كل ما حولها وتسيطر عليه, وتكون اقوى مني أنا شخصيا فأنا كيان اتفاعل مع الشعر وانجرف معه بالضبط مثل تيار البحر, ولكنه رحيم ورؤوف معي فلا تأتيني هذه الحالة إلا نادرا فلو تعامل معي كالأمواج لما تمكنت من كتابة مسلسل واحد. وتقول الموح: ان الكثير من الشعراء يتخذ الشعر كموقف آني, ولا يتخذونه كهم وكقضية مصيرية او مشروع ثقافي حياتي يعمل عليه وانما يتخذه للمناسبات والحالات الشعورية الخاصة فلا يكتب قصيدة إلا في حالات خاصة, كما انه لا توجد مؤسسات او جهات معينة تعتني بهذا النوع من الإبداع رغم أسبقيته وتفوقه في كثير من العصور حتى انه يلقب في السابق بديوان العرب وذلك لانه بقي فترة طويلة من الزمن يحظى بالمرتبة الأولى بين الفنون الأخرى. أما وقد برز الكثير من المنافسين فانه لم يعد يتمكن من البقاء في نفس المركز دون تصدي القائمين عليه بهذه المهمة, ولم يعد الشعراء وحدهم المسؤولون عن هذه الحالة وانما الجهات المختصة والمنتديات الثقافية والأدبية لها دور كبير في ذلك. اما الشعر الشعبي فيعتقد البعض انه سهل وهذا خطأ كبير يجب الالتفات اليه, إذ ان القصيدة الشعبية بحاجة الى عناية فائقة واهتمام من نوع خاص, ربما يفوق أحيانا العناية بقصيدة الفصحى, وأتمنى في هذا المجال تأسيس رابطة للشعراء الشعبيين, لكي نحافظ على الشعر الشعبي على امتداد الوطن العربي, ففي كل قطر هناك شعراء يكتبون هؤلاء بحاجة الى تجمع يحميهم من الدخلاء ومن دخول كل من كتب كلمتين ان يكتب الشعر الشعبي اعتقادا منه بسهولة كتابته ووصوله الى الجمهور. مشيرا الى ان المجلات والجرائد التي تهتم بالشعر الشعبي وهي كثيرة جدا أصبحت مثل الهم على القلب وبدل ان تساهم في تطوير الشعر الشعبي أخذت تشارك في قتله ودفعه الى هاوية الاسفاف والتباسط. وفي كتابة السيناريو تقول: أنا محايدة جدا, وليس لي مواقف مسبقة تجاه الرجل او المرأة سواء بالسلب او بالإيجاب, وحدث ذات مسلسل ان اختلفت مع المخرجة لانها كانت تريد ان تنهي المسلسل نهاية غير منطقية بجعل البطلة مظلومة ورفضت التعاون معها لهذا السبب لان قناعاتي تملي علي ان أسير وفق خطة منهجية تحمل أفكارا سليمة تجاه المرأة والرجل, والمرأة يمكن ان تكون مظلومة كما يحدث ان تصبح ظالمة او متسلطة وهذه طبيعة الحياة واذا كان العمل يقتضي ايا من هذه الأدوار فانه يتحتم عليّ ان اكتب وفق هذه المعطيات اما ان أقسر العمل على دور معين او نهاية مقصودة فهذا يضر بالعمل كما يضر بي ككاتبة لي سمعتي ولي أفكاري وقناعاتي قبل كل شيء. ومضيفة ( لا عاشت الكتابات التي لا تناقش الأفكار) هذا بالنسبة للمسلسلات التي اكتبها بنفسي.. اما اذا كانت الفكرة مقدمة لي من قبل أطراف أخرى مثل المنتج, فانني احاول ألا تكون متناقضة مع أفكاري وقناعاتي وأحاول طرحها باسلوب يتوافق مع تلك المبادىء وبالطبع بالطريقة التي لا تجعلها متناقضة مع الموضوع العام والفكرة العامة للعمل بحيث أكون متناقضة مع نفسي. اما المسلسلات والكتابات غير الهادفة فانها بعيدة كل البعد عن متناولي ولا يمكن ان اكتب عملا يخلو من أي هدف او تقديم أي رسالة. أما عن الأفلام والسينما فتقول: لا أحبذ كتابة الفيلم لانه ببساطة يهضم حق الكاتب وتذهب الأمجاد والمكاسب المادية والمعنوية للمخرج ويبقى الكاتب على الهامش, وبصراحة لا أفضل ان أهدي عملي وجهدي لشخص آخر يجنيه بأقل جهد ممكن وبأقل التكاليف. ومن واقع تجربتي التي لن أكررها قمت بكتابة مسلسل تسجيلي إلا انني لم أحصل منه على نتيجة تذكر, حيث شارك الفيلم في احدى المهرجانات المحلية وحصل الفيلم على عدة جوائز ذهبت كلها للمخرج, على انه شارك في العمل بجهده ولكن هناك مجهودات أخرى في الفيلم ذهبت ادراج الرياح, ولست مستعدة للذهاب خلف هذه المغامرة مرة أخرى.