في أزقة الحياة وتحت سمائها، شاع في بيئتنا أن نتعلم ممن يكبروننا عمراً، ويتجاوزوننا خبرةًً وتجارب، وظل هذا العرف يلمع في الأذهان دوماً دون مراجعة أو تبيان. هذه القواعد التي يعتبرها البعض من المسلمات، يعتبرها البعض الآخر محل نظر وتفحص، جعلتني أسأل سؤالاً حول هذه الفكرة الشيقة، وهي هل جربت أن تتعلم من الأطفال؟ إجابة السؤال تفتح لنا منطقة قد تكون معتمة في عقولنا، فالبعض لا يرى الأطفال شيئا، بل يحتقر آراءهم وأفكارهم، وكأنه هو من جاء بنظرية نسبية جديدة تنقض نظرية اينشتاين!! لقد جربت أن أتعلم من الأطفال صفاء السريرة، والاستمتاع باللحظة، والابتسامة من الأعماق، تعلمت منهم وهم اصغر مني بكثير كيف يتخاصمون في اللعب وتعلو الأصوات وربما تصاعد غبار المعركة، لكنهم يعودون بعد قليل إلى واحة الحُب واللعب والتصالح من جديد، بلا حقد أو أنفس سوداء ودون غل ورغبة في الانتقام!! الأطفال يعلموننا الكثير لكن البعض لا يرى هذه الرسائل العميقة والسلوكيات الجديرة بالملاحظة، من أشخاص تجربتهم في الحياة هي عشر معشار تجربته، لكن ربما البعض اصيب بداء البارانويا (داء العظمة) ودخل الغرور إلى روحه فأرهقها والى عقله فعطله. ما أجمل تلقائية الأطفال حيث تنتقل المشاعر بانسياب، والكلمات برشاقة والتصرفات بعفوية، لقد تعلمت منهم درساً كبيرا اسمه البساطة التي تخطف القلوب وتأسر العقول، فلا تكلف ولا تزلف ولا رسمية تزيد من حجم الفجوة بيني وبين الآخرين. لم يتجاوز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك الصبي بالشراب الذي كانت يدور على الصحابة -رضوان الله عليهم-؛ لأنه قدر انه صاحب الحق، به حسب الدور وانه هو قائد المستقبل كذلك، ولقد تنبأ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بمستقبل كبير لعبدالله بن الزبير -رضي الله عنه- من منطقه الكبير وهو يلعب مع الصبية في الطريق، حينما هربوا جميعاً وهو لم يهرب. وهاهم الأطفال يشاركون في بعض ورش العمل وحلقات النقاش المهمة في دول كثيرة؛ للاستماع إلى ما يطرحون، فخلف تلك التأتأة الكثير من الأفكار والإبداع الذي يوزن بالذهب. والعجيب هنا، أن بعض من نُحب لا يزال يحتقر الطفولة، ويأسرها في ألفاظ دونية، مثل: «بزر، أو جاهل» أو غيرها من معاني التحقير والتصغير التي تدل على مستوى التهميش الذي يراد من ذلك. جرب أن تتعلم من الأساتذة الجدد فلديهم الكثير، وان لم يكونوا قادرين على ايصاله ولكنك تفهم من عيونهم وسلامة صدروهم وسعادة اللحظة التي يعيشونها، ولمساتهم الحانية وخيالهم الواسع الجميل الذي يعتبره البعض هرطقة، وهو لا يعلم أنه لولا الخيال لما اخترع الكثير مما حولنا الآن. سوف أظل أتعلم من الأطفال، فلديهم الكثير من المعاني والقيم والصور وردود الأفعال التي ربما افتقدها بعض من هم من أكثر الناس علما، أو أكبرهم منصبا أو أكثرهم جاها ومالا . سوف أعكف قدمي مجدداً تحت كرسي أستاذي الجديد، وأتعلم منه بعداً جديداً من الجمال والمتعة والفائدة، ودروساً جديدة في الحياة، فهل تشاركونني هذه الرحلة الشيقة مع الطفل الأستاذ؟؟ تويتر @sultanalothaim