أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية - البنتاجون في التاسع والعشرين من يوليو الماضي أن عدداً من الدول أعربت عن استعدادها لإرسال قوات للمساهمة في إعادة الاستقرار إلى العراق. وتتولى بولندا قيادة هذه المجموعة الجديدة من القوات، وتشارك بقوة تعدادها 9200 جندي يُتوقع انتشارها في مناطق عراقية تحددها قيادة التحالف. وتضم الفرقة المنضوية تحت لواء بولندا 1640 جندياً أُوكرانياً و1300 جندي اسباني و500 جندي بلغاري. كما أن رومانيا ولاتفيا سوف تساهمان معاً ب300 جندي، في حين ترسل سلوفاكيا وليتوانيا 85 جندياً. وقد أعلن ريتشارد باوتشر، المتحدث بلسان الخارجية الأمريكية، في 30 يوليو أن القوة المتعددة الجنسيات المرتقب نشرها في العراق ستضم جنوداً من 30 دولة. وعلى الرغم من توسيع دائرة مشاركة قوات من دول أخرى عديدة، تحتفظ القوات الأمريكية بموقع الهيمنة داخل هذا التحالف العسكري الدولي من حيث عدد قواتها الذي يصل إلى 150.000 جندي. من المثير للاستغراب أن قائمة القوات المشاركة بوجهها الجديد تمثل توليفة من الدول تسعى جميعها إلى تأكيد ولائها للولايات المتحدة. وكما عبر عن ذلك رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، فإن هذه الدول قد أبدت استعدادها لدفع ثمن دموي من أجل الاحتفاظ بمستوى علاقاتها المتميز مع الولاياتالمتحدة، وفي هذا السياق ينبغي طرح سؤال ذي أهمية بالغة: هل اختارت هذه الدول إرسال قواتها بناءً على دواعٍ أخلاقية أم أنها تتوقع الحصول على معاملة تفضيلية من قِبل الولاياتالمتحدة مقابل إرسالها القوات ضمن عمل عسكري لم يحظَ مطلقاً بموافقة الهيئة الأممية؟ ومن المنتظر أن يصبح لقوات كل من ألبانيا وأذربيجان وبريطانيا وبلغاريا وجمهورية التشيك والدنمارك وجمهورية الدومينيكان واستونيا والسلفادور وجورجيا والهندوراس وهنغاريا وإيطاليا واليابان وكازاخستان ولاتفيا وليتوانيا ومقدونيا ومنغوليا وهولندا ونيكاراغوا والنرويج والفلبين وبولندا والبرتغال ورومانياوسلوفاكيا وكوريا الجنوبية واسبانيا وأوكرانيا وجود في العراق، على الرغم من أن التفاصيل المرتبطة بانتشارها لم يُفصح عنها بعد. غير أن الدول العربية أجمعت على عدم المشاركة ضمن القوات المتعددة الجنسيات، معتبرة أنه من دون إعطاء مجلس الأمن الضوء الأخضر لن تشارك أي قوات عربية في أي عمل عسكري جماعي داخل الأراضي العراقية. وفي تحليل لها حول مستوى جاهزية القوات الأمريكية للحرب ضد العراق، ذكرت صحيفة صدجاين' الأسبوعية المتخصصة في شؤون الدفاع Janeشs Defense Weekly في عددها الصادر في أكتوبر 2002 أن الجنود الأمريكيين ليسوا على أهبة الاستعداد، ويفتقرون إلى المهارات القتالية التي يمكن أن تؤهلهم لخوض حرب المدن. ومن المفارقات التي أفرزتها الحرب على العراق التباين الملموس بين مهارات القوات الأمريكية خلال عملية الإطاحة بالنظام البعثي وعدم قدرتها على احتواء الانفلات الأمني داخل أهم المدن العراقية. وضمن الجهود التي تبذلها القوات الأمريكية للقضاء على من تصفهم بفلول النظام السابق، لم تُظهر هذه القوات الحس والوعي المطلوبين للتعامل مع العراقيين العاديين. وبعد أن تلاشت نشوة النصر وما رافقها من ترحيب بعض شرائح الشعب العراقي بقوات التحرير، اصطدم المجتمع العراقي بقساوة الحياة اليومية تحت راية الاحتلال. وقد تفاقم توتر الأجواء داخل العديد من المدن والقرى العراقية على إثر الهجمات اليومية التي استهدفت القوات الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى توتر أعصاب الجنود، ودفعهم إلى شن مطاردات متكررة من أجل إلقاء القبض على المشتبه بتورطهم في تلك الهجمات. ويبدو أن المخططين العسكريين في الإدارة الأمريكية يقفون اليوم عاجزين عن التحكم في العراق، خصوصاً أن الهجمات التخريبية قد أضرت على نحو كبير بالبنية التحتية للبلاد التي تعاني أصلاً من الهشاشة. وفي هذا الإطار، تعرضت محطات الطاقة داخل العاصمة بغداد وضواحيها، وفي مناطق شتى جنوببغداد وصولاً إلى كربلاء إلى هجمات متتالية، مما أدى إلى انقطاع مستمر للتيار الكهربائي، الأمر الذي أثر بدوره في تشغيل محطات تزويد المياه ومحطات إنتاج النفط التي عادت مجدداً إلى العمل بعد فترة من الشلل. ما الذي سيكون أفضل من دولنة المسؤولية في هذه المرحلة؟ بعد أن اتخذت قراراً فردياً بالذهاب إلى الحرب. ها هي الولاياتالمتحدة تدعو الآن، أولئك الذين لم يستطيعوا مقاومتها إلى مساعدتها للقضاء على الفوضى. ويتضح من خلال قائمة البلدان المشاركة في القوات المتعددة الجنسيات أن معظم تلك البلدان إما من دول الاتحاد السوفييتي السابق أو من بلدان أعضاء حلف وارسو التي تشعر بأنها مدينة للولايات المتحدة لدورها في تحريرها من قيود الشيوعية. كما تضم القائمة بلداناً من وسط وجنوبأمريكا ظلت تقليدياً تعيش تحت رحمة الولاياتالمتحدة. وأوضح المعهد الملكي المتحد للخدمات في تقرير صادر في هذا الشهر أنه من الممكن أن تكون الولاياتالمتحدة قد استخدمت صدام حسين كبش فداء لكل الصعوبات التي تواجهها في عراق ما بعد الحرب. وكان مخطط الولاياتالمتحدة لتنفيذ عملية تغيير النظام قاصراً. وظهر ذلك بشكل جلي من خلال القرارات التي تمثلت في حل الجيش العراقي، وبالتالي تحويل 350 ألف جندي إلى أعداء، وقرار إقامة السلطة الانتقالية التي ليس لديها أي تفويض من أبناء الشعب العراقي المتعطشين للمشاركة في عمليات إعادة البناء. وقد تعهدت الولاياتالمتحدة بدفع 270 مليون دولار لنقل القوات المتعددة الجنسيات وتوفير غذائهم واحتياجاتهم الطبية، لكن هذه الخطوة تبدو في جوهرها سياسية أكثر منها عسكرية. ويعتقد البعض أن الولاياتالمتحدة تحاول تقليل خسائرها البشرية على حساب القوات الأجنبية. لكن واستناداً إلى طبيعة الهجمات التي حدثت منذ الأول من مايو الماضي نستطيع القول إن الهجمات ستظل مركّزة في المستقبل على الجنود الأمريكيين أيضاً. عن مركز الخليج للأبحاث