يسبح الكتاب أحيانا عكس تيار المعرفة السائد في أذهان كثير من الناس عن العراق واقلياته ويحتوي على معلومات قد يكون بعضها جديدا بالنسبة إليهم سواء رفضوه أم قبلوه. وهو في كل حال عمل تثقيفي مكثف تميز أيضا بكونه منبرا لمجموعة فكرية من جماعات عرقية ودينية وثقافية مختلفة تكلمت عن نفسها بنفسها وبدت على وفاق مبدئي كأنها فريق واحد على رغم اختلاف منطلقاتها ومن خلال مواد الكتاب التي يعرضها مؤلفه سليم مطر وعدد من الباحثين والمفكرين من اقليات مختلفة يصل هؤلاء جميعا الى نتيجة هي انه لا نهاية لمشكلات العراق الحالية والقادمة التي يرونها اشد خطرا الا بعراق يتميز بالتعدد ضمن الوحدة ويشترك فيه الجميع بمساواة تجمعهم امور يتوهمون انها تفرقهم وعلى رأسها الارض والتاريخ. حمل كتاب الروائي والباحث العراقي مطر عنوان (جدل الهويات.. عرب.. اكراد.. تركمان.. سريان.. يزيدية.. صراع الانتماءات في العراق والشرق الأوسط) وقد صدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر وجاء في 308 صفحات من القطع الكبير اشتملت على ستة فصول وفصل خاص حمل عنوا (ملاحق معلوماتية وصحفية) وساهمت في اعداد الكتاب المحامية البغدادية الكردية عشتار البرزنجي بالاشراف على اختيار موضوعات الفصل الخاص بالاكراد وتنسيقها. واشترك الكاتب العراقي التركماني نصرت مردان باعداد الفصل الخاص بالتركمان وساهم الباحث السوري السرياني شمعون دنحو في تنسيق وكتابة بعض موضوعات الفصل الخاص بالسريان اما الفصل الخاص باليزيدية فقد شارك في كتابته الباحث العراقي وامير الطائفة اليزيدية انور معاوية الاموي. يقول مطر: ان هناك تداخلات كثيرة بين السكان في المناطق العراقية لكن هناك ايضا حواجز ثقافية وخلافات سياسية كثيرة خصوصا في المدن الكبرى مثل الموصل وكركوك واربيل وهذا ما كان ومازال يؤدي الى مصادمات عنيفة ومشاريع متنافسة بل ان الانقسامات موجودة حتى في داخل الفئة اللغوية والدينية الواحدة وقدم أمثلة هي المذاهب المسيحية المختلفة وانقسام التركمان الى شيعة وسنة مثلا وخص موضوع الأكراد بقدر كبير من الاهتمام محذرا من مشاريع سلخهم عن العراق وقال عن الاكراد ان انقساماتهم اكبر واشد في الناحيتين المذهبية واللغوية. المحامية الكردية البرزنجي كتبت فصلا تحت عنوان (الشعوب الكردية تاريخها وحقوقها) فقالت ان الناظر بعمق في الفروق اللغوية والثقافية وحتى الشكلية بين الجماعات الكردية يكتشف انهم يستحقون تعبير شعوب كردية فهناك عدة فوارق اساسية تحتم هذه التسمية منها فروق لغوية تتمثل في وجود لغات مختلفة رغم تقاربها كتقارب اللغات السامية مثلا فهناك لغة سورانية في القسم الشرقي وامكنة اخرى ولغة بهدانية في القسم الشمالي وهي تسمى بين اكراد تركيا (الكرمنجية) وتكتب بالحروف اللاتينية وهناك ايضا لغة ثالثة هي (الزازائية) عند قسم من اكراد تركيا وكذلك فهناك لغة رابعة هي (الكرمنشاهية) خاصة بين اكراد خانقين ومندلي تضاف الى ذلك لغة خامسة هي (الفيلية) المتاثرة كثيرا بالعربية واللورية وتسود في المناطق الجنوبية بين فيلية الكوت وبغداد والمناطق اللورية في ايران. وجاء في مثل ورد في حاشية عن هذا الأمر ان السوراني لا يفهم البهداني بل يحتاجان مترجما بينهما بالعربية او التركية او الفارسية وتحدثت عن عوامل مختلفة عسكرية واضطهادات وغيرها خاصة ايام العثمانيين ادت الى تكريد جماعات غير كردية فصارت تعرف بهذا الاسم وفي خلاصة الموضوع ان الاكراد العراقيين يشتركون مع باقي الفئات العراقية بالانتماء الى الامة العراقية رغم تمايزهم اللغوي الا انهم تاريخيا وجغرافيا هم ورثة الحضارة الرافدية العراقية بكل تنوعاتها الثقافية والدينية والعرقية .وبمعنى أوضح ان الميراث (الإيراني والميدي) الذي ينتمي اليه أبناء كردستان الإيرانية هو ميراث ثانوي وغير وطني بالنسبة لاكراد العراق وتحدث مطر عن مغالاة القوميين سواء منهم العروبيون والاكراد وغيرهم في تنفير الفئات العراقية وحمل المؤلف بعد ذلك على الدعوات الانفصالية المختلفة وتحدث عن التنوع العرقي والسلالي حتى الآن رغم سيادة التعريب واللغة العربية. وقال على العراقيين الانتباه لمثل هذه المشاريع القومية التقسيمية المغطاة ببهرجات وطنية ديمقراطية خداعة وان العراقيين جميعهم دفعوا الثمن غاليا بسبب خطيئة نخبنا الثقافية التي تناست واستخفت بهوية الوطن العراقي وضيعت نفسها وضيعتنا معها في مشاريع خارجية امبراطورية عظمى عروبية وكردوية وطورانية واشورية واممية واسلامية.