من أهم الأشياء التي أثرت على شخصيتي ونظرتي للحياة تجربة مهمة في صغري، ساهمت بشكل كبير في صياغة آلية التعاطي مع الأشخاص والقدوات من حولي، حيث كان والدي معلماً لإحدى المدارس الابتدائية البعيدة عن الحي الذي نسكنه، وكنت أدرس في تلك المدرسة التي يعمل بها والدي، ووفقت بمعلمين كبار كانوا على مستوى كبير من الاتقان والإخلاص في عملهم التعليمي والتربوي، بل كانوا يمارسون طقوساً مثالية في التربية، وقد تُوبخ بعنف لأنك مضغت قطعة من اللبان - الذي لا يليق - داخل حرم المدرسة، فهم يظهرون كقدوات مثالية أمام طلابهم، وفي الليل يأتون للسهر مع والدي في منزلنا، وحينها أجد شخصيات أخرى غير تلك الشخصيات الملائكية التي أعرفها في النهار، وكانت أعين الطفل الصغير الذي لم يصل لسن السابعة بعد توثق بصمت كل التجاوزات والخروقات اللفظية، ولا تسألوني عن حدود التبسط والمزاح بين هؤلاء الأصدقاء الذين سيتوجهون إلى مدارسهم في الصباح.! الانبهار المطلق بالشخصيات أو المجتمعات يجعلك تنقاد بلا وعي، وتقتدي بما يجب وبما لا يجب، وبذلك أنت تهين شخصيتك وعقلك لأن هذا الانبهار جعلك في حالة خضوع لا عقلاني لهمالغريب في الأمر، أن هذا الحدث الجلل لطفل بمثل سني لم يولد صدمة عنيفة أو عقدة قاسية، بل أنجب «فرزاً» مبكراً يبحث عن عظمة إنتاج الناس في صباحاتهم ويتجاهل عيوبهم البشرية في مساءاتهم، وصرت أبحث عن ميزات أي شخص لأتعلم منها، ولا أصدم بخطأ أي عظيم. إننا نعيش تطرف فريقين في أزمة «القدوة»، وتاه الناس بين نار تحرق كل القدوات وتريد إسقاطهم، وبين طوفان يقدس القدوات ويجعل منها أصناماً ليطوف الناس حولها. القدوة المطلقة لا توجد إلا في شخص العظيم محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه ربه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، وغيره يقتدى به في جوانب التميز والإحسان فقط. كثيرا ما ينجذب الناس للقدوات التي تحمل شخصية «كاريزمية»، وهذا لن يكون إيجابياً إلا إذا كان المحتوى الذي تقدمه هذه الشخصية جيدا، فالكاريزما وحدها لا تقدم شيئاً، وهي بذاتها منحة إلهية، وليست صفة مكتسبة يمكن الاقتداء بها. الانبهار المطلق بالشخصيات أو المجتمعات يجعلك تنقاد بلا وعي، وتقتدي بما يجب وبما لا يجب، وبذلك أنت تهين شخصيتك وعقلك لأن هذا الانبهار جعلك في حالة خضوع لا عقلاني لهم. الاقتداء الجزئي المتنوع هو ما تحتاجه في حياتك، فكل إنسان أمامك مهما كان هو كتاب، ودورك أن تبحث عن أهم سطر عنده لتضيفه لكتابك الشخصي، وكما قيل في الأثر: (الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق بها)، ولا يحرمك سوء أفعال شخص من التعلم مما يتقن. وفي الأخير ستجني الكثير عندما تكون قدوتك التجربة.